الملك فاروق يمنع أم كلثوم من دخول السرايا ويحذف أغنيتين لها من الإذاعة
هي واحدة ضمن أهم خمسين شخصية مؤثرة في العالم كله خلال القرن العشرين، كما جاء في التايم الأمريكية, هي أيضًا سيدة القرن العشرين في الوطن العربي لدورها الريادي في خدمة المجتمع والوطن وتقديمها الفن الذي يرقى بالواجدان والمشاعر على ما يزيد من نصف قرن.
وعلى الرغم من مرور ٤٦ عاما على رحيلها إلا أنها لا تزال موجودة بفنها ليل نهار وبل شهرتها تزداد يوما بعد يوم وأغانيها لا تزال مليء الأسماع من مختلف الأجيال و الأعمار والجنسيات ولعلها المطربة الوحيدة في العالم التي تتميز بذلك.
ولا يزال في حياة هذه الفنانة الحقائق التي لا يعرفها كثيرون ولعل من أهم هذه الحقائق هي خلافاتها مع الملك فاروق.
فلم تكن العلاقة بين السيدة أم كلثوم والملك فاروق على ما يُرام كما يُشاع دائمًا، حيث يقال في كل مناسبة إنها مطربة الملك وأنها تقلدت نيشان الكمال عام 1944 لأنها دائمة الغناء للملك فاروق بمناسبة أو غير مناسبة، وأكثر ما أشُيع عنها أنها مطربة السلطة، فهي تارة تغني للملك فاروق ثم بعد قيام ثورة يوليو وبزوغ زعامة جمال عبد الناصر كانت في مقدمة الغناء الناصري.
والحقيقة لم تكن ذلك تمامًا أم كلثوم لم تغنِ للملك فاروق إلا مرتين كل عام مرة في عيد ميلاده ومرة أخرى في عيد جلوسه على العرش وهذا كان بروتوكولًا رسميًا في القصر الملكي أن يغني أهم مطرب ومطربة في هذين الحفلين من كل عام فكانت أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب بصفتهما أهم من يغني.
فلم تكن تسعى للغناء للملك فاروق حبًا وتقديرًا لجهوده المبذولة في خدمة ورفعة شأن الوطن أو لأنها من حاشية الملك الذي ينعم عليها بعطاياه وهداياه من آن لآخر أو للتودد إليه ونيل رضاه ولكن غناءها كان من ضمن بروتوكولات السرايا التي لا تستطيع أن تعترض عليها.
أمًا غناؤها للزعيم جمال عبد الناصر فكان من قلبها الممتليء بحب الوطن وحب من يسعى لنهضة ورفعة شأن هذا الوطن، فكان غناؤها لمصر والثورة وقائدها الزعيم جمال عبد الناصر بعد كل مناسبة وطنية أو لدوره الوطني في رفعة شأن الفلاح المصري والعامل المصري وإنجازاته التي كانت تراها رأي العين وتدمع عينيها من فرحتها.
حتى عندما علمت بوفاة الزعيم جمال عبد الناصر ألغت حفلاتها للمجهود الحربي في موسكو وقامت تصلي عليه صلاة الغائب في موسكو واعتزلت الغناء قرابة الثلاثة أشهر حزنًا عليه بل غنت له بعد وفاته وبعد أن أقسم الرئيس السادات اليمين الدستورية، فهي الوحيدة التي غنت لرئيس دولة بعد وفاته.
والدليل على ما نتحدث عنه هذه الخلافات التي كانت مع أم كلثوم والملك فاروق.. بدأ الخلاف بسبب قصة الحب بينها و بين خال الملك شريف باشا صبري الذي كاد أن يتم زواجهما رسميًا بينهما لولا تدخل أميرات القصر الملكي اللاتي عارضن ذلك الزواج فرضخ الملك فاروق لرغبة الأميرات، وحاول أن يمسك العصا من النصف فاقترح عليه أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي أن يكون الزواج عرفيًا حتي يُرضِي جميع الأطراف.
وهذا ما عارضت فيه أم كلثوم قائلة: "أنا فلاحة و لازم جوازي يكون قدام الناس كلها"، ورفضت أم كلثوم الزواج العرفي مما اعتبر الملك فاروق ذلك الرفض إهانة له ولأسرة محمد علي باشا حتى صدر قرار ملكي بمنعها دخول القصر الملكي، وكان هذا أول قرار من نوعه لمنع مطربة كبيرة بحجم أم كلثوم يحبها شعب مصر أجمع.
وبالطبع كان لهذا القرار تبعات سيئة للنيل والهجوم على الملك وتناقص شعبية الملك فاروق، حيث إن أم كلثوم قد وصلت لمرحلة كبيرة من حب وشعبية جموع الشعب المصري..
فكانت حفلة عيد الأضحى المبارك الذي أقامها النادي الأهلي وأحيتها أم كلثوم فجاء العقل المدبر للملك فاروق أحمد حسنين باشا واقترح عليه أن يفاجئ الجمهور بالحضور ويصالح أم كلثوم أمام الجميع بمنحها نيشان الكمال؛ ما يجعله يستعيد شعبيته من خلال شعبية وجمهور أم كلثوم وقد كان.
وكانت هذه الحفلة الشهيرة التي غنت فيها أم كلثوم "يا ليلة العيد أنسيتنا"، وعندما علمت بقدوم الملك فاروق فطنت بذكائها الأمر كله فعدلت في كلمات الأغنية لترد عليه التحية قائلة: "وقلنا السعد هيجينا علي قدومك في ليلة العيد."
ثم كان الخلاف الثاني وهو إعلان أم كلثوم خطوبتها من الموسيقار محمود الشريف وما إن تم إعلان الخطبة على صفحات الجرائد وعند الإعلان عن الخبر في الصحف أسرع شريف باشا صبري خال الملك فاروق إلى ڤيلا أم كلثوم بالزمالك وبرفقته بهي الدين بركات خال سعد باشا زغلول الذي أعلن رفضه واستنكاره لفكرة هذا الزواج وذكرها في هذه الزيارة بنيشان الكمال الذي تحمله وأن زواجها وفق ما جاء في براءة هذا النيشان مرهون بإرادة الملك فاروق شخصيًا ومتوقف على رضاه السامي باعتبارها من أصحاب لقب "صاحبة العصمة".
وبعدها ذهب إليها مصطفى أمين وأخبرها بأن الملك فاروق ضد هذا الزواج وإذ لم تنهيه فسوف يتخلصون من محمود الشريف وبالفعل أنهت هذه القصة بفسخ الخطوبة عكس ما أشُيع أنه تم زواجها بالفعل من الموسيقار محمود الشريف، وهذا ما نفاه نهائيًا ابن شقيقها المهندس محمد الدسوقي والمؤرخ الموسيقي المعروف محمود كامل إلى جانب صديق عمرها الكاتب الصحفي الكبير مصطفى أمين.
والغريب في الأمر أن الملك فاروق لم يكتفِ بذلك مع أم كلثوم بل طالت يده فنها بعدما طالت حياتها الخاصة، ففي عام ١٩٤٩ كانت أم كلثوم في مسرح معهد الموسيقى العربية في بروفات أغنية "ولد الهدى" لأمير الشعراء أحمد شوقي، فجاء مبعوث من السرايا ليقطع البروفة ويستأذن بالحديث مع صاحبة العصمة أم كلثوم ليبلغها رسالة ملكية غير رسمية بإلغاء بيت الشعر "الاشتراكيون أنت إمامهم لولا دعاوى القوم والغلواء" حتى إندهشت أم كلثوم من هذا الأمر العجيب الذي لم يحدث من قبل.
ولكن أصرت أم كلثوم على أن تظهر القصيدة دون حذف أي حرف أو مقطع خاصةً هذا البيت وقد كان وتحدت رغبة السرايا والملك فاروق نفسه، ولكن تم منع هذه الأغنية من الإذاعة المصرية في سابقة لم تحدث من قبل لأم كلثوم حتى قيام ثورة يوليو التي أفرجت عن هذه الأغنية.
وطال هذا المنع أغنية أم كلثوم الوطنية الأشهر "مصر تتحدث عن نفسها" التي تم منعها بإذن من السرايا بعد نشوب حريق القاهرة ٢٦ يناير ١٩٥٢ وتم الإفراج عنها هي بعد قيام ثورة يوليو ١٩٥٢.
وتعد هذه هي الخلافات الأهم و الأشهر بين السيدة أم كلثوم والملك فاروق ولا أعلم بخلافات قوية بهذا الشكل بين الملك فاروق وأي فنان آخر إلا مع أم كلثوم وبكل أسف يشيعون عنها أنها مطربة الملك ومطربة السلطة وأنها تغني لمن يملك زمام الأمر.. ولعلنا في هذه السطور نكون قد أنصفنا هذه المرأة من ظلم من يسعون لتشويه كل رمز جميل ونبيل من رموز مصر والوطن العربي الشامخ.