الأحد 24 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

فتحي نصيب يكتب: جدل الترقب والفجيعة في قصة "الحد" للكاتب سعيد زكي

الكاتب والناقد فتحي
ثقافة
الكاتب والناقد فتحي نصيب
الإثنين 12/أبريل/2021 - 02:30 م

تعالج قصة "الحد" للكاتب سعيد زكي، ظاهرة الثأر التي ما زالت منتشرة في بعض المجتمعات البطريركية أو العشائرية أو القبلية، ولكنها موجودة أيضًا، وإن بشكل أقل حدة في المجتمعات المتقدمة، حيث تطرح في الكثير من الأعمال والأفلام الأمريكية التي تناقش مسألة الثأر أو الانتقام خارج أطر المؤسسات القانونية.
 

تبدأ القصة بجلوس السارد ببيته مترقبًا كعادته طوال سنوات ليرصد شبحًا يتحرك في الظلام، ظانًا أنه آت ليثأر منه، وهنا يعود بالذاكرة إلى أربعين عامًا مضت ليحكي وقائع ما حدث وصولاً إلى اللحظة الراهنة، حيث تأتي الخاتمة/ الفاجعة بإطلاق الرصاص على الشبح الذي يكتشف أنه ولده.
 

الأمثولة التي يقدمها الكاتب تتلخص في أن الثأر كالنار التي تلتهم نفسها إن لم تجد ما تلتهمه، وهي حلقة جهنمية من الفعل ورد الفعل والتي قد تستمر عقودًا وتطيح بأرواح العشرات دون ذنب سوى القرابة.
 

ثمة إشارات في القصة تظهر أن العادات والتقاليد الاجتماعية أقوى من العلم والتعلم، فأبناء القتيل مثلاً يدرسون في الجامعات ويعملون في مدينة كالقاهرة، لكن هذا كله يتراجع أمام سطوة الأعراف والعادات المتحكمة في السلوك والمعتقدات المحافظة.
 

المشهد الأول في القصة يدور في الزمن الحاضر، حيث لحظة الترقب الممزوج بالخوف والتوتر المتراكم على مدى سنوات، وفي المشهد الثاني، وهو الأطول سرديًّا، عودة إلى الماضي وتمهيد إلى مشهد الخاتمة في الزمن الحاضر.
 

القصة من الناحية الأدبية

برع الكاتب في شد انتباه القارئ من خلال المقطع "رحمة الله عليك يا أبي.. لعنة الله عليك يا أبي.. لا أدري أأدعو لأبي أم أدعو عليه". وهو كلام صادم وخارج عن المألوف، صاغه الكاتب في شكل سؤال استنكاري محفِّز ومشوِّق لمعرفة مقصد السارد الذي يحمل والده مسؤولية تغير مصائر أفراد العائلة وإلى الأبد، نتيجة لارتكابه فعل القتل الذي يستوجب الثأر، وهو ما عبرت عنه الأم بقولها "يا خراب بيتك يا فتحية".
 

وكان موفقًا في عنوان القصة لأن من معاني "الحد": أن يجعل للأرض حدودا، وحد على غيره بمعنى غضب وأغلظ القول، وحدت المرأة على زوجها أي تركت الزينة ولبست الحداد، ووضع حدًّا للأمر بمعنى أنهاه، حد سكينه بمعنى شحذه، والحد في الشرع عقوبة مقدرة وجبت على الجاني، وكل هذه المعاني نجدها في القصة بشكل أو بآخر.

ولي ملاحظات أوجزها في الآتي:

  1. جملة المفتتح "الساعة الثالثة ليلا.." أرى أن الأصوب الثالثة صباحًا، لأن ما بعد منتصف الليل يعد دخولاً في صباح اليوم التالي.
    جملة "الدموع في عيون أمي" والأصوب أن نقول "في عيني أمي" .
  2. جملة "ليلة حالكة السواد" أرى أنها مستهلكة، وجملة "الثأر لا يسقط بالتقادم ولو بعد 40 عامًا" أرى أنها جملة تقريرية ومباشرة يا حبذا لو حذفت لأن المعنى ظاهر في القصة ولا يحتاج إلى تأكيد.

القصة من الناحية الفنية 

1- يقول الكاتب  في المشهد الأخير"أخرجه من استغراقه فجأة صوت "تكتكة" قطع السكون الشديد.. على حذر وبتريث شديدين أوقد المصباح.. نظر من شيش الشباك ، الشارع كالح الظلام.." أظن أن شخصًا في مثل وضعه وفي حالة ترقب لما يظن أن هناك من يترصده في الخارج، الأولى به ألا يوقد المصباح كي لا يراه القاتل المفترض، كما يفعل الناس ليلاً في حالة الغارات الجوية، أن يعمدوا إلى إطفاء الأضواء لحرمان المغير من ميزة الرؤية، ولو كان ضوء المصباح كشافًا مسلطًا على الشبح، لكان أكثر منطقية، ولكنه في هذا الحالة سيكشف هوية الشبح وستتغير القصة بالكامل، لذا الأمر متروك للكاتب كي يجد حلا فنيا ما والذي أراه ان يحذف جملة "أوقد المصباح" ليرتاح من هذه المعضلة.

2- النقطة الأهم والتي تثير عدة تساؤلات لا تجيب عنها القصة تتمثل في الأسئلة الآتية: ترى ماذا كان يفعل هذا الابن في الساعة الثالثة صباحا؟ ولماذا هو جالس على قدميه في وضع قضاء الحاجة خارج بيته؟ ولماذا كان يجلس تحت الحائط المواجه للشباك؟ 

فهو إما كان داخل البيت وخرج وإما كان قافلاً لبيته وفي كلتا الحالتين لا نعرف سببًا واضحًا ومبررًا لتصرفه الغريب والعجيب والمريب هذا بجلوسه على قدميه عند الثالثة فجرًا.

ختامًا أضيف أنه ربما تكون فكرة القصة مستقاة من حادثة حقيقية مائة بالمائة، ولكن حدوثها في الواقع يختلف عن صياغتها فنيًّا وأدبيا.

نجح الكاتب في توظيف حسه الصحفي في الكتابة القصصية، حيث اهتم بالأسئلة التي يحررها أي صحفي عند صياغة الأخبار من خلال الإشارة إلى الوقت والزمن والمكان وماذا حدث وكيف حدث.

المشهد الأخير الذي يأتي بالفاجعة يلخص التراكم النفسي لدى السارد لأربعة عقود وهو أقرب الى المأساة في التراجيديات الأغريقية.

تابع مواقعنا