فتحي نصيب يكتب: الواقع والمتخيل ولعبة الزمن في قصة "غدًا" لمرفت البربري
"غدًا" للكاتبة مرفت البربري قصة محيرة ومربكة، يتشابك بها الزمن الكرونولوجي بالزمن النفسي، وبداية من العنوان فإن الكاتبة تهيئ القارئ لتوقع ما يمكن أن يحدث في هذا (الغد) وتأتي الخاتمة كمشهد تنويري لنكتشف أن ما تمت حكايته "حلم يقظة" لسارد لم يعد موجودًا، وأن ما يروي يراوح بين ما هو "حقيقي" وما هو "متخيل".
من هنا نسأل إلى أي اتجاه تنتمي هذه القصة من خلال لعبة الزمن؟
بشكل عام يمكن أن نعقد مقارنة بين أسلوب القصة الواقعية وأسلوب تيار الوعي، في القصة الواقعية كلما تقدم السرد تزايدت مساحة الحاضر وتناقص عرض الماضي، وإذا بدأنا بالحديث عن الماضي فيزيد الحاضر كلما تقدم القص. في حين أن الأعمال المنتمية إلى تيار الوعي لا تهتم بهذا، فالماضي جزء من الحاضر ولا ينفصل عنه، ولذلك لا تكتمل الأحداث في تسلسلها الزمني إلا عند نهاية القراءة، حيث يتم إعادة ترتيبها في مخيلة القارئ.
وأرى أن هذه القصة تنتمي أسلوبيًّا إلى تيار الوعي لأن الأحداث الماضية لا تقدم بطريقة التسلسل الزمني المنظم، ولكن نجد نوعًا من الذبذبة الزمنية، ولأوضح ذلك فقد قسمت القصة إلى عدة مقاطع.
المقطع الاول يبدأ بجملة (في مرآة مصقولة.. وتنتهي بجملة: فارس أحلامي).
المقطع الثاني يبدأ بـ(هو الآن يكبرني.. حتى جملة تمنيت أن يكون لي).
المقطع الثالث يبدأ بجملة (وقف خلفي.. إلى انفجرنا ضاحكين).
المقطع الرابع يبدأ بـ(لم أكن التقيت خطيبته حتى لا ينقص من جمالي مرور السنين).
اما الخامس فبدايته (وقف بجانبي.. إلى كي أنسى ما شاهدت).
فالمقاطع الفردية أي الأول والثالث والخامس تحكي عن الزمن الحاضر وهو الزمن المتخيل في حين المقطعين الثاني والرابع يرويان الزمن الماضي أو الحقيقي.
فمفتتح القصة بمشهد وقوف امرأة أمام المرآة لتتهندم.. هو مشهد سنعرف لاحقًا أنه متخيل. والمراة – فيزيائيا – تعكس ما هو حقيقي إلا أنها هنا تعكس صورة وهمية لا تتضح إلا في الجملة الأخيرة لتجبر القارئ على إعادة تنظيم القصة لنعرف أن الزمن الحاضر هو المتخيل من خلال تقنية الاستباق أو القفزة إلى الأمام، والزمن الماضي أو الاسترجاع هو الزمن الواقعي الذي يسرد تعرُّف الساردة على زوجها وعمق العلاقة العاطفية وإنجاب الأولاد ثم مرضها وهجر زوجها لها وعقوق الأولاد إلا واحدا وهكذا.. وتشير المقاطع في الزمن المتخيل إلى أحداث لم ولن تقع بالفعل وتسرد من خلال التداعي لحلم يقظة لإنسان فارق الحياة حقيقة لا مجازا. وهذا ما يجعلني اتعامل مع القصة كفنتازيا من واقع التلاعب بالزمن وتخيل لأحداث غير حقيقية كالإشارة مثلا إلى الابن الذي يكبر أمه بسنوات عشر.
بقي أن أضيف أنه رغم هذه التقنية الحداثية في الكتابة إلا أنها تتكئ على بعض المفردات التراثية ومنها: استبرق/ تساقط/ ما لاعين رأت ولا أذن سمعت/ عابدة/ محراب/ طقوس/ كعبتي/ محرمة/ فروضي/ وضوئي.. وكل مفردة ذات حمولات وظلال وجدانية أجادت الكاتبة في اقتناصها.