"خلّيك نفسك!"
• من حوالى 30 سنة وفي واحد من أكبر مصانع الصابون في الصين بدأ المسئولين عن المصنع يلاحظوا وبشكل متزايد إنخفاض في مبيعات المصنع رغم إنه واحد من أهم وأكبر مصانع الصابون في العالم وقتها وقدر ياخد ثقة العملاء.. وصل الموضوع إن الخساير في 6 شهور بقت = مكاسب سنة كاملة!.. مدير المصنع عمل اجتماع عاجل مع المهندسين بتوعه عشان يدرسوا إيه سبب الكارثة اللي حاصلة دي.. بعد مشاورات وبحث اكتشفوا إن فيه عطل في ماكينات تغليف الصابون!.. كلها؟.. كلها آه.. الـ 7 ماكينات كلهم فيهم نفس العطل!.. طب ده معناه إيه، وإيه نوعيه العطل ده أصلاً؟.. اللي حصل إن كان فيه عبوات صابون فاضية كانت بتمر وسط العبوات المليانة وتدخل جوه الكرتونة اللي بتتعبى فيها.. بقى العميل لما بييجى يشترى كارتونة صابون وهي فيها 24 قطعة مثلًا يلاقى وسطهم بتاع 5 أو 6 فاضيين.. طبعًا الموضوع ده خلّى العملاء شوية بشوية يفقدوا ثقتهم في المنتج كله.. المدير والمهندسين عملوا حسبة بسيطة عشان يشوفوا لو حبوا يجددوا الماكينات بتاعت المصنع ده هيكلفهم كام.. لقوا التكلفة 5 مليون دولار.. بالمناسبة ده رقم كبير جدًا بمعايير وقتها.. المشكلة التانية إن المصنع كان حط خطة لتجديد المصنع كله خلال 5 سنين وبشكل تدريجي ومش منطقي إنهم يدفعوا المبلغ ده مرة واحد ويضحوا بالتجديد الشامل للمصنع.. المدير فكر في حل مختلف.. راح لـ العمال البسيطة اللي في المصنع وقعد معاهم وقال لهم: (أنتم شركاء نجاح للمصنع ده ولولا مجهود أصغر واحد فيكم ماكنش وقف على رجليه، والنهاردة المصنع بيمر بأزمة وحابب إنى أشرككم معايا فيها).. الكلام خلّى الكل متحمس وحاسين بالثقة في نفسهم وبالتقدير من مديرهم.. المدير حكى ليهم على المشكلة.. شاب صغير في السن من العمال وقف وقال له أنا عندى الحل!.. طبعاً الجملة بتاعته واجهت استهجان من باقي العمال اللي هو حل إيه اللي عندك أنت ياللي ماطلعتش من البيضة وعمرك مايزدش عن 16 سنة!.. الواد بمجرد ما نطق كل اللي حواليه بقوا يقولوله "هش هش هش هش"، واللي يشده من إيده عشان يقعد تاني، واللي يزغرله بعيون هتطق شرار وكإنه عمل جريمة!.. الشاب زاح إيد اللي بيحاول يقعده، وكرر الجملة تاني وهو موجه كلامه للمدير بتصميم: أنا عندي الحل بس إدينى 100 دولار.. المدير قال له: أنت مجنون! إيه الحل اللي هتعمله بالـ 100 دولار! أنا بقول لك 5 مليون دولار وأنت بتقول لي 100 دولار!.. الشاب قال له: أنت مش وثقت فينا؟ خلاص يبقى إدينى الـ 100 دولار دلوقتي وتعالا بكره شوف هنعمل إيه بيها!.. حصل فعلًا والمدير إداله الـ 100 دولار.. الشاب اشترى كذا مروحة كهربائية عادية وحطهم قدام السير اللي بيرمي علب الصابون جوه الكراتين.. بقى الهوا اللي خارج من المراوح بيطّير العلب الفاضية ومش بيوصل لنهاية السير إلا العلب المليانة بس!.. اتحلت المشكلة واتوفر على المصنع ملايين الدولارات.. والسبب؟.. حل بسيط عبقري صغير طلع من شاب عبقري صغير لما اتحطت فيه ثقة إنه ممكن ينجح.
• في الأربعينات "أم كلثوم" حست بألم قاسي في جنبها وبعد التشخيص تم اكتشاف إن الزايدة الدودية ملتهبة ولازم تتشال.. في الفترة دي وحتى برغم الإمكانيات الكبيرة بمعايير زمنهم كانت فكرة فتح بطن وعملية جراحية لحد؛ شىء فيه مخاطرة.. في نفس التوقيت كان فيه خلاف شديد بين الست وبين صديقها الشاعر الكبير "أحمد رامي".. خلاف كبير وتفاصيله متشعبة وكل واحد فيهم كان راكب دماغه إن هو اللي صح والتاني الغلط راكبه من ساسه لراسه!.. عشان كده ماكنش غريب بعد أزمة الست الصحية إن كل الناس سألت وزارت "أم كلثوم" ماعدا "رامي"!.. ورغم إن فعلاً المستشفى ماكانتش بتفضى من كُتر زيارات الناس بس برضه فضلت حتة نغزة الضيق اللي جواها لإن أقرب صديق ماجاش ولا سأل.. على الناحية التانية كان "رامي" متردد (أروح ماروحش، أروح ماروحش، أروح ماروحش).. حتى في جلسات "رامي" مع الملحن "محمد القصبجي" واللي يعتبر صديقهم العزيز المشترك كان بينصح "رامي" إن كلمة واحدة بس منك ممكن تقفل القصة دي خالص حتى لو الغلط منها هي بس الكلمة بتاعتك هتفرق!.. "رامي" فضل ثابت عند رأيه.. لأ يعني لأ.. لكن بعد مرور كذا يوم وماتعرفش لما قعد مع نفسه وقلّب الموضوع في دماغه وفكر بهدوء؛ فجأة وبدون سابق إنذار قرر "رامي" يزورها في المستشفى.. اختار وقت متأخر بعد مواعيد الزيارة عشان محدش يكون موجود ودخل عليها ماسك وردة حمراء بيقدم رجل وبيأخر التانية!.. "أم كلثوم" رفعت حاجبها وبصت له بنظرة فيها عتاب ولوم كتير بدون كلام وعشان ماتبينش إنها زعلانة من عدم زيارته قالت بتريقة وهى بتبص على الوردة اليتيمة اللي هو ماسكها في إيده: (وردة واحدة! والله كتر خيرك).. "رامي" استقبل سخريتها كعادته بإبتسامة وقال لها بسرعة: (أنا كنت هجيب بوكيه كامل لكن فكرت وقلت لما "أم كلثوم" تتهادى بـ ورد مش لازم تكون صُحبة ورد كتير؛ بالعكس ممكن تكون وردة واحدة بس لكن بشرط تكون أحلى وردة فيهم!).. الجملة رغم بساطتها لكن كانت منطقية ولطيفة ودوبت كتير من جبل التلج اللي بينهم خصوصاً إن الوردة فعلاً كانت حلوة.. وهى دى عادة "أحمد رامي" اللي فضلت ملازماه طول حياته.. بساطة الكلمة الحلوة الرقيقة اللي قدرت تدخل بيوت وعقول وقلوب الناس كتير بدون إستئذان.. كفاية إنك تعرف إنه كتب 137 أغنية لـ "كوكب الشرق" وما أخدش مليم واحد منها!.. ولما كانوا بيسألوه ليه يعني ده حقك!.. كان يرد: (ببساطة عشان ببقى مبسوط لما بسمع كلامي بصوتها).. بساطة "رامي" خلّته حتى لما اتجوز حط صورة لـ "أم كلثوم" في بيته!.. ولما كانت واحدة من قرايبهم تيجي تزورهم وتحاول تهدى النفوس فتقول لـ زوجة "رامى": (يوووه إيه ده إلحقى ده حاطط صورة أم كلثوم! ده شكله بيحبها).. كانت مراته اللي واضح إنها كانت واخدة منه "البساطة" هى كمان ترد وتقول: (وإيه يعنى! ما أنا كمان بحبها!).. الشاعر المخضرم العظيم "أحمد رامي" واللي ممكن تكون بتدندن من أغانيه وأنت مش عارف إن هو اللى كاتبها زي (عودت عينى ، هجرتك ، يا ليلة العيد ، يا ظالمني)، وغيرها كتير؛ كان واخد "البساطة" مبدأ.. أى حد يعرف يعبر بأى عدد من الكلمات بس اللى بيفضل وبيسيب أثر هو صاحب الكلمات الأبسط.
• الرئيس الأمريكى "كالفين كوليدج" نشأ في أسرة على قد حالها.. لما تولى الرئاسة قرر يعزم أصدقاء السنكحة والطفولة البائسة بتاعته على العشاء في البيت الأبيض!.. أصدقائه ولإنهم معندهمش أى خبرة بالإتيكيت كانوا محتارين هياكلوا إزاى وهما معاه.. أصل أكيد يعني هو نفسه طريقة أكله اختلفت من لما كان طفل بسيط عايش وسطهم بيا كل بإيده وبيعُك لحد ما بقى رئيس.. عشان مايحرجوش نفسهم اتفقوا بينهم وبين بعض إنهم يقلدوا "كالفين" في كل تفصيلة هيعملها وهو بياكل.. مسكة الشوكة.. طريقة تقطيع الأكل.. حجم القطعة اللي هيحطها في بُوقه، وهكذا في كل حاجة.. "كالفين" صب القهوة جوه الفنجان.. عملوا زيه.. كب شوية قهوة من الفنجان على طبق الفنجان.. عملوا زيه.. نفخ شوية في القهوة عشان يبردها.. عملوا زيه.. حط جوه القهوة اللي على الطبق شوية سكر وكريمة.. عملوا زيه.. وطى وحط طبق الفنجان على الأرض للقطة بتاعته عشان تشرب منه!.. كلهم تنحوا واتلخبطوا ومنهم اللي قلده واللى وقّع الطبق واللي دلدق على هدومه، وكانت مسخرة!.. الموقف كان مربك وتقليدهم الأعمى له بدون تفكير خلّى شكلهم مضحك قدامه!.
• في عصر الملك "لويس الرابع عشر" ملك فرنسا ورغم كتير من الإنجازات اللي ممكن يكون عملها لشعبه بس كان عنده طبع كده إن دماغه عيالي شويتين تلاتة!.. إيه ده وهو الحكمة وحُسن القيادة ممكن يكون معاهم دماغ فيها لطشة جنان؟.. أيوا عادي.. طب جنانه ده كانت إيه أبعاده؟.. كان بيحب يعمل حيل وألعاب وحركات يلاعب بيها المساجين قبل ما يقتلهم!.. بمعنى؟.. فلان محكوم عليه بالإعدام يجيبه في ساحة كبيرة قدام الناس وينزل قدامه أسد، ويقول له لو قدرت تقتل الأسد هسيبك!.. والسجين هو وحظه بقى.. يربط سجين تاني من رجله بـ حبل، ويرميه من فوق جبل عالي جداً، ويقول له لو فضلت عايش هتبقى براءة، وهكذا!.. تصرفات غالب عليها الفكر الطفولي لما تخلّيه يمسك حاجة كبيرة.. في واحدة من القصص اللي اشتهرت ومتعلقة بـ جنان "لويس" إنه في مرة دخل الزنزانة اللي هو حابس فيها واحد من المساجين، والمفروض إنه كان هيتعدم تاني يوم.. الطبيعي إن أول حاجة جت في بال السجين إن الملك قرر يعدمه بدري بس ماكنش ده غرض "لويس".. دخل ووقف قدامه وقال له: (سأعطيك فرصة إن نجحت في استغلالها فبإمكانك أن تنجو.. هناك مخرج موجود في زنزانتك بدون حراسة، إن تمكنت من العثور عليه يمكنك الخروج، وإن لم تتمكن فإن الحراس سيأتون غدًا مع شروق الشمس لأخذك لحكم الإعدام).. السجين ماقدرش يتكلم ولا يسأله هو أنت بتتكلم بجد ولا لأ بس مراجعة سريعة في ذهنه للي كان سمعه عن "لويس" إنه مش بيكذب ومادام قال حاجة يبقى بيعنيها مليون% حتى ولو كانت مش منطقية.. "لويس" رمى الكلمتين وخرج من الزنزانة ووراه الحرس بعد ما فكوا السلاسل اللي في إيد ورجلين السجين.. فوراً وبدون تضييع أى وقت بدأ السجين يفصص الزنزانة حتة حتة وزاوية زاوية عشان يلاقي المخرج.. يشد الحجر الفلاني اللي في الركن الفلاني.. لأ.. يهز الشباك الحديد اللي موجود فوق يمكن يتفك في إيده.. لأ برضه.. لحد ما لقى في ركن عالي وشِبه متداري حتة سجادة دايبة.. حاول ينط نطات متتالية ورا بعض عشان يطولها لحد ما شالها.. لقى وراها فتحة بس محشية قش.. نفس النطات المتتالية وبدأ يشيل القش واكتشف إن وراها ممر.. رفع جسمه بـ نطة عالية اعتمد فيها على نحافته وحشر نفسه في الممر الضيق ده وفضل يمشي فيه لحد ما وداه في نهايته لسرداب.. بعده سلم خشب.. نزل منه.. مكان يوديه لمكان وسلم يبعته لسلم تاني لحد ما بدأ شوية بشوية يشم ريحة البحر خصوصاً إن القلعة اللي محبوس فيها كانت على الشاطىء مباشرة.. الأمل ملى كيانه كله، وبدأ يتحرك بسرعة أكبر عشان يشوف آخرتها إيه.. في النهاية وبعد ساعات من اللف والدوران قابله باب حديد ضخم مقفول.. خبط فيه بعصبية برجليه وإيديه بس مفيش فايدة.. رجع تاني وهو محبط للزنزانة بتاعته، وكل اللي في باله إنه كان ضحية لحظة جنان وإشتغالة من الملك "لويس".. قعد على الأرض وهو منتظر الحراس يدخلوا عليه في أى لحظة عشان ينفذوا فيه الحكم.. مع شروق الشمس فوجيء بـ وش "لويس" طالل عليه من ورا شباك الباب وهو بيسأله: (أراك لازلت هنا!).. السجين قال: (كنت أتوقع أنك صادقاً معي).. "لويس" رد: (لقد كنت صادقاً).. السجين قال بعصبية: (لم أترك بقعة في الزنزانه لم أحاول فيها.. فأين المخرج الذي قلت لي عنه؟).. "لويس" قال: (لقد كان باب الزنزانة نفسه مفتوحًا وغير مغلق، والطرقات كانت خالية من الحراس حتى بوابة الخروج لكنك كنت تبحث عن الحل الأصعب!).. بالمناسبة "لويس" أفرج عن السجين بعد كده، وصحيح إن الموقف مع انتشاره وسط الناس من وقتها لدلوقتي، ورغم إن "لويس" نفسه مابطلش حركات الجنان بتاعته دي لكن المعنى اللي كان عايز يوصله سواء من إفراجه عن السجين أو اللعبة اللي عملها معاه فضل أثرها ممتد.. إن الحلول السهلة البسيطة دايماً بتكسب.
• المؤلف المسرحى "أوسكار وايلد": (الحياة ليست معقدة؛ نحن المعقدون.. الحياة بسيطة، والشيء البسيط هو الشيء الصحيح ).. والله ما فيه أحلى من البساطة.. كُل اللي يعجبك وإلبس اللى يعجبك؛ وطُز في الناس.. عيشها ببساطة.. أعقد المشاكل فكرلها في أبسط الحلول.. بالبساطة بتتحل أصعب خلافات، وبيها بتقدر تخطف قلوب غيرك بسهولة.. إنزل بشبشب.. أضحك بصوت عالى لو دي طبيعتك.. كُل من على عربية فول و دِش بصل بإيدك لو لسه ماجربتش.. عبر عن اللي جواك وش بدون مقدمات.. ماتحبسش كلام ولا مشاعر؛ دى حاجات اتخلقت عشان تتقال.. الموضوع ملوش علاقة بـ فقر ولا غنى.. لو مشيت ورا كلام الناس مش هتخلص.. مع الوقت بتكتشف إن رأى الناس هو أرخص حاجة تتخسر لو في المقابل هتكسب إنبساطك.. أى تصرف عكس طبيعتك ومزاجك ماتعملوش.. ماتلبسش توب مش توبك.. خلّيك حقيقى وماتخلّيش حد يلغيك.. الكاتب الأمريكى "ريتشارد باخ " قال: (أبسط الأشياء غالبًا ما تكون الأصدق).