عاطف محمد عبد المجيد يكتب: ألم تكتب عن غزة؟!
لحظة أن سألني أكثرمن زميل عمل، بصفتي شاعرا: ألم تكتب قصيدة عن أحداث غزة؟ كانت إجابتي عن هذا السؤال: للأسف..لا غير أني حين خلوت إلى نفسي وأعدت عليها السؤال السابق بنصه، ردت نفسي علي قائلة: وماذا ستصنع قصيدة أو حتى مليار من القصائد لأطفال يتموا أو شردوا أو قتلوا، دون أدنى ذنب اقترفوه، من قبل عدو تستحي أقذر مفردات معاجم كل اللغات الحية، ومعها التي اندثرت، عن أن تضبط وهي تصفه. حقا.. ماذا يفعل الشعر والشعراء الذين كتبوا وما زالوا يكتبون تلالا من القصائد ومن كتابات نثرية، مع عدو يحاول، بشتى الطرق وبكل ما أتي من قوة وغطرسة أو قل بلطجة، أن يمسح بلدة كاملة من على خارطة الكرة الأرضية، مثلما يمسح الطفل بممحاته أخطاء كتابته الأولى؟
نعم.. ويا للحسرة.. ماذا ستصنع قصائدنا، إن كتبت، لهؤلاء المصابين الذين فقدوا بعض أعضائهم أو فقدوها جميعا؟
وهل سترجع أولئك الشهداء الذين قتلهم، غدرا، عدو لم يعد مجرد الكلام يجدي معه؟
إن القصائد، يا أصدقاء، ليس مكانها هنا، فالصواريخ لا تصدها آلاف القصائد، ومن ماتوا بلا ذنب لن يعيدهم ولو سيل من الأبيات الحماسية الملتهبة والملهبة. إنها، بلا مبالغة، ليست سوى كلام في كلااااااام.
بل قولوا لي: أي نوع من الشعر ذاك الذي لا يزال قادرا على أن يلهب حماس النائمين في العسل ولا يضيرهم شئ، ماداموا يأكلون ويشربون و..و..؟!
أي شعر ذاك الذي يفيض علينا معينه بصحوة لا نوم بعدها ولا كسل ولا تخاذل؟
وأية قصيدة تلك التي تعيد أبا لأطفاله الصغار؟
أو تعيد يدا أو ساقا فقدها صاحبها؟
أية قصيدة تلك التي تؤكد لنا أننا لم نعد في زمن الكلام ؟
أو حتى تشفي غليل أم فقدت أطفالها بلا سبب؟
أية قصيدة تلك التي نستيقظ ونفيق على وقع أبياتها؟
الحق يا أصدقاء أن الأمر في مثل هذه الظروف أكبر من مجرد كتابة قصيدة، أو ما شابهها، خاصة ونحن أمام حرب لا تهريج فيها ولا هوادة، أمام حرب غير متكافئة بالمرة، حرب بين ظالم متجبر لا يجد من يصده أو يوقفه أو يثنيه عما يفعل وبين أبرياء لا يملكون سوى أرواحهم وحتى أرواحهم باتت على كف عفريت!
ثم قولوا لي: من الذي يرى بأم عينيه تلك المشاهد الموجعة إلى أبعد درجة على شاشات التلفاز ثم يجد بعد ذلك ما يشجعه أو يدفعه إلى الكتابة؟
بالطبع لا يعني هذا أننا لم نتأثر بما يجري الآن، بل بالعكس كلما ازددنا تأثرا ضعفت رغبتنا في التعبير عما تأثرنا به، لا سيما وأننا أمام بلطجي ظالم يجتث الأرواح تباعا دون أن يفرق بين أصحابها. لقد تساوى الكل أمام هؤلاء الأنذال الذين لا يمكن وصفهم بأنهم من جنس البشر..إنهم ليسوا بشرا كما أنهم ليسوا بحيوانات. إنهم كائنات لا سمت لها، كائنات كل ما يميزها هو الغباء والوحشية، كائنات تكره نفسها قبل أن تكره الآخرين.إنهم يحصدون أرواح البشر حتى لا يزاحموهم في هذا الكون، فهل بعد كل هذا تؤتي، مع هؤلاء، قصيدة ثمارها؟!
إننا يا أصدقاء إذا ما أردنا أن نوقفهم عند حدهم، كما يقال، فثمة أشياء أخرى ليس من بينها كتابة القصائد وتدبيجها، ولا حتى الصياح في الشوارع وحرق أعلامهم بعيدا عن حرق أجسادهم، ولا حتى برفع الأيدي بالدعاء عليهم..لن ينفع كل ذلك مع هؤلاء..فيما ينفع معهم أن يعاملوا بنفس طريقتهم في التعامل مع البشر..أما ما هو سوى ذلك فهو مضيعة للوقت وخلود للضياع في (جزر القطن)..!!!