السبت 23 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

أبو زيد.. وقضايا الحسبة!

السبت 03/أبريل/2021 - 05:45 م

ليس هناك أنسب من اللحظات الصعبة للاشتباك مع القضايا الصعبة، والوقت المناسب لكلمة الحق هو دائمـًا الآن. وحينما توجد مصائر أمة وقضايا وطن وأرواح على المحك، فالوقت المناسب هو الآن.. وفورًا.
ومن ذلك قضايا الحسبة التي تطل برأسها من حينٍ لآخر وتهدّد حرية التعبير والفكر والاعتقاد وقيم حقوق الإنسان.


ولعلنا نذكر ما جرى في تسعينيات القرن العشرين، حين أثار الكاتب والباحث الأكاديمي د.نصر حامد أبو زيد زوبعة بكتاباته في الفكر الديني ومعارضته سلطة النص المطلقة. فجأة، أقام مواطن يدعى محمد حميدة ومعه ستة آخرون دعوى أمام محكمة الجيزة للأحوال الشخصية يطالب فيها بالتفريق بين الباحث د.نصر حامد أبو زيد، أستاذ الدراسات الإسلامية بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة، وزوجته د.ابتهال يونس، المدرس بقسم اللغة الفرنسية، تأسيسـًا على أن العلاقة الزوجية بينهما قد غاب عنها شرط التكافؤ الذي تتطلبه الشريعة الإسلامية، بعد أن أفصحت دراسات د.نصر أبو زيد -فيما يزعمه المدعي حميدة- عن إنكاره لما هو معلوم من الدين بالضرورة وهو ما يخرجه من ملة الإسلام ويجعله مرتدًا عنها، وقد قضت محكمة الجيزة بعدم قبول الدعوى نظرًا لانتفاء مصلحة المدعي في رفعها، غير أن حميدة والذين معه لم يرتضوا الحُكم فطعنوا عليه بالاستئناف، لكن محكمة استئناف القاهرة للأحوال الشخصية أصدرت حكمـًا قضى بإلغاء حكم محكمة أول درجة والتفريق بين د.نصر أبو زيد وزوجته د.ابتهال يونس، وقد أثار ذلك الحُكم موجة عارمة من الاستياء المحلي والعالمي؛ إذ اعتبره الكثيرون من المعنيين بحرية الفكر والضمير، فضلًا عن المعنيين بحرية البحث العلمي، عدوانـًا صارخـًا على حرية البحث العلمي وانتهاكـًأ لحرية الضمير، فضلًا عن أن الدعوى برمتها تمثل محاولة من التيار السلفي المتنامي للخطو خطوة مدوية في طريق الدولة الدينية.


بعد أن اعتُبِر د. نصر حامد أبو زيد مرتدًا عن الإسلام، اضطر للجوء إلى هولندا إثر هذا الحُكم.


كان أبو زيد أصدر العديد من الكتب من أهمها "الاتجاه العقلي في التفسير دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة" و"فلسفة التأويل دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي" و"أنظمة العلامات في اللغة والأدب والثقافة مدخل إلى السميوطيقا" و"مفهوم النص دراسة في علوم القرآن".


وعندما قدَّم أبو زيد أبحاثه بعنوان "نقد الخطاب الديني" للحصول على درجة الأستاذية تكونت لجنة من أساتذة جامعة القاهرة أبرزهم رئيسها د.عبدالصبور شاهين، الذي اتهم في تقريره أبو زيد بالكفر، وحدثت القضية المعروفة التي انتهت بمغادرته مصر إلى المنفى، منذ 1995 بعد حصوله على درجة أستاذ بأسابيع.
وانشغلت الأوساط العلمية والفكرية في مصر والعالم العربي بالقضية، خصوصـًا أن د.عبدالصبور شاهين أرفق اتهامه بالردة لأبي زيد تقريرًا تضمن "العداوة الشديدة لنصوص القرآن والسنة والدعوة لرفضهما. والهجوم على الصحابة، وإنكار المصدر الإلهي للقرآن الكريم، والدفاع عن الماركسية والعلمانية وعن سلمان رشدي وروايته (آيات شيطانية)".


وعلى إثر هذا التقرير نشأت معركة فكرية واسعة بين أنصار أبو زيد وبين المؤيدين لتقرير شاهين، وطالبته لجنة مكونة من 20 عالمـًا من الأزهر بإعلان التوبة عن بعض الأفكار التي وردت في كتابه "مفهوم النص" ورأوا أنها مخالفة لأحكام الدين الإسلامي.


إلا أن عبدالصبور شاهين نفى نفيـًا قاطعـًا في عام 2010 في حوار أجرته معه جريدة "الدستور" المصرية أن يكون قد كفَّر أبو زيد وقال: "لا يمكن أن أورط نفسي في هذا الاتهام البشع، لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما)، وكلنا سنحاسب بين يدي الله تبارك وتعالى، وما كتبته في التقرير الذي أقرته اللجنة العلمية وأقره مجلس الجامعة كان تقييمـًا علميـًا موضوعيـًا لأعمال الباحث، فنحن نفحص بحثـًا لا باحثـًا، ولم أتعرض في تقريري لعقيدة الباحث أو دينه، فهذا أمره إلى الله سبحانه وتعالى ولا شأن لي به".


وقبل د.نصر حامد أبو زيد، خاض المفكر د.فرج فودة معركة طويلة مع التفكير والتنوير والبحث في مجال العلوم الإسلامية، وله كتابات عديدة مسلسلة في هذا السياق، نُشِرت على صفحات مجلة "أكتوبر" وصحيفة "الأحرار" في مصر، وأصدر عددًا من الكتب التي احتوت على آرائه التنويرية العميقة في مجال البحوث والدراسات الإسلامية، كما أسس وأدار الجمعية المصرية للتنوير، التي كان مقرها في مصر الجديدة، وشهدت حادثة اغتياله في أثناء خروجه من مقرها في الثامن من يونيو عام 1992.


لكن هذا يحتاج إلى مزيد من التفصيل في مقالٍ تالٍ قريبًا.

تابع مواقعنا