الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

كيف استرد صالح جودت الشاعر أحمد رامي من "الزجل" إلى الشعر الفصيح؟

الشاعر أحمد رامي
ثقافة
الشاعر أحمد رامي
السبت 05/يونيو/2021 - 03:45 م

تحل اليوم ذكرى رحيل الشاعر الكبير أحمد رامي، الذي ولد في أغسطس عام 1892 والمتوفى في مثل هذا اليوم 5 يونيو عام 1981 بعد رحلة حافلة بالعطاء.

 

درس أحمد رامي في مدرسة المعلمين، وتخرج فيها عام 1914 سافر إلى باريس في بعثة من أجل تعلم نظم الوثائق والمكتبات واللغات الشرقية، وحصل على شهادة في المكتبات والوثائق من جامعة السوربون.

 

درس في فرنسا اللغة الفارسية في معهد اللغات الشرقية وساعده في ترجمة "رباعيات عمر الخيام".. عُيِّن أمين مكتبة دار الكتب المصرية، كما حصل على التقنيات الحديثة في فرنسا في تنظيم دار الكتب، ثم عمل أمين مكتبة في عصبة الأمم وعاد إلى مصر عام 1945، وعمل مستشارا للإذاعة المصرية، لمدة ثلاث سنوات ثم عُيِّن نائبا لرئيس دار الكتب المصرية.

 

مرت شاعرية أحمد رامي بمراحل بدأت بكونه شاعرا فصيحا ثم تحوله إلى كتابة الأغنية الدارجة والزجل بفعل حبه لأم كلثوم، فكتب لها الكثير من الأغاني.

 

ينقل لنا الشاعر صالح جودت في تقديمه لديوان رامي هذا التحول فيقول: “ما أحببت في حياتي شاعرا قدر ما أحببت رامي. ولا حاربت في حياتي شاعرا قدر ما حاربت رامي وقصة هذه الحرب، أنه من ربع قرن، كان كلما لقيني، قال لي:  أهلا بالشاعر الذي لم يزجل”.

 

يوضح “جودت”: “ذلك أنني إلى ذلك العهد لم أكن مارست فن كتابة الأغنية الدارجة بعد، وكنت أحس أن رامي يفخر بي إذ يقول لي عبارته تلك.. وأحس في الوقت ذاته أنه حزين النفس، إذ أضاع زهرة العمر في نظم الأغنية الدارجة، وهي ضرب من الزجل، حتى عرفه الناس بها أكثر مما عرفوه شاعرا، على حين أن الله قد خلقه شاعرا وأجزل له العطاء في موهبة الشعر، ولمع اسمه في أوائل العشرينيات، حتى خيل للناس أن لا خليفة لأمير الشعراء غيره”.

 

ولكن القدر شاء له أن يلتقي أم كلثوم، في منتصف العشرينيات فإذا هو يضعف أمام سحرها، وتلين موهبته لإلهاماتها، فينصرف عن الشعر إلى نظم الأغنية الدارجة لها، وتستمرئ عاطفته مرعى ذلك الصوت الخصيب، حتى يكاد ينسى نفسه، وينسى موهبته الأصيلة وينسى ما جبل عليه وما خلق له، قربانا لوتر أم كلثوم.

 

ومهما يكن من أمر، فإن رامي في نزوله من قمة الشعر إلى سهل الأغنية الدارجة، لم يهبط عبثا، وإنما حمل رسالة أدبية وقومية ضخمة، هي رسالة الوثوب بالأغنية الدارجة من السفوح إلى القُتَن، في الكلمة والمعنى معًا، واستطاع أن يطوع الصور والمعاني الشاعرية العالية للكلمة العامية، وأن يرقق عواطف العامة بالشجى والأنين والذكريات وغيرها من الكلمات التي تخلق الصور، والتي لم تعهدها الأغنية الدارجة من قبل، حتى صارت أغنية رامي مميزة على كل أغنية غيرها بشيء جديد، هو قربها إلى الشعر، حتى أصبح رامي زعيم مدرسة في الغناء، لم يتأثر بها المؤلفون المحدثون وحدهم، وإنما امتد تأثيرها إلى روح الملحن وحنجرة المغني أيضا.

 

ويضيف جودت: "عرفته منذ ثلاثين سنة، وصاحبته منذ عشرين سنة ولازمته ملازمة الظل للظل منذ عشر سنوات، لا يطيب لأحدنا يوم إلا إذا سمع صوت الآخر، ولا تصفو لأحدنا ليلة إلا إذا ساهر الآخر، وفي خلال هذه السنوات العشر، حرضته على نفسه ليقاومها وأوغرت صدره على هواه ليقوى عليه ويغلبه، وغایتي من كل ذلك أن يخلص رامي من الكلمة العامية، والأغنية الدارجة، ويخلص لوجه الشعر وحده، ويرتد إلى ما جبله الله عليه وخلقه له".

 

وأحسب أنني انتصرت في هذه الحرب نصرًا مطردًا، بدأ بالقليل وانتهى إلى الكثير، ولا أحسبني مخطئا إذا قلت إن ما نظمه رامي في السنوات الأخيرة من الشعر، يعدل كل ما نظمه في حياته، أو يزيد، وقد لا يزيد في الكم، ولكنه يزيد في الكيف ألف مرة ومرة.

 

ويختم جودت: "وهكذا ارتد رامي.. ارتد عن الكلمة الدارجة إلى الكلمة الفصحى، وما هي بردة، وإنما في عودة إلى الإيمان بما خلق من أجله، وقد خلق ليكون على القمة التي يقف عليها أعلام الشعر العربي في هذا الجيل، ولا أحسبهم أكثر من ثلاثة".

تابع مواقعنا