انتهاكات ومحرمات.. ضحايا الاغتصاب الزوجي يروين حكايات مؤلمة على "فراش الحلال"
بين ليلة وضحاها، عادت قضية الاغتصاب الزوجي لتتصدر المشهد من جديد في الجدال المحتدم بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، فالبعض يرفض ذلك المصطلح، مبينًا أن العلاقة الجنسية بين الزوجين لا يمكن بأي حال إلصاقها بـ"الاغتصاب"، بينما يرى آخرون أن هناك الكثير من النساء يتعرضن لـ"اغتصاب" حقيقي عن طريق إجبار الرجل لزوجته على الجماع، أو بطريقة معينة لا ترغب فيها زوجته.
"لعبة نيوتن" يثير الجدل
ساهم مسلسل "لعبة نيوتن"، الذي عرض خلال السباق الرمضاني المنصرم، في إعادة طرح تلك القضية بشكل واسع، الأمر الذي ترك فتيل القنبلة بين يدي المؤيدين والمعارضين على منصات “السوشيال ميديا” المختلفة.
حول تلك القضية قالت الفنانة منى زكي: “ناس كتير متربية إن جسمهم ملوش خصوصية، وعشان كده ستات كتير هاجمت هنا لما رفضت تصرف مؤنس معاها".
وأضافت خلال حديثها مع الإعلامية "لميس الحديدي" في برنامجها "كلمة أخيرة" المذاع على فضائية "أون": "لازم الثقافة دي تتغير، مهم إنك تكوني حاسة إن مفيش حد يعمل كده حتى لو كان جوزك".
وفي لقاء جديد مع الإعلامي عمرو أديب، في برنامج "الحكاية"، علقت منى زكي على قضية الاغتصاب الزوجي مرة أخرى، قائلة: "إحنا لازم نربي ولادنا على إن ازاي البنت يبقى عندها ثقة في نفسها، وإن جسمها ده ملكها هي.. حقيقي حتى لو اتجوزت ده مش معناه إنه مش جسمها، ومش معناه إنها مبتمتلكش نفسها"، مضيفة: "لأ هي بتمتلك نفسها لحد ما ربنا ياخدها".
معاناة مع الاغتصاب الزوجي
أعمارهن مختلفة وظروفهن ليست واحدة، لكنهن اتفقن في المعاناة من نفس الشيء، حيث روت سيدات قصص وصفنها بـ"المؤلمة" حول إجبارهن على الجماع، وما يمكن وصفه بـ"الاغتصاب الزوجي"، لحظات مفزعة عشنها فتحول حضن الأمان إلى مفترس لا يعرف سوى إشباع رغباته وشهواته.
لحظات الرعب تتحول إلى عقدة نفسية
لم يكن سنها كافيًا لفهم ما يحدث، فهي لم يتخطى عمرها عامًا، طفلة بريئة سمعت أصوات أمها تستغيث أثناء تعرضها للاغتصاب الزوجي على يد والدها، ورغم أنها بلغت الـ 30 عامًا، إلا أنها لم تنس شكل والدتها في الصباح والتورم يغطي وجهها باللون الأزرق، توفيت الأم، وبقي الأب مكروهًا من قبل ابنته.
تقول الفتاة التي رفضت ذكر اسمها: "بكرهه وهلا هو عم يموت لحاله وما بدي كون معه، عاش حياته كلها مع بنات الليل، ما همه أنا أو أمي، عشان كده ما تزوجت، لأن أفعاله ضربت سمعتي"، مضيفة: "مرة رمانا أنا وأمي على السلم، وخد صاحبته معاه جوه، وانتظرناه لحين ما ذهبت صديقته ودخلنا منزلنا".
اغتصاب ليلة الزفاف
يمنى - اسم مستعار- تزوجت بسن الـ 17 عاما، من رجل يكبرها بأكثر من 20 سنة، ولكنها لم تقبله، لأن الزواج كان إجباريًا، ولكن كثرة رفضها الدائم له جعل رجولته تهتز وأثر سلبيًا عليه، لذا فكر في التأكد من عذريتها، وأقدم على اغتصابها من أجل إثبات شرفها.
استمر الزواج لمدة 5 سنوات بشكل صوري، لتطلب الطلاق وتنفصل عنه في سن الـ 23، بعد أن تنازلت عن كل حقوقها وأكثر، ومن هنا كانت البداية لقصة جديدة، حيث تخطت السيدة هذا الآلام من خلال التعليم والعمل، ولكن ما زالت الآثار السلبية تترك أثرًا لديها.
الاستعانة بـ“داية”
رغم حبها الشديد لخطيبها، إلا أن ياسمين - اسم مستعار- كانت خائفة من زوجها ليلة الزفاف، ولكن بعد أن مرت الأيام واكتشف أقاربها أن الزواج على ورق فقط، استعانوا بـ"داية" من أجل التأكد من عذريتها، ووافقهم زوجها في تلك الفكرة.
العنف ضد المرأة
وفق تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة، كشف أن 35% من النساء حول العالم يعانين من الاعتداء الجنسي من الشريك الحميم، كما تعرضت واحدة من بين كل عشر نساء- 120 مليون سيدة - للجماع القسري من أزواج حاليين أو سابقين.
وقالت منظمة الأمم المتحدة إن هناك أكثر من ربع النساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 سنة من المرتبطات بعلاقة جنسية يتعرضن للعنف البدني أو الجنسي على يد عشرائهن مرة واحدة على الأقل في حياتهن اعتباراً من سن 15 سنة.
وحسب إحصائيات، صدرت عام 2014 عن العنف ضد المرأة ضمن المسح السكاني، تحت إشراف وزارة الصحة المصرية، تعرضت 267 من السيدات المتزوجات في عينة البحث التي بلغت 6693 سيدة للعنف الجنسي من أزواجهن، كما أن هناك 30% من النساء اللواتي انفصلن عن أزواجهن تعرضن للعنف مرة واحدة على الأقل.
معارضون لفكرة "الاغتصاب الزوجي"
رفضت الإعلامية منى أبو شنب، صاحبة مبادرة "تعدد الزوجات"، فكرة وجود ما يسمى "الاغتصاب الزوجي"، حيث قالت: "لا يوجد شيء اسمه الاغتصاب الزوجي، هذه مصطلحات تثير أزمات بين الناس، مفيش حجة اسمها كده.. الاغتصاب معناه إن حد بياخد حاجة مش من حقه، وده حقه شرعًا وقانونًا ولو الزوجة رفضت جماع زوجها عليها إثم".
وأضافت في تصريحات خاصة لـ"القاهرة 24": "الموضوع غير وارد في الزواج، لما بنعمل مصطلح زي ده، كده بنفرق بين الأزواج وبعضهم، أومال متجوزها ليه؟، الزوجة عليها تسمع كلام زوجها، ولو بتصلي قيام الليل وهو طلبها دينيا تسيب النوافل بتاعت ربنا، وتشوف طلباته، كمان مينفعش تصوم السنن دون إذنه".
بينما قال طارق الجارحي أحد متحدثي حملة "تمرد ضد قانون الأسرة"، إن مصطلح "الاغتصاب الزوجي" فكرة غريبة وشاذة يتم الترويج لها، وتحدث الله سبحانه وتعالى بالأدلة والنصوص القطعية في القرآن والسنة عن حقيقة العلاقة الحميمية بين الرجل والمرأة في إطارها الشرعي، والتي في منعها عقاب للمرأة في حالة النشوز عن زوجها من غير عذر فهي آثمة.
وأضاف طارق في تصريحات خاصة لـ"القاهرة 24" أن فكرة الاغتصاب الزوجي يُصدرها إلينا الغرب الذين ليس لديهم أي حدود للحريات التي لا تخضع ولا تتمثل لقواعد دينية، متابعًا "مجتمعات كالخنازير لا تغار".
جدل ديني
"محدش بيغتصب حلاله".. بتلك الكلمات أثار الداعية الإسلامي عبد الله رشدي جدلًا واسعًا بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي عبر صفحته الشخصية "فيسبوك"، والتي تُفسر رأيه حول مفهوم الاغتصاب الزوجي واستشهد بحديث نبوي.
وتابع الداعية الإسلامي: "مبنتكلمش عن واحدة عندها مرض أو عذر شرعي أو زوجها رجل غير نظيف أو واحدة مرهقة جسديا بشكل يجعل العلاقة شاقةً عليها، مبنتكلمش عن كل ده، بنتكلم عن واحدة في ظروف عادية بس بتتمنع عشان معندهاش مزاج أو مش في المود".
وأضاف في منشوره مخاطبًا السيدات: "خلي بالك إنك كده بتعملي شيء لا يُرضي الله عنكِ، ولذلك إحنا بنرفض مصطلح اغتصاب الزوجة لأن مفيش حد هيغتصب حلاله، لأن الاغتصاب للشيء اللي مش حلالك، ولأن امتناع الزوجة عن زوجها دون أعذار - صحية أو شرعية أو إرهاق جسدي بسبب عمل المنزل مثلاً تتعسَّرُ بسببه العلاقة - مش شيء متاح في الإسلام أصلاً بل حرام ونشوز".
بينما قال الداعية الإسلامي مصطفى حسني، إن الزواج قائم على المودة والرحمة، فقال تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة"، وكل فعل فيه إيذاء لا يحقق المودة والرحمة منهي عنه شرعًا وهو من سوء العشرة، وقد أمرنا الله بحسن العمرة فقال تعالى: "إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان".
وأضاف "حسني في تصريح لـ"القاهرة 24" قائلا: "الاغتصاب هو اعتداء القوي على حق غيره وسلبه ما يملك بغير رضا وهذا لا يحقق المودة والرحمة، بل هو من الاعتداء بغير حق والعلاقة الزوجية الخاصة حق مشترك في الاستمتاع بين الطرفين".
وتابع: "إذا أجبر الرجل زوجته بالقوة والشدة على العلاقة، كسر خاطرها وسلبها شيئا تملكه بغير مودة ولا رحمة وهذا يفشي الكراهية والإحساس بالظلم في قلب الزوجة وليس على هذا تُبني العشرة الطيبة، لذلك أفتى علماؤنا بنهي الزوج عن جماع زوجته بالغصب".
واستكمل حديثه قائلًا: "رفض الزوجة للعلاقة له أسباب، منها بسبب الزوج، ومنها بسبب الزوجة، والتركيز على حل هذه المشكلة والنظر في أسبابها أولى وأهم من ممارسة هذه العلاقة التي في الأصل مبنية على الحب، فلا تمارس بالقوة، فتؤدي إلى حدوث الكراهية".
كيف يؤثر الاغتصاب على نفسية المرأة؟
قال الدكتور وليد هندي، الاستشاري النفسي، إن هناك عدة أسباب وراء الاغتصاب الزوجي ومنها: "النظافة الشخصية للرجل، الزواج دون حب، ثقافة بعض الرجال أن الأنثى للتمتع فقط، الزواج ببعض الرجال ذوات التاريخ الاجتماعي السيء مثال أنه متحرش، الخيانة الزوجية، بعض المفاهيم الدينية المغلوطة، الاحتياج المادي، الخوف من آثار الانفصال على الأطفال، عدم رؤية المرأة للزوج كشخص مكتمل الرجولة وإصرار بعض الأهالي على الزواج من أي شخص لمجرد كسر لقب العنوسة".
وعن الآثار النفسية، أوضح الاستشاري النفسي: "يسبب الاغتصاب الزوجي آلاما في نفسية الزوجة وزيادة الاشمئزاز، العصبية، وتشوه صورة الرجل الذهنية، بالإضافة إلى حدوث نوبات متتالية من الاكتئاب والبحث عن بدائل لإشباع الرغبات".
كما قالت الدكتورة هالة حماد استشاري الطب النفسي، إن فكرة الاغتصاب الزوجي بالطبع مؤلمة للمرأة، لأن لا بد أن تكون العلاقة الحميمية بين الزوجين مبنية على الحب والود والرضا وتعبير عن مشاعر الزوج الجميلة ناحية زوجته، ولا تشتمل على العنف، والاغتصاب الزوجي به شدة معنوية وبدنية، وبالتالي أصبحت العلاقة غير مألوفة للزوجة بل هي عبارة عن فرض سيطرة الرجل على زوجته، مما يجعلها تمر بصدمة نفسية مؤرقة لها طوال الوقت، الأمر الذي يجعلها ترفض تلك العلاقة باستمرار إضافةً إلى رفضها لوجود زوجها كإنسان بحياتها.
وأضافت هالة في تصريحات خاصة لـ"القاهرة 24"، أن الاغتصاب الزوجي يجعل المرأة تمر بحالة اكتئاب شديدة وقلق نفسي، متابعة: "حتى لو كان حقه فهو أيضًا بيغتصبها.. واستحالة يكون الاغتصاب حقه".
وأكدت الاستشاري النفسي، أنه في حالة رؤية الطفل لموقف الاغتصاب الزوجي بين الأبوين فذلك يمثل مشكلة كبيرة تسبب فقدان الثقة في المثل الأعلى وهو الأب؛ مما يبعث على إساءة نفسية شديدة للأطفال، تتمثل في القلق والاكتئاب وخوف من العلاقة الحميمية فيما بعد.
مضاعفات نفسية وجسدية خطيرة
قال الدكتور عمرو عبد العزيز جراح أمراض النساء والتوليد، إن هناك حوالي من 10 إلى 14% من النساء المتزوجات حول العالم يتعرضن للاغتصاب الزوجي القهري من قِبل الزوج، متابعًا أن ضحايا تلك النوع من الاغتصاب يتعرضن لتكراره مما يؤدي إلى التعب النفسي قبل الجسدي، لأنه ليس فقط اعتداءً جسديًا بل اغتصابًا للثقة والحب والمشاعر بين الزوجين، كما أنه يكون بمثابة خيانة جنسية للزوجة.
وأضاف جراح أمراض النساء والتوليد في تصريحات خاصة لـ"القاهرة 24"، أن هناك زوجات تظن أن ذلك من ضمن واجباتها الزوجية، ولكن ذلك جهل واضح لأنها لا تدري المضاعفات النفسية الناتجة عن ذلك الاعتقاد.