محمد أبواليزيد يكتب: انسحاق سادية الفكرة والزمن في "صورة زفاف" لأميمة جادو
(1)
إنه الزمن السادي، وأفكاره على امتداده من قديم، فى منحه ومنعه دونما عدل، واجتبائه وبغضه دونما قسط، مفتئتا على حقوق كفلتها الأديان جميعا فى نبعها الصافى الرقراق، متخطيا شرعة الواقع والإنسانية والفطرة السليمة. والإسلام أكرم النساء أيما إكرام، فهن شقائق الرجال، لهن مالهم، وعليهن ما عليهم.
إن المقاربات البشرية الخاطئة للأمور، تشرعن ممارسات خاطئة أيضا، وتضفى ألوانا من القهر والإذلال، وحتى الاستباحة للطرف الذى يُظَنُ به الضعف والمسكنة على غير الواقع، و يعطل أساسات وقواعد كان يمكن أن يكون لها إسهامات فاعلة جدا فى مسيرة الحضارة الإنسانية الجامعة.
(2)
إنها معافرات الأدب النسوي من قديم فى تمرده وعدم استكانته لاسترداد كرامة صاحباته، نصف الدنيا، إن لم يكن الدنيا كلها فى كثير أحايين.
ذلكم الأدب الممثل لحاملاته من الأديبات الفضليات، دعك من إسهاماتهن فى حركة الحياة كتفا بكتف مع الرجل بإبداعاتهن المادية، فهذا غير منكور لذي فطنة .. نعم، دعك من هذا الآن.
فالمعرض معرض أدب ليس غير، وأدب العرب دون سواه، والمجلى مجلى حديث عن الموضوع / التيمة.
إذن المقاربة فكرية في الأساس، وإن ضفرت أحيانا بثانويات أُخر يشار إليها فى غير تفصيل لأجل الإبانة والتوضيح.
إن المتتبع لصيروة الأدب النسوى يهوله العدد الغفير من الشاعرات العربيات والناثرات والناقدات وكاتبات السير عدد لا يتسع له سفر كبير ابتداء بالعصر الجاهلي، مرورا بصدر الإسلام فإمبراطورياته ودوله، وانتهاء بالعصر الحديث والمعاصر.
ماذا عن جليلة بنت مرة / ( آمنة بنت وهب) / الخنساء / عائشة التيمورية / ملك / مي زيادة / سهير القلماوى / أمينة السعيد / حُسن شاه / حفنى ناصف
سكينة فؤاد / رضوى عاشور / أهداف سويف، سلوى بكر.
إضافة لأديبتنا د أميمة منير جادو، و لمن لم أذكر، لهن منا العتبى حتى يرضين.
(3)
إن الأدب النسوى لهو مجاهدات، لخلخلات، وحلحلات وإثباتات و إقرارت ومن ثم إرساءات، إنه على مدار تاريخه، يجهد كل الجهد لانتزاع حقوق لصاحباته مغموطة ( برغم أنهن العماد الرئيس لكل حضارة)، حقوق حازها المجتمع الذكورى، فساد وتسيد، دونما روية، واستباح وتفلت، دونما اعتبار . إنها العادات والتقاليد البالية، و القراءة الخاطئة لنصوص الدين الوضاء، وسادية البشر.
وهذا الأدب فتق ويفتق فى دأب هذا التساؤل المباح دوما: لم هذا وهن مثلكم تماما أيها الرجال فى التعقل والحكمة، وربما يفقنكم، وهذا ما يثبته الواقع الجلي كل يوم؟!
إن صاحبات الأدب النسوي طرقن ويطرقن، ما يفجره الأدب الذكوري من قضايا سواء بسواء، غير أن لهن قضيتهن الخاصة المحورية، قضية حريتهن، انفكاكهن من نير الأسر، الأسر المباشر أو غير المباشر، الظاهر أو المستتر .
إنهن في سبيل تلك الحرية وذلكم الانعتاق، استخدمن ويستخدمن أدواتهن الأدبية مرات برهافة وأخر بعنفوان، على حسب طبيعة كل وقت وظروفه وملابساته ،، مبتكرات كل ما عَنَّ لهن من جديد مقبول فى سبيل ذلك.
(4)
تصفحنا ما وقع تحت يدنا، هو ما تحصلنا عليه للآن، مما نضدت القاصة.
الكاتبة أميمة منير جادو، وانتشينا أيما انتشاء، لكنا توقفنا، وبلغ بنا التعجب مدى ليس له من حد عند صورة أدبية لها بعنوان (صورة زفاف) لماذا؟!
لأنها برغم كونها مجرد صورة فإنها بالنسبة لنا زاخرة، حاوية، ساخرة، متسائلة، متمردة.
إنها صورة جامعة "جمعت فأوحت وأوعت" مقتصدة على سبيل "ما قل ودل".
برغم كونها - للمتلقى فى عجلة - مجرد صورة، لذا لزم التأنى .
الموضوع / التيمة مطروقة، نعم .
والأسلوب متعارف عليه، نقرك على هذا .
وربما البلاغيات هى السائدة، ولكن هناك أشياء ما تستدعى التوقف الجاد .
أشياء تبيت حكرا عليها وقليلات من صاحباتها، فيما نرى.
إنها المباشرة المنتجة غير الممجوجة لديها التى تناسب عصرنا، والتى تحدثنا عنها فى غير هذا المقام.
مباشرة تحفظ للنص الأدبى هيبته، وتبعد عنه الوحشة والاغتراب، وتضمن له ذيوعا وانتشارا، وهذه ميزة كبيرة عند الكاتبة، ومن يلف لفها.
إنها صورة على بساطتها، إلا أنها مفجرة .
مفجرة لموضوع / تيمة فكرية طال أمد تناولها، وقد عالجتها أديبتنا بصورة مغايرة غير مطروقة بلغ فيها تكثيف الموضوع / التيمة مداه رغم بساطة التناول، وكأنى بها تفجر موضوع الزود عن الحقوق النسوية القديمة الحديثة بمثل تلك السهولة والفاعلية والتفرد والقوة أيضا، نكرر، برغم البساطة و المباشرة، وهذا يحسب لها، ولا يتواتى لكثيرات.
فاستدعاء الموضوع بمثل هكذا كيفية إنما للفت نظر غافل ذكورى، طالت غفلته.
إذا هذا النص هو نص باعث ومقوض فى آن، باعث لوعي، و مُقَوِض لمثالب
والميكانزمات النفسية المستخدمة فى النص ملمح آخر.
إن الكاتبة تعزف على أوتار العبثية والتسليم المصطنعين لغرض بلاغي على مستوى الأسلوب، لكنه يصب صبا لمصلحة الموضوع وعودة، إن العبثية والتسليم - من العروس كما سيأتي في النص - إنهما هنا، وعلى تلك الحالة، من ميكانزمات الدراما المثرية والمسرح الجاد، والأدب الرصين، وقد استخدمتهما الأديبة بمنتهى الوعي، فما كل عبثية، وما كل استسلام.
فالعبثية ليست هي العبثية الدارجة السالبة، والتسليم ليس عن ضعف وقلة حيلة، هذا للمتأمل.
إنها السخرية، عزيزى، التى تمارسها الكاتبة بكل الحكمة، لعلها وعساها تحقق جزءا مما تتوخاه من مطالب لبنى جنسها وهى لا ريب آتية بأُكُلٍ فى زمن لن يطول.
بسبب معافراتهن الأدبية النسوية، وبسبب مستجدات إيجابية طرأت لصالح المرأة.
مثل عودة المدنية، والنظرة الواعية لنصوص الدين الحنيف ولو بصورة جزئية، ومدافعة ذوى النصفة من الرجال . ولكن، ما هذا النص المحمل بهذا وغيره، برغم عاديته ؟؟!!
( ما كل العادية كما أسلفنا، فمن البشر من يتملك الحيلة والذكاء فيتحول التراب بين يديه إلى ذهب) !!!! )
(5)
قد تدهش حين تعلم أن النص قصير، وإننا لن نحيلك إليه كله، اللهم إلا أن تكون من ذوى الصبر - وأهل الصبر قليل هذه الأيام.
رأس الموضوع عن ذكرى واتت عروسا كانت تنتظر مجيء عريسها فى يوم فرحها، ولم يأت !!!! و برغم أنها لم تكن راضية مطلقا عن زيجتها هذه، وإنما أُجبرت عليها جبرا، ولكن كان منها التسليم والاستسلام للأهل وللموقف ذاته، فراحت تتخذ زينتها التي أرادت لها أن تكون تامة غير منقوصة !!!! لهذا كانت تستدرك على تلك الزينة كثيرا بتبديل وتجديد وتحوير !!!!
بينما الخال الذى قَبِلَ أن يحل محل العريس ،، ويلتقط صور الفرح معها إنقاذا للموقف فى ملل وضجر من طول الانتظار .
أتى العريس بعد ذلك بعد أمد طويل جدا متعللا ،، أو غير متعلل لا يهم.
، فقد وقفنا على الموضوع / التيمة / الفكرة الرئيسة سيقت إلينا بمثل هكذا براعة واقتدار فيما نحسب . والإحالة هنا ستكون إلى مقتطفات من المقدمة فقط، ففيها الإفادة وزيادة، هكذا نرى. وبلا تعليق.
تفتتح الأديبة بداية القصة :
" ما الذى استنفر هذه الذكرى البشعة من نفسي بعدما ظننت أنى ردمت عليها فى بئر سحيقة؟"
" منذ زمن بعيد، كان يوم زفافي فرضا، لكنى كنت أصرخ . أصرخ : كيف أزف إليه ؟ كيف؟"
" هكذا صرخت بهم ولعنتهم قبل أن أجن."
" أنا فى انتظار العريس الذي أرفض أن أزف إليه. "
لماذا أستعيدها الآن (تلك الذكرى)؟ هل لأنه يجب على أن أتعايش مع هذا الموقف، وليس من خيار آخر"؟!