"سد النهضة".. تفاصيل التحركات المصرية ضد التعنت الإثيوبي قبل الملء الثاني (خاص)
أشهر قليلة تفصل عن الخطوة الإثيوبية بالملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي في موسم الأمطار المقبل، وسط رفض مصري سوداني من هذا الإجراء الأحادي الذي يُهدد استقرار وأمن المنطقة بالكامل، حسب تصريحات دولتي المصب.
ومع هذا التعنت الإثيوبي الرافض للتوصل لاتفاق قانوني ملزم أو كافة الاقتراحات المصرية السودانية حول منهجية تفاوض جديدة تُحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث، بدأت القاهرة والخرطوم في اتخاذ خطوات على عدة مستويات أهمها تحركات دولية لإخطار المجتمع الدولي بحجم الضرر الواقع على مصر من الملء الثاني دون اتفاق، والمستوى الثاني هو التنسيق الأمني والعسكري والتدريبات المشتركة بين البلدين.
حلول دبلوماسية
وعلى الرغم من عدم ترجيح الكثير من الخبراء للحل العسكري لهذه الأزمة، واعتبار أن الحلول الدبلوماسية هي الوحيدة، إلا أن احتمالات هذا الحل ما زالت قائمة، خاصة في ظل التعنت الإثيوبي وتصريحاتها المستفزة التي تقوض طريق المفاوضات، حسب ما ذكر خبراء.
وفي بداية الشهر الجاري، فشلت جولة مفاوضات كينشاسا بالكونغو الديمقراطية بين الدول الثلاث ورعاية الاتحاد الإفريقي في تحقيق أي نتائج أو تقدم في التفاوض، بسبب التعنت الإثيوبي الرافض للمقترح السوداني الذي أيدته مصر بالوساطة الرباعية، ورفضه أيضا لأي مقترحات أخرى منها التفاوض على الطريقة السابقة برعاية الاتحاد الإفريقي، وهو ما ردته عليه إثيوبيا باستعدادها للتفاوض.
الأمم المتحدة ومجلس الأمن
ووجهت مصر والسودان خطابات إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للإحاطة بتطورات سد النهضة والنتائج التي وصلت إليها المفاوضات، مطالبين بضرورة التدخل لتحريك الملف والتأثير في إثيوبيا للتراجع عن قراراتها بالملء الثاني سد النهضة، مؤكدين أن عدم إبرام اتفاق ملزم أمر يهدد الأمن والسلم الدوليين، ويهدد بزيادة التوتر في شرق إفريقيا والقرن الإفريقي، وأنه على المجتمع الدولي التأثير في إثيوبيا لحملها على المشاركة بحسن نية في المفاوضات للتوصل إلى اتفاق خلال الأشهر المقبلة.
وقالت مصادر مصرية مطلعة، لـ"القاهرة 24"، إنه من المتوقع العودة إلى طاولة المفاوضات خلال الشهر الجاري في إطار الاتحاد الإفريقي، مشددة على أنه من المتوقع أيضًا عقد اجتماع لرؤساء وزراء الدول الثلاث بعد دعوة الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السوداني.
وأوضحت المصادر أن هناك تحركات مصرية على عدة مستويات أبرزها محاولة كسب المجتمع الدولي عبر اتصالات مع القوى الفاعلة وعلى رأسها أمريكا وروسيا والصين للتأثير على إثيوبيا فيما يتعلق بالملء الثاني للسد.
واعتبرت الباحثة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الخرطوم أسمهان إسماعيل إبراهيم أن خطوات مصر والسودان الأخيرة بإحاطة مجلس الأمن برفض خطوات إثيوبيا الأحادية بشأن ملء وتشغيل سد النهضة تأتي بعد فشل كافة الجهود في إيجاد حل لمعضلة السد بعد اتفاق إعلان المبادئ الذي تم توقيعه بين رؤساء الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا في 2015.
تهديد مباشر للأمن القومي المصري السوداني
وأوضحت لـ"القاهرة 24" أن أديس أبابا لم تبدِ أي التزام تجاه الاتفاق، مشيرة إلى أنه خلال السنوات الماضية حتى اليوم ما زالت المحاولات جارية لإثناء إثيوبيا عن الخطوات الأحادية بشأن سد النهضة التي ستؤثر سلبا في حصتي مصر والسودان في مياه النيل التي تعتبر تهديدا مباشرا لأمنهما القومي.
ورأت الباحثة السودانية أن اتجاه مصر والسودان لتدويل قضية السد هو الحل الأخير التي تبقى مع استبعاد الحل العسكري حاليا الذي سيحول المنطقة برمتها إلى بؤرة ملتهبة، مضيفة أن خطوة التصعيد عن طريق مجلس الأمن هي خطوة عقلاتية جدا ستوفر حلولا ملزمة تفرض على إثيوبيا الرضوخ للجانب القانوني فيما يتعلق بملء وتشغيل السد.
ولم تنجح المفاوضات التي رعاها الاتحاد الإفريقي منذ يونيو لاتفاق، بما في ذلك الاجتماعات الوزارية التي عقدت مؤخرا في كينشاسا عاصمة جمهورية الكونغو الديموقراطية، التي فشلت في وضع إطار للتفاوض مقبول لكل الأطراف، حيث رفضت إثيوبيا المقترح السوداني الذي أيدته مصر، بالاستعانة بوساطة دولية رباعية بقيادة الاتحاد الإفريقي.
ورأى اللواء سمير فرج، الخبير العسكري والاستراتيجي، أن المرحلة الماضية كان الحديث عن المفاوضات في إطار الاتحاد الإفريقي لكنها فشلت في التوصل لأي نتائج، موضحا أن إثيوبيا تحاول المماطلة حتى يأتي موسم الأمطار المقبل لتنفيذ الملء الثاني.
وأوضح مدير إدارة الشئون المعنوية الأسبق بالقوات المسلحة أن مصر تتجه الآن إلى المرحلة الثانية من التعامل مع الأزمة، وهي عرض الملف على الأمم المتحدة والتحرك على المستوى الدولي، مؤكدا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يُجري اتصالات مكثفة مع رؤساء الدول العربية والإفريقية والأوروبية لدعم موقف مصر لتوقيع اتفاق قبل الملء الثاني للسد الإثيوبي.
وأشار إلى أن مصر تسعى إلى تعبئة الرأي العام العالمي ضد الإجراءات الأحادية الإثيوبي، مؤكدا عدم وجود أمل من مفاوضات تحت راية الاتحاد الإفريقي.
واعتبر الدكتور حسام مغازي، وزير الموارد المائية والري السابق، أن دعوة السودان لعقد قمة على مستوى رؤساء الحكومات فرصة لتحريك المفاوضات واتخاذ قرارات إيجابية ربما عجز خبراء الدول الثلاث خلال المفاوضات عن اتخاذها، موضحة أن هذه الدعوة جيدة قبل التصعيد على المستوى الدولي.
وأضاف لـ"القاهرة 24" أن اللقاء المتوقع انعقاده بين رؤساء الدول الثلاث خلال الأيام المقبلة، سيكون له مردود إيجابي في المرحلة الحالية، مضيفا أن إرسال مصر خطابات على مستوى الدولي لشرح القضية نوع من توضيح المواقف المصرية والسودانية، في مقابل التعنت الإثيوبي للوساطة أو تغيير منهجية التفاوض.