جريمة في حق الدولة الوطنية المصرية
كانت ثورة 30 يونيو 3013 نقطة البداية الحاسمة في مواجهة اختراق جماعة الإخوان المسلمين، وجماعات الإسلام السياسي، والاتجاهات الدينية السلفية للمجتمع المصري.
وهو الاختراق الموجه الذي تم في الخمس عقود الأخيرة، ويعد واحدًا من أكبر الجرائم التي اُرتكبت في حق الدولة المصرية وشعبها وتاريخها وثقافتها وميراثها الحضاري.
وقد ساعدت على تنفيذ هذا الاختراق منذ منتصف سبيعيات القرن الماضي حتى ثورة 30 يونيو 2013، بعض الخيارات الخاطئة للرئيس محمد أنور السادات، الذي فتح لتلك الجماعات أبواب الحضور والانتشار والتأثير، وكذلك هشاشة رؤية وخيارات وأولويات الرئيس محمد حسني مبارك.
لنجني في العقود الثلاثة الأخيرة الثمار المرة لهذا الاختراق، المتمثلة بالإجمال فيما يلي:
- إعاقة تجديد الفكر الديني، والخطاب الديني، بما يناسب مستجدات ومشكلات الواقع، ومتغيرات العصر.
- تشوه وازدواجية الثقافة والشخصية المصرية، واهتمام قطاع عريض من المصريين بالناحية الشكلية للدين على حساب سمو الأخلاق وصدق المعاملات.
- وجود ثلاث أجيال من المصريين أصحاب التوجه السلفي المتحفظ في الدوافع والتفكير والسلوك، باختلاف مستويات تعليمهم، وباختلاف موقعهم في المجتمع والجهاز الإدراي للدولة المصرية.
- التوظيف السياسيي للدين لتحقيق مكاسب انتخابية في البرلمان والمحليات والنقابات، وأخيرا في الانتخابات الرئاسية عام 2012، التي أتت برئيس إخواني على رأس الدولة المصرية.
- تهديد أمن واستقرار الوطن عبر انتماء بعض الشباب -المدفوعين بخرافات وأوهام سياسية ذات طابع ديني تم التسويق لها في العقود الأخيرة
- لجماعات سياسية وجهادية، تُعادي مفهوم الدولة الوطنية المدنية، وتحمل السلاح -نصرة للدين
- في وجه شعبها وجيشها وأجهزتها الأمنية. الغريب أنهم اطلقوا في سبعينات القرن الماضي على اختراق جماعات الإسلام السياسي والتيارات السلفية للمجتمع المصري اسم "الصحوة الإسلامية"، على الرغم من أن ما دعت إليه تلك التيارات الدينية يُناقض مفهوم الصحوة، ويكرس حضور الغفلة والثبات، بدعوة المسلمين للهروب من عصرهم، وعدم تجديد فكرهم الديني، والعودة للوراء ليعيشوا عصر السلف، ويعملوا بفكر السلف.
وقد تعرض أستاذ الفلسفة الراحل الدكتور فؤاد زكريا في كتابه "الصحوة الإسلامية في ميزان العقل " الصادر عام 1989، لتلك المفارقة اللغوية الكامنة في استخدام مصطلح "الصحوة الإسلامية" لوصف ظاهرة انتشار الجماعات الدينية في المجتمع المصري.
وتعجب الدكتور فؤاد زكريا من أن ترفع تلك الحركات الإسلامية المعاصرة شعار الصحوة، مع أن أفكارها رجعية شديدة التخلف، وتتأسس على أحياء أفكار وسلوكيات تعود إلى ما يزيد عن ألف سنة ماضية، ولا تؤهل المسلم للحياة والتطور في عالم شديد التغير.
كما تعجب أيضًا من اهتمامهم فقط بالجوانب الشكلية للدين، المُتعلقة بالشعائر والطقوس الدين، وببعض الأوامر والنواهي التي لا ترتقي بالمعاملات بين البشر، ولا تغير على نحو إيجابي الحياة العامة في المجتمع.
وقد انتهى الدكتور فؤاد زكريا من تحليلة لظاهرة ما أطلقوا عليه "الصحوة الإسلامية" إلى القول بأن تلك التيارات الدينية نجحت في الانتشار في المجتمع المصري نتيجة حالة الإحباط التي سادت في سبعينات القرن الماضي، بسبب فقدان العدالة الاجتماعية، وضياع الرشد الاقتصادي، وضلال التوجه السياسي، وانهيار القيم الأخلاقية والفكرية.
وأن دلالات تلك الصحوة الحقيقية، دلالات سلبية؛ لأنها في جوهرها تُعبر عن عجز العقل المسلم عن مواجهة الواقع والاهتداء إلى طريق جديد للإصلاح والنهضة والتقدم. وقد دفع هذا العجز بالمسلمين إلى الهروب من عصرهم والتحدي الذي يفرضه عليهم، والارتماء في احضان القديم المُجرب، وهو تراث السلف، ليبحثوا فيه عن وسيلة لحل مشكلاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وبناء على ما سبق، يمكن القول إن الانتشار الهائل للدعوات السلفية، والاتجاهات والتيارات الدينية، وجماعات الإسلام السياسي في مصر منذ سبعينات القرن الماضي، كان نتيجة فشل الأنظمة الحاكمة السابقة في بناء الدولة المصرية والإنسان المصري.
وبهذا يصبح بناء الدولة الوطنية المدنية، وتثبيت أركانها ومؤسساتها، وزيادة معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وانتهاج سياسات تعليمية وثقافية تُعيد "بناء الإنسان المصري"، وتغرس فيه جوانب الرؤية العلمية والحضارية، وآليات التفكير النقدي، هما نقطة البداية في مواجهة جريمة اختراق التيارات الدينية السلفية وجماعات الإسلام السياسي للمجتمع المصري.
ونقطة البداية أيضًا في إصلاح التشوه الذي أصاب المجتمع والثقافة والشخصية المصرية في الخمس عقود الأخيرة، وتعزيز قيم الانتماء والولاء الوطني، والتأسيس لصحوة وطنية حقيقية، شعارها: الدين لله والوطن للجميع.