"مشاهد مع الولد".. قصص قصيرة جدا للكاتب سيد نجم.. تعرف عليها
هذه مجموعة قصص قصيرة جدا تحت عنوان مشترك هو "مشاهد مع الولد" للكاتب الروائي والقاص سيد نجم، وهو حاصل على بكالوريوس طب وجراحة الحيوان عام 1971، وعلى ليسانس الآداب، تخصص قسم الفلسفة عام 1980، عضو مجلس إدارة نادي القصة بالقاهرة، وعضو اتحاد الكتاب المصريين. شارك في العديد من المؤتمرات الأدبية، من مؤلفاته الروائية: "أيام يوسف المنسي، السمان يهاجر شرقا، أشياء عادية فى الميدان.
ومن المجموعات القصصية للكاتب سيد نجم "السفر"، و"أوراق مقاتل قديم"، و"المصيدة"، و"لحظات في زمن التيه"، “عودة العجوز إلى البحر”، وفيما يلي نصوص المجموعة القصصية القصيرة جدا "مَشاهد مع الولد":
مشادة
مشهد الرجل الطويل العملاق يلهث، جعل الطفل القصير يبتسم، لم يلحق به العملاق، بعد أن حطم زجاج الدكان بدراجته الصغيرة.. قال الرجل: "لو، أمسكت بك، سأكسر الدراجة وعظامك".. فرد الطفل: "لو؟!".
******
عماء
مشهد هذا الصباح مختلف، الدنيا جميلة؛ فالشمس مشرقة، الطقس دافئ، الشارع غير مزدحم، الناس بلا ضجيج، ولا أسمع ﺇلا همسهم! اقتحمني حفيدي العفريت، أعرف ضجيجه، سألني: "احك لى حكاية كيف أصبحت أعمى؟!"
*******
الذيل
كلما مر بجوارها عفوا أو عمدا، تهزهز ذيلها في دلال.. ينظر شزرا، زادت من دفع ذيلها نحوه.. حتى بعد أن هبطا حقل البرسيم، قضمت البقرة منه حتى شبعت، جرى خلفهما الفلاح غليظ القلب بالسكين، ثم وقف يتابع المشهد وهو يلهث، هبطا إلى النهر وفرا منه، كان الصبي معلقا بذيل البقرة حتى عبرا النهر كله في آمان.
******
كرة
لأننى لا أحب مشهد الكسول، فرحت عندما طلبت مني أن نلعب معا، فقذفتني بقوة، بينما أنا وأنت حبيسا الغرفة الضيقة، فتألمت بسبب شظايا اللوح الزجاجي الذي حطمته، لكنني بكيت لأنك وصفتنى بالكرة المجنونة!
******
سمكة
عندما أخرجها الصغير من حوض السمك، بعيدا عن عشيرتها.. صرخت، لم يعبء، تابعها تحاول العودة إلى الحوض، شهدها وكأنها ترقص.. فابتسم، طال المشهد، فقالت له: "أبشر، سوف تضحك حتى تدمع عيناك"
*****
مشعثة
بدأ النادل عمله، وضع الطبق الأول، يعود ويتبعه بالصنف الثاني، المائدة تبدو فارغة؟! فابتسم وهو يضع أطباقه الفواحة الشهية التالية، حتى أنه لم يتمكن من وضع أطباقا جديدة، عرف السر.. بسبب تورم الجالسين، صنعوا حائلا غليظا أمامه.. لم يجد حلا، لولا مشهد تلك الفتاة المشعثة تنظر من خلف الزجاج، كانت تلحس "الدندون" بلسانها من أسفل أنفها، فإبتسم في دهشة؟!
*******
تفكير
قابل الشيخ صاحب اللحية، والعمامة، والعباءة البيضاء.. الصبي مفتول العضلات، سأله: بماذا تنصحني؟ ضحك الشيخ وتقدم، لحقه الصبي وأعاد سؤاله، كرر الشيخ ما فعل.. غضب الصبي، هدده بسلاح يبرق في وهج الشمس، صفعه الشيخ، بدا الصبي في مشهد غريب.. مترددا، فسأله الشيخ: فيما التردد؟.. لا أدري، لعلي أفكر؟ فضحك الشيخ: هذا هو!".
*****
تعلــق
تعلق الصبي باللعبة خلف زجاج "الفترينة".. وتعلقت كفه الصغيرة بأنامل أبيه. تعلق الأب، بعويناته السميكة، بالذبابة الحبيسة.. بدت مثيرة للشفقة.. حائرة، تتلاطم بين اللعب العملاقة. فجأة.. نزع الطفل كفه.. بكلتا يديه أشار إلى اللعبة.. ظن الأب أنه تحرر من قبضة إبنه، بينما الصغير يسعى لإقناعه بأصابعه العشرة. بدت الذبابة طائشة على غير هدى.. فيما ظن الأب أن صغيره يسعى لتحريرها، وظن الصغير أن الأب يمعن النظر في اللعبة.. والذبابة، كما هي حائرة حبيسة.
********
الصغير
عاش الصغير في أحضان أمه وأبيه وشقته الضيقة، لكنها تبدو له فسيحة جدا.
يمر اليوم بطوله ولا يستطيع أن يمر على حدودها سيرا أو ركدا..
سافر الأب، بدا الصغير.. شاحب الوجه، نحيف القوام، هزيل الطلعة.
لا أحد يدرى.. هل ما حدث بسبب عزوفه عن تناول الطعام؟ أم بسبب ما يستشعره من عصبية أمه؟!
لا أحد يريد أن يخبر الصغير بالحقيقة.. لو قالوا –مثلا- أن أبيه سافر كي يجمع مالا يشترى به شقة فسيحة.. الشقة تبدو له فسيحة جدا. شعروا باليأس، تحير الأطباء معه.
هل تريدون أن تعرفوا السبب؟ لا أظن..
إذن صوبوا أفكاركم نحو الحقيقة الغائبة.
*****
ابتهاج
بلهفة، لا أدري لها سببا، كنت أتعلق بكف أمي، وكانت دوما صامته.. ونحن نهم بعبور الجسر.
بحفاوة، أدري سببها، كنت أركل الصخرات الصغيرة، ولا أخطيء أهدافي، بينما كانت أمي غير مكترثة.. ونحن فوق الجسر.
بنشوة، لا أخفى سببها، كنت أهلل وأنا أضم كل الكائنات من حولي ومن أمامي، بينما تبدو أمي شاردة بما لا يعنيني.. ونحن في نهاية الجسر.
لا أدرى لماذا كانت أمي تنظر خلفها، فور أن نجتاز الجسر.. تقول: ياه، كم كان الجسر طويلا؟!
بفرح، أسعى وأكافح من أجل أن أحرر كفى من قبضة أمي..
تظل ترمقني وأنا وحدي أعدو وأصرخ تحت الشمس، وبسرعة تنشغل عنى..
كانت شواهد المقابر، تشغلها أكثر..
اليوم عندما عبرت الجسر وحدي، لم أكن متلهفا لشيء، ولا محتفيا بالصخور الصغيرة، ولم تلهيني نشوة اجتيازي المهمة، ولم أفرح...
******
حكيم
نظر حكيم القرية إلى الأطفال، فتساءل: ما مصيرهم لو أصبحوا محاربين، مثل الذين فقدناهم؟ تولى إبلاغ الرسالة، إلى القرية المجاورة.. حملوه على الأكتاف.
ختفت الأسلحة.. ظهرت الآلات الموسيقية.. غنوا ورقصوا.. شاركتهم الحيوانات.. فأطلت الأسماك من مياه النهر.. حتى الشمس لم تشأ الغروب، وقبلت وجود القمر معها.
لولا حادثة بسيطة، لإستمرت الأفراح.. تصادم شابان، فسال الدم.. من يطول رقبة جاره، يفتك به، ولا يعرف من أية قرية يكون.
عرفوا سببا، يبرر للأجيال القادمة ما حدث من عار.. لأن الشمس غضبت، وذهبت بعيدا.. وإنزوى القمر!
فأظلمت السماء والأرض، ولم يعرف أحدهم من يقاتل من؟!
*********
هرم
صغيرا.. جلست فوق رمال البحر أحصيها، خلت نفسي نجحت، وإلا لماذا قررت أن أمتلكها؟، فصنعت منها هرما، بدا لي في أول النهار صغيرا..
قررت أن أحصي وأشيد هرما أكبر، نجحت. بدا لي ما زال صغيرا، لم يمض من الوقت الكثير،
أسرعت وأحصيت وشيدت هرما أكبر من كل ما الأهرامات، بمضي دقائق قليلة، راودني خاطر أرعبني.. ماذا لو جاء موج البحر وانقض عليه، فيبدو كما لم يكن؟!
بدأت الفكرة، أن أحفر خندقا من حوله، نجحت.. قبل أن تنفرج أساريري، بدا لي أن مياه الموج أكثر، قد تتجاوز الخندق وتبلغ هرمي!
أضفت فكرة أفضل، أن أشيد سورا عاليا جدا، قمته بقمة الهرم، نجحت.. لم تطل بسمتي، بدا لي أن موج البحر أقوى، قد يدفع السور ويملأ الحفرة ويبلغ هرمي!
لم أجد فى رأسي فكرة تسعفني.. فبكيت.
ولما رجعت إلى أمي، وعرفت سبب بكائي، كادت تبكي!
لسنوات طويلة، كنت أسأل رأسي عن سبب بكاء أمي؟ فلما عرفت وجاءتني الإجابة.. كانت المرآة أمامي ترسم سحنة هرمة لا أعرفها!
*********
شمس
يجمعهم النور وتعزلهم العتمة، فقرر كبيرهم: "حان ميعاد قطف قرص الشمس"
طلبوا من نسائهم يضفرون حبلا طويلا من شعورهن.. لم يكن طويلا بما يكفى.. كان طريق الشمس أطول.
نجحوا في صنع فخا من كل حدائد قريتهم، لم يكن كبيرا بما يكفى.. كان قرص الشمس أكبر.
خلعوا ملابسهم، أوصلوها معا، صنعوا ستارا، نجحوا. لم يخطر ببالهم أن النور يراوغهم.. كان قرص الشمس أخبث.
ماذا لو نجح كل منهم في القنص، يمتلك جزءا جزء من قرص الشمس؟
فى المساء وضعوا أحمالهم.. أعلنها أحدهم في حسرة: "يبدو أن ظلام الليل أقوى"
فعقب كبيرهم في هدؤ وسكينة: "يا أبنائي.. نسينا أن الشمس تكره الأسر"
******
ولد وبنت
البنت ناهده الصدر تعدو، والولد نابت الذقن، على أثرها يتقافز فوق الرمال.. سحابة سوداء لأسراب من طائر غامض فوقهما، شمس عاجزة عن قهر العتمة.
الولد غرس أسنانه في سبابته ثم صاح، يتمنى لو تسمعه. دون أن تحذره العتمة لطمته، فسقط مذعورا. البنت تشتم حبيبها، زحفت قدر طاقتها، عجزت.
ما حدث.. أن تلبستهما نار تخصهما، فتملكتهما خفة أقدام غزاله، وحلقت بهما جناحا نسر علوي.
عادا ونطقا معا بالتعويذة السحرية: "أنا هنا يا حبيبي"، "أنا هنا يا حبيبتي"...
دون أن يفكرا، انجذبا، تجاورا، ومعا اتجها ناحية عتبة نار طيبة لا يرونها!
اقتحما النار معا، فاهتزت الأرض من تحتهما. البنت ارتطمت بالولد.. معا صرخا صرخة صحراوية، خلاء، فذهبت ولم تعد.. تشابكت كفيهما.
أقسما ألا يتركا لأناملهما أن تتحرر أبدا.
********
رجفة
تجهم وقال لأبيه: "أخرج من البيت".
العجوز الملتصق بركن الغرفة، يتشرنق في جلبابه، رفع رأسه من بين ركبتيه. ما بين جفونه المتهدلة، ولجت نظرة..ولجت نظرة ت.. يحاول رؤية فتوة ابنه.
انفعل الابن أكثر: "سوف أتزوج، ولن يسعنا البيت".
تشرنق الأب أكثر.. عاد إلى ما بين ركبتيه، ولم ينطق.
اندفع الابن يصرخ.. فشل أن يستنطق أباه.
فلما شعر الابن بالرجفة الغريبة، التي قبضت على أطرافه فور ملامسة أبيه..
تساءل: "يبدو أن شتاء.. شديد البرودة"