جسيمات البلاستيك الدقيقة في البيئة المحيطة بنا
هناك ما يقرب من 9 ملايين طن من النفايات البلاستيكية ينتهي بها المطاف في سواحل بحار ومحيطات العالم كل عام. من المعروف أن البلاستيك شديد الثبات وصعب التحلل في الظروف البيئية الطبيعية، ولكن بمرور الأعوام تتكسر هذه النفايات البلاستيكية وتتفتت بفعل العوامل البيئية إلى جسيمات دقيقة غير مرئية للعين المجردة. وتنقسم الجسيمات البلاستيكية الدقيقة الملوثة للبيئات المحيطة بنا إلى ميكروبلاستيك ونانوبلاستيك؛ جسيمات الميكروبلاستيك يتراوح حجمها من 0.05 إلى 5 مليمترات بينما جسيمات النانوبلاستيك يتراوح حجمها من 1 إلى 1000 نانومتر، وبذلك يكون جسيم النانوبلاستيك أصغر 1000 مرة من خلية طحلب.
ورغم أن هذه الجسيمات البلاستيكية الدقيقة تطفو على مياه البحار والمحيطات منذ عقود عديدة، فلا تزال آثارها البيئية طويلة الأجل قيد البحث. ولكن تشير الأبحاث العلمية إلى أن العوالق (البلانكتون) ويرقات الحيوانات البحرية وكلاهما كائنات دقيقة في أسفل السلسلة الغذائية تقوم بابتلاع هذه الجسيمات البلاستيكية الدقيقة، وقد وجد العلماء جسيمات الميكروبلاستيك في 220 نوعًا من الكائنات المائية، وأكثر من نصف هذه الأنواع يتغذى عليه الإنسان، بالإضافة إلى ذلك فقد تم الكشف عن جسيمات البلاستيك الدقيق في ملح الطعام البحري. ويزداد خطر تعرض البشر للبلاستيك عند تناول الأسماك الصغيرة كاملة والقشريات والرخويات حيث يتركز البلاستيك بالجهاز الهضمي لهذه الحيوانات، بالإضافة إلى ذلك فإن الجسيمات النانوبلاستيك يمكنها أن تنتقل من الجهاز الهضمي إلى أنسجة السمك التي يتناولها البشر. لذلك فلا عجب من أن ينتهي الأمر بنسبة كبيرة من هذه الجسيمات الدقيقة في أجسادنا، وبالفعل قد حذرت إحدى الدراسات من وجود جسيمات البلاستيك الدقيقة في براز أكثر من نصف سكان العالم، وقد قدرت دراسة أخرى أنه قد تصل كمية ما يتناوله الإنسان من جسيمات البلاستيك الدقيقة خلال 10 أعوام إلى 2.5 كيلوجرام، ونحو 20 كيلوجرامًا طوال حياته. في الواقع هناك عدة طرق تدخل من خلالها تلك الجسيمات جسم الإنسان؛ على سبيل المثال: استنشاق جسيمات البلاستيك الدقيقة العالقة في الهواء الجوي، كذلك عند استخدام الأوعية وأدوات الطعام البلاستيكية يتحلل منها أجزاء صغيرة ويتم تناولها مع الطعام والشراب. أخيرًا وليس آخرًا، تمتص أجسامنا كميات ضئيلة من جسيمات المايكروبلاستيك الموجودة في بعض مستحضرات التجميل والنظافة، مثل مقشرات البشرة ومعجون الأسنان. ورغم أن البحث عن مدى تأثير جسيمات البلاستيك الدقيقة على صحة الإنسان لا يزال جاريًا، إلا أن الأبحاث الأولية تقترح أن تراكم هذه الجسيمات قد يؤدي إلى بعض الأضرار قد تصل إلى حدِّ السُميَّة، وإحداث بعض الاضطرابات الهرمونية، والتسبب في بعض أنواع السرطانات، وإحداث خلل في وظيفة الجهاز المناعي، كذلك أشارت إلى أن تراكمها قد يؤذي الجهاز التناسلي والجهاز العصبي خاصةً لدى الأجنة، كل هذا فضلاً عن تأثير استنشاق جسيمات البلاستيك الدقيقة سلبًا على الجهاز التنفسي.
مما سبق يمكن أن نستنتج تسلّل جسيمات البلاستيك الدقيقة إلى كل جزء من عالمنا؛ المحيطات واليابسة والهواء والسلاسل الغذائية، مما يستوجب ضرورة إيجاد حلول وقائية وعلاجية لحل مشكلة التلوث البيئي بالبلاستيك، وفيما يلي نستعرض بعض التوصيات الهامة لتقليل التلوث بجسيمات البلاستيك الدقيقة:
أولًا الحد من صناعة منتجات البلاستيك التي تستخدم مرة واحدة ويتم التخلص منها بعد ذلك. قد يحتاج الأمر إلى فرض بعض القوانين التي تحد من صناعة هذا النوع من المنتجات البلاستيكية، ولكن الأهم هو نشر الوعي عن أضرارها البيئية؛ لأنه وبكل أسف يتم استخدام هذه المنتجات لدقائق معدودة وفي المقابل يمكن أن تبقى في البيئة لعدة عقود. لذلك فإننا ننصح بتجنب الاستخدام غير الضروري لهذه المنتجات مثل الأكياس البلاستيكية، والماصات (قش الشرب)، وأدوات المائدة، وحاويات الوجبات الجاهزة واستبدال هذه الأشياء بمنتجات قابلة لإعادة الاستخدام وأكثر دوامًا.
ثانيًا الاهتمام بإعادة تدوير المنتجات البلاستيكية حيث إن إعادة التدوير تساعد على الحد من التلوث البيئي بالمواد البلاستيكية وتقليل كمية البلاستيك الجديد المتداول، وهنا يجب التأكيد على أن الأكواد من 1 إلى 6 فقط هي المواد البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير. مما لا شك فيه أن معدلات إعادة تدوير البلاستيك الحالية ليست على المستوى المنشود؛ حيث إن أقل من 15٪ من المنتجات البلاستيكية يعاد تدويرها في جميع أنحاء العالم، لذلك يجب تشجيع الأشخاص على إعادة تدوير المنتجات البلاستيكية في المنازل وأماكن العمل والأماكن العامة.
ثالثًا تجنب المنتجات التي تلوث البيئة بالجسيمات والحبيبات البلاستيكية الدقيقة. تمثل الجسيمات والحبيبات البلاستيكية الدقيقة تهديدًا مباشرًا للبيئات المختلفة وبصفة خاصة المائية منها حيث إنها تؤثر على سلسلة الغذاء لجميع الأنواع. توجد الحبيبات البلاستيكية الدقيقة في بعض المنتجات الصحية مثل كريمات تقشير البشرة ومعاجين الأسنان. أيضًا تنتج الجسيمات الدقيقة من بعض الألياف الاصطناعية التي تصنع منها الملابس حيث لا يمكن لنظام الصرف في الغسالة ترشيحها بعد كل غسلة ولهذا تعد من الأسباب الرئيسية لتلوث البيئات المائية البلاستيكي. والنصيحة هنا بسيطة ومباشرة وهي تجنب جميع المنتجات التي تحتوي على مواد بلاستيكية دقيقة واستبدلها بأخرى طبيعية عضوية.
رابعًا تشجيع الفعاليات والأنشطة الخاصة بجمع النفايات البلاستيكية والتخلص منها وبصفة خاصة من البيئات البحرية.
خامسًا نشر عادات صحية جديدة تهدف إلى الوصول لبيئة خالية من البلاستيك مثل استخدام حقيبة قابلة لإعادة الاستخدام عند التسوق لأن الأكياس البلاستيكية تلوث البيئة، كذلك استخدم الأكواب الزجاجية أو الخزفية الخاصة بك بدلًا من أكواب القهوة الورقية غير القابلة لإعادة التدوير لأنها مغطاة بالبلاستيك. بالإضافة إلى استخدام وإعادة ملء قناني المياه الزجاجية بدلاً من الاستمرار في شراء زجاجات بلاستيكية جديدة.
سادسًا التوسع في إنتاج البلاستيك الحيوي حيث إنه يساعد على تقليل تلوث البيئة بشكل كبير نظرًا لتحل نفاياته حيويًا.
وفي الختام يجب أن نؤكد أنَّ الهدف من هذا المقال ليس أبدًا اثارة المخاوف، ولكن الذي يبعث على القلق هو كون هذه المواد البلاستيكية غير القابلة للتحلّل موجودة في كل مكان وقادرة على الدخول والتراكم في الأنسجة البشرية، وبكل أسف غير معروف على وجه الدقة الآثار الصحية المحتملة.