“صالونات مهجورة”.. “مطرقة كورونا” قطعت الخيط بين الزبائن والكوافيرات (فيديو وصور)
على غير طبيعة النسوة، انقطعت الزيارات المعتادة لصالونات التجميل (الكوافير) بصفة دورية؛ فإزالة شعر الوجه أو تغيير لون الشعر لم تعد ضرورة منذ عرف العالم جائحة كورونا (كوفيد 19) مطلع العام 2020، الجميع أصبح حريصًا على تجنب مناطق العدوى، لكن من انقطع دخولهن جرّاء الإغلاق الكلي للكوافيرات عانين الفقر والمرض أيضًا.
غُلّقت الصالونات، وبحثت النساء عن بدائل أكثر حداثة لـ”الفتلة والملقاط”؛ فاعتمدن على أنفسهن، بالتالي توقفن عن الذهاب للكوافير، لذلك كانت العاملات في صالونات التجميل بين الفئات الأكثر تضررًا بعد تفشي فيروس كورونا.
إغلاق إجباري
“أنا قفلت المحل 3 أشهر خلال أزمة الكورونا وكنت بدفع الإيجار من غيرما يجيلي جنيه دخل”.. منى عبدالخالق واحدة من ضمن آلاف أرباب صالونات التجميل النسائية التي اضطرت إلى الإغلاق التام عقب محاولات يائسة لانتظار العميلات لأيامِ وأسابيع كاملة دون جدوى، منذ بدء جائحة كورونا في مارس 2020.
ورغم شهرة السيدة القاطنة في منطقة «عرب راشد» بمدينة حلوان –إحدى ضواحي جنوب القاهرة- وسط «زبائنها» إلا أنهن التزمن المنازل نتيجة الخوف من التقاط العدوى عبر أدوات التجميل كـ(الملقاط-مكواة الشعر- السيشوار-أدوات الباديكير)، وتقارن السيدة بوضع المحل قبل تفشي الجائحة قائلة: “أنا في المواسم كان بيدخل بالـ 70 والـ80 زبونة وكنت ببات بالـ4 ليالِ في المحل وكنت بطلع بمبلغ حلو جدا”.
أما بعد؟ توصف الوضع: “بعد كورونا لو دخلي 20 أو 30 جنيه ببوس أيدي وش وضهر” لم تعتمد «منى» على دخل صالون التجميل في الإنفاق على أطفالها الأربعة فقط، بل تفتح ثلاث بيوت أخرى لنساء يَعُلن أسرهن، وعقب دخول الفيروس مصر اضطرت للاستغناء عنهم وبنبرات حزينة تعبر: “بعد ما رجعت يدوب بيجيلي 5 أو 6 زباين بس أنا لوحدي في المحل مقدرش أدفع يوميات البنات”؛ إذ يضم السوق المصري نحو مليون صالون تجميل- كوافير- رجالى وحريمى، و10 آلاف مركز تجميل، ويوفر القطاع 2 مليون فرصة عمل- حسب إحصائيات شعبة الكوافير بالغرفة التجارية.
من رفوف أسيوط إلى أوروبا.. قصة كفاح شاب يصل إلى العالمية بمشروع صغير (صور)
مع حلول شهر يوليو 2020 عادت السيدة التي تعمل بمجال التجميل منذ 11 عامًا مع الالتزام بكافة الإجرائات الوقائية ورغم ذلك تتعرض لمضايقات من قبل العميلات القلائل اللاتي عاودن الذهاب للكوافير “بيجرحوني بالكلام عشان خايفين وأنا بكون لابسة الكمامة وفي مرة كنت هسيب الشغل خالص بسببهم”.
وتزامنا مع الأخبار المتداولة حول الموجة الثانية لكورونا والتي اجتاحت كثير من دول العالم تعيش السيدة وسط مخاوف الإغلاق مرة أخرى وتختتم حديثها “فيه هوجة جديدة جايا أنا اتعلمت من كورونا أني أصرف جنيه وأعين جنيه لأن الزنقة والحوجة وحشة”.
«سميرة» ضحية الفقر والعنف الزوجي
“أكتر يوم صعب في حياتي لما عيالي كانوا صايمين ومعرفتش أجبلهم أكل على الفطار” سميرة واحدة من ضمن 750 ألف عاملة في مجال تجميل -حسب شعبة الكوافير بالغرفة التجارية- التي تقدم خدمات التجميل للسيدات بالمنازل لعدم مقدرتها المادية لفتح صالون تجميل، وعقب تفشي كورونا انخفض معدل عملها لـ5% مما جعلها على اتصال دائم مع عميلاتها لعرض خدماتها التجميلية، بينما تأتي الإجابة بالرفض التام نتيجة الخوف من نقل العدوى “كنت بكلمهم وبعيط عشان كنت محتاجة الجنيه عشان أكل عيالي”.
تعمل صاحبة الـ 32 منذ 11 عامًا دون علم الزوج العامل باليومية لرفضه طبيعة عملها، ونتيجة ضيق الحال وتراكم الإيجار على كاهلها ومع مولودها الأول اضطرت للعمل سرًا وقت غياب الزوج عن المنزل: “فضلت 11 سنة أشتغل من وراه عشان لو عرف حتى بالصدفة هيموتني من الضرب وكنت بقوله إن الفلوس ديه مساعدات من أهلي”.
وحول تدبير أمورها المعيشية خلال الجائحة والمتمثلة في توفير 2000 جنيه شهريا للإيجار وفواتير المنزل والدواء، شرحت الحاصلة على مؤهل متوسط وسط بكاء متواصل اضطرارها للعمل بالمنازل لفترة قصيرة “كان لازم أجيب فلوس بأي طريقة لنموت من الجوع ونطرد من السكن” فاضطرت السيدة أن تساعد أرباب المنزل في أعمالهن المنزلية وارتضت بأجرِ قليل من أجل العوز. ونظرا لطبيعة النطاق الجغرافي التي تقيم به تتقاضي أموال زهيدة مقابل خدمات التجميل فتقول: “فيه ستات مش بيدفعولي فلوس ممكن واحدة تديني لبن أو جبنة”.
تزامنا مع ذروة انتشار كورونا خضعت السيدة لعملية جراحية، ولم تنتظر فترة التعافي مبررة ذلك “أنا كان كل همي أجيب 10 جنيه أكل عيالي بس”، وعقب اعترافها للزوج بطبيعة عملها نتيجة ملازمة الزوج بالمنزلِ لمدة ستة أشهر تعرضت لكافة أنواع العنف “كان بيديني علقة موت وما أقدرش أعيط ولا أصوت عشان خاطر عيالي ومكنش يقولي غير يا شحاتة”.
حسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة حول العنف الأسري، ضد الإناث أن نحو 243 مليون امرأة وفتاة تعرضن لأشكال من العنف الأسري والتحرش الجنسي والإساءة خلال العام الماضي.
تكتم «سميرة» أوجاعها بين طيات قلبها ووسط تلك الآلام تحرص على تعليم أطفالها وتختم قائلة: “دول أملي في الدنيا واللي شايلة الطين عشانهم نفسي يبقوا حاجة كبيرة وميمروش بالعذاب اللي أنا عايشاه”.
جائحة الفقر
مساء يوم 8 ديسمبر 2018 انقلبت حياة «أميرة» التي تعمل بإحدى أشهر الكوافيرات بمنطقة إمبابة –شمال محافظة الجيزة- رأسًا على عقبِ، وأصبحت مسئولة بمفردها عن طفليها وسداد ديون الزوج عقب وفاته؛ فلم تجد أمامها سوى العودة للعمل مرة أخرى عقب الانقطاع لمدة 5 سنوات “أنا سددت ديون 250 ألف كانوا على جوزي بعت شقتي وعفشي حتى الحلل ومواسير الستاير ومخلتش ورايا ولا قدامي”.
“بعد كورونا مبقاش ولا ست بتيجي وقعدنا في البيت والست قفلت المحل 4 شهور” زادت الهموم فوق كاهل السيدة التي تعمل في مجال التجميل منذ 15 عامًا عقب تفشي الفيروس ولم تجد سوى منزل الأم ليأويها هي وأطفالها بعدما لم تعد تملك ثمن الإيجار، ونتيجة الضغوط أصيبت بجلطة “جاتلي جلطة من كتر الزعل وكنت باخد حقنة كل15 يوم بـ 900 جنيه ومكنش معايا أجيبها.”
لم يكن متاحًا أمام صاحبة الـ 32 عامًا بدائل سوى الاقتراض “وصل بيا الحال أن أجيب فلوس بالربا عشان أكل عيالي” وعقب مطاردة الدائنين لها اعتمدت على تقديم خدمات التجميل للسيدات بالمنازل لـ «زبائنها» القدامى “اشتريت شوية أدوات على أدي وبقيت اتصل بالزباين واحدة واحدة واحكيلها على ظروفي”، وعن الاستجابة رفضت الغالبية العظمى “الناس اللي وافقوا أروحلهم عشان عارفين ظروفي”
حققت «أميرة» تميزًا بمهنتها لدرجة الاستعانة بها للعمل كماكيرة بمدينة الإنتاج الإعلامي بينما أتت كورونا ولم تعد تمتلك جنيهًا “جه عليا وقت ابني أو بنتي بيبقوا تعبانين ومش معايا أجبلهم العلاج وحتى الأكل مكنتش عارفة أجبهلهم”. وتزامنًا مع عودة الحياة بشكل تدريجي، تسرب الأمل لحياةِ الأم مع السيدات القلائل اللاتي تقدم لهن خدمات التجميل بالمنازل “على الأقل بقيت أعرف أجيب أكل لعيالي حتى لو فول بأوطة”.
الاتجاه للمتاجر الإلكترونية
في استطلاع رأي حول ذهاب السيدات والفتيات لمراكز التجميل أو الاستعانة بعاملات التجميل عقب جائحة كورونا، كانت إجابة الغالبية العظمى منهن مقاطعة مراكز التجميل وعدم الاستعانة بالفتيات؛ نتيجة خوفهن من انتقال العدوى عبر أدوات التجميل، وعدم التزام أرباب الصالونات بقواعد التعقيم الصارمة والالتزام بارتداء الكمامة خلال العمل، مما جعلهن يعتمدن على أنفسهن فيما يتعلق بالباديكير وتصفيف الشعر وإزالة شعر الوجه.
كما اتجهت السيدات للمتاجر الأونلاين لخلق بدائل عن خدمات مراكز التجميل وشراء مستحضرات تجميل الوجه والعناية بالبشرة والشعر؛ فأنفقت إحدى السيدات هي وبناتها قرابة الـ10 آلاف جنيه على شراء مستحضرات التجميل عبر التسوق الإلكتروني ولم تذهب للكوافير على مدار سبعة أشهر سوى مرة واحدة.
ونظرا لتغيير عادات المستهلكين عقب تفشي الجائحة والالتزام بالحجر المنزلي زاد أرباح شركات التجميل العالمية، فوصل حجم مبيعات إحدى العلامات التجارية الأمريكية بمجال تصفيف الشعر بالسوق الإلكتروني إلى 300% خلال فترة كورنا –حسب بيان صادر عن الشركة المنتجة- إلى جانب نشر مقاطع الفيديو على مدار اليوم عبر منصات التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بطريقة الاستخدام ورسائل غير مباشرة للاستغناء عن صالونات التجميل.
محمود الدجوي: “أطالب بإعفاء أرباب الكوافيرات من الفواتير”
وفيما يتعلق بآثار أزمة كورونا على العاملين/ات بمهنة التجميل بين محمود الدجوي، رئيس شعبة الكوافير بالغرفة التجارية بالقاهرة، أن الأزمة ساهمت بشكل كبير في امتناع العملاء عن الذهاب لصالونات التجميل نتيجة الخوف من التقاط العدوى، بالإضافة إلى إغلاق قاعات الأفراح وما نتج عنه من تأجيل مراسم الزواج وانقطاع العرائس عن الكوافير.
وعلى صعيد آخر أشار «الدجوي» إلى توقف خطوط الطيران ومن ثم حركة الاستيراد مما أدى لارتفاعِ مستحضرات التجميل؛ لعدم توفر المستورد بالسوق المصرية، وذلك سبب معاناة مزدوجة لأرباب الكوافيرات نتيجة ارتفاع الخامات وقلة الزبائن، مما اضطرهم/ن للإغلاق التام وتسريح العُمال.
ولتخفيف تداعيات الوباء على أرباب صالونات التجميل طالب «الدجوى» بأعفاءِ أصحاب المحلات ومراكز التجميل من دفع فواتير المياه والكهرباء خلال فترة كورونا؛ نظرا لما سيتعرضون له من خسائر فادحة خلال تلك الفترة العصيبة.
كما أكد رئيس شعبة الكوافير خلال حديثه على جميع العاملين في المجال بالالتزام بكافة الإجراءات الوقائية خلال تأدية عملهم من خلال لبس قفازات اليد الطبية والكمامة، والحرص على المسافة بين العامل والعميل، وتعقيم كافة الأدوات المستخدمة، إلى جانب الحجز المسبق منعًا للتكدس.