"كلام الناس"

• كل يوم في محافظة المنيا وتحديداً بعد الفجر بشوية فيه مشهد متكرر وبيتعاد على كورنيش النيل بشكل ثابت!.. المشهد بطله راجل عنده 68 سنة اسمه الأستاذ "عبدالمهيمن شحاتة".. أ."عبدالمهيمن" بيخرج كل يوم يعمل تمرينات لياقة بدنية شاقة على الكورنيش!.. ممكن تشوفه بيلعب ضغط على سور الكورنيش.. أو تشوفه بيلعب عُقلة على فروع الأشجار.. أو تشوفه بيعمل تمارين تمدد وإنحناء جنب عواميد الإنارة!.. للأسف بسبب سنه وبسبب إنه واخد الموضوع بجدية أوى وبيمارس العادة بمنتهى الحماس كإنه داخل يشترك في الأولمبياد؛ ده خلاّه تحت سهام التريقة من بعض الشباب قليل الأدب اللي كانوا بيستنكروا عليه إن عنده هدف!.. الفكرة إن محدش في اللي بيتريقوا فكر يشوف إيه اللي ورا الراجل وحكايته!..  أ."عبدالمهيمن" مهندس زراعي متقاعد خرج على المعاش.. بعد وفاة زوجته الله يرحمها من 5 سنين قرر إن ممارسة تمارين اللياقة البدنية تبقى شريك أساسي ليه في يومه بدل قعدة البيت وتكون ونس له.. بيقول أ."عبدالمهيمن" عن نفسه إنه بسبب الرياضة حاسس إن عمره رجع 25 سنة!، ومش فارق معاه تريقة وزى ما فيه شباب بتتريق مع الوقت بقى فيه برضه شباب محترمين بيدعموه وبيشجعوه لما بيشوفوه وبييجوا يتمرنوا ويلعبوا معاه.. حتى فيه ناس من أسرته بيطلبوا منه إنه يبطل عشان خايفين عليه من الإصابات وبيقولوله إن للسن حدود إنت ممكن تعمل قفزة من دول وتقع تتكسر إنت مش لسه شباب فهو كان بيرد عليهم وبيقول: (أنا الكلام ده ما باحطوش في دماغي.. لو حطيته في دماغي أنام).. الراجل مصمم يكمل ومقرر يركن أى كلام يتقال على جنب مادام بيعمل الحاجة اللي بتبسطه ومريحاه وطالما في العمر بقية.. حتى لما فيه كذا حد نصحه إنه يعمل التمارين بتاعته في جيم ولا نادي رفض وقال إن الشارع بعد الفجر هو الخيار الأمثل عشان يشوفه أكبر قدر ممكن من الناس ويقلدوه.. نموذج مصري مبهر قرر إن العمر مجرد رقم وطنش كلام غيره السلبي عنه.. ربنا يديله الصحة وطول العمر.

• في كتاب "التفسير العلمي للسعادة والضحك والنوم" اللي كتبه د."أحمد مستجي" مكتوبة قصة حقيقية حصلت لـ شاب إنجليزى اسمه "ويلي أندرسون" ومنقولة في الكتاب من الصحف الإنجليزية.. "ويلي" كانت علاقته قوية جداً بوالدته باعتباره ابنها الوحيد وباعتبارها أم طيبة اتحملت مسؤولية تربية ابنها بكل إخلاص رغم ظروفهم الأسرية الصعبة.. قوة العلاقة دي بتخليك بسهولة تفهم حالة "ويلي" كانت عاملة إزاي لما استقبل خبر وفاتها!.. "ويلي" اللي كانت الضحكة مش بتفارق وشه وكان هو فاكهة أى قعدة مع أصحابه بقى في خلال ثواني من معرفته بوفاة والدته إنسان تاني وأكيد كان عنده في ده.. مدافن الأسرة بتاعتهم في لندن.. ساعات بسيطة وكل القرايب والمعارف اتجمعوا عشان لحظة الدفن.. "ويلي" صمم إنه يشيل النعش من المقدمة.. أثناء لحظة حمل النعش مع كذا حد تاني وهما نازلين بيه للقبر والكل مركز مع "ويلي" فجأة ساب النعش وضحك!.. جنان مش كده؟.. أكيد.. ومش ضحك عادي لأ.. ده بدأ بـ ضحكة مكتومة في الأول حاول يداريها بـ كف إيده بس مقدرش.. بقت ضحكة بـ صوت.. شوية والضحكة بقت قهقهة بصوت عالي أكتر!.. كل ده والناس اللي حاضرة الجنازة مذهولين من الهبل اللي حصل لـ  "ويلي" ده ومحدش عارف سببه رغم إنه في الطبيعي شاب عاقل يعني.. بس حتى لو طلبت معاه جنان أكيد يعني مش هيكون في الموقف ده.. حالة من الضحك الهيستيري المتواصل صابته وسيطرت عليه وطلع يجري بعيد.. الناس جريوا وراه ومسكوه وهما متأكدين إن فيه حاجة مش طبيعية حصلت في عقله.. بصعوبة قدروا يسيطروا عليه ويمسكوه ونقلوه المستشفى.. اتحجز هناك يومين وبعدها مات!.. لما اتفحصت الجثة بعد وفاته اكتشف الدكاترة إن كان فيه ورم موجود في شريان في قاع المخ انفجر، ولما انفجر ضغط على غدة إسمها "الهيبوثالامس" وبعض الشرايين اللي حواليها، وإن ده هو اللى سبب لـ "ويلي" حالة الضحك غير مبررة.. ماكنش ضحك هزار ولا فرفشة ولا جنان.. كان ضحك لا إرادي اتسببت فيه ضغط الدم على الغدة دي.. بمعنى أدق كان بيموت من الوجع وشكله بيضحك.. نوبة إكتئاب حادة أصابت أصدقائه التلاتة اللي كانوا حواليه في اللحظة بتاعت الدفن لمجرد إنهم حسوا بإساءة الظن ناحية صديقهم لإنهم حكموا عليه من مظهره ومحدش حط إحتمال ولو 1% إنه معذور.

• الفنان القدير الراحل "زكي رستم" واحد من أهم النجوم اللي اشتهر في الخمسينات والستينات بـ أدوار الشر خصوصاً مع "فريد شوقي" واللي كتير منكم أكيد عارفينه.. "زكي" اتولد في أسرة ثرية جداً ثراء فاحش.. والده كان من الأعيان وكانوا عايشين في قصر ضخم.. كان "زكي" بيستغل سفر والده وغيابه عن البيت لما كان بيروح يتابع الأراضي بتاعتهم عشان يلم الترابيزات والكراسي اللي في القصر كله ويقف عليهم يمثل كإنه واقف على مسرح صغير ويجيب الخدامين والسفرجية كإنهم كومبارس وجمهور ويتمرن عليهم.. شوية بـ شوية لما أبوه مات أمه اشترطت عليه إنه لو عايز يكمل في مشوار التمثيل يبقى يسيب البيت ويروح يقعد في أى حتة لوحده خصوصاً إن رجوعه كل يوم في وش الفجر ممكن يوقف سوق و حال اخواته اللي هيتقال على أخوهم "فلتان وأراجوز"!.. ساب البيت فعلاً واضطر يعتمد على نفسه وكمل في مشوار التمثيل.. خد شقة في عمارة يعقوبيان في شارع 26 يوليو فى وسط البلد - القاهرة.. بدأ اسمه يتعرف شوية بـ شوية.. "زكي" ورغم طيبته اللي أجمع عليها معظم اللي تعاملوا معاه لكن ملامحه القاسية شوية كانت بتخلي فيه شوية هيبة عنده.. تبريقة العين اللي تخوف.. الحواجب اللي عاملة 111 على طول.. الصوت الخشن.. بالتالي فئة كتيرة من اللي كانوا بيقابلوه سواء في النادي أو في التصوير بيخلوا علاقتهم بيه في أضيق إطار ممكن.. والحقيقة ده كان عيب الناس اللي بتخلط بين التمثيل والحقيقة!.. اللي هو عشان الفنان الفلاني عمل أدوار شر يبقى هو كده في الواقع!.. كان عنده قناعة إنه مش حابب يحط نفسه في موقف محرج لو راح اتقدم لواحدة وإنه يترفض!.. قرر يكمل حياته بدون جواز.. لدرجة إنه حتى من باب التريقة كان بيقول على نفسه لما حد من معارفه كان بيجيبله عرايس (أنا مش بتاع جواز وماتعاشرش ومش عايز أبهدل معايا بنات الناس).. كان بيحس بنظرات الناس المتدارية له وبالتالي بيجيب العيب في نفسه هو؛ رغم إنه ملوش ذنب في ده!.. في آخر 6 سنين من عمره كان بقى أصم مش بيسمع ورغم إنه محتاج رعاية إلا إنه فضل لوحده برضه بإستثناء الكلب بتاعه اللي كان قريب منه!.. مات في 1972.. لما مات بيقال إنهم  اكتشفوا إنه كان متكفل بمصاريف ورعاية وكفالة أطفال في دار أيتام في الزمالك وكان بيقسم كل الدخل بتاعه من التمثيل أول بـ أول بينه وبينهم وبيجيب لهم هدايا..  ويقضى معاهم يوم كل أسبوع ! .. مش هتستغرب لما تعرف معلومة دار الأيتام خصوصاً إن بنسبة مليون% أكيد الأطفال هما الفئة الوحيدة اللي ماشفاتش من "زكي" شكله ومظهره القاسي قد ما بصوا على قلبه الأبيض وأفعاله. 

• تعرف إيه أنت عن ظروف غيرك الصحية والمزاجية والأسرية والنفسية وعلاقاته؟.. ماتعرفش يبقى ماتحكمش.. لما بتحكم على غيرك أنت بتحكم على النتيجة النهائية اللي سبقها أسباب، ومواقف ماتعرفش عنهم أى حاجة وهى اللي أدت للقرار الفلاني.. مفيش حد مش عايز يكون فى أفضل شكل، وضع إجتماعى، ونجاح وتبقى كل أموره تمام التمام بس أنا إتنين واحد أنت شايفه، والتاني عمرك ما هتشوفه ولا مطلوب منك!.. كلنا مليانين جروح مش متشافة والكل بيتدارى ورا شوية معافرة.. الأديب "الرافعي" قال: (مادام لكل انسان باطن لايشركه فيه الا الغيب وحده؛ ففي كل إنسان تعرفه إنسان لا تعرفه).