"أنت فاشل" كانت الحافز لنجاحه... نجار من ضعاف السمع يبرع في صناعة الـ"ديكوباج" (صور)
"أنت فاشل" و"ضعيف السمع ما يلزمنيش"، كلمات من مئات الكلمات التي يسمعها أحمد خلال عمله، كلمات لم تؤثر في حلمه الذي يحلم بتحقيقه طوال 14 عاما غير مبالٍ برأي المجتمع به، بل لم تزده إلا إصرارًا وعزيمة حتى بات بينه وبين تحقيق حلمه الأكبر وهو فتح الورشة الخاصة به.
يقول أحمد جمعة، صاحب ورشة "موبيليا وديكوباج"، إنه يعاني من مشكلة ضعف السمع، منذ كان عمره 3 سنوات، وهذا ما ترتب عليه مواجهة عقبات عدة خلال رحلته التعليمية، والتي كان على رأسها عدم معرفة المعلمين كيفية أو طريقة التعامل معه، لأن أغلبهم كان يسمع عن مشكلة ضعف السمع لأول مرة بسبب عدم إصابة أي شخص غيره به في بلدهم.
وأضاف خلال حديثه لـ "القاهرة 24"، أنه كان يفهم ما يقوله المعلمون عندما كانوا ينظرون باتجاهه عن طريق حركة الشفاه، ولكن عندما يلتفتون إلى الناحية الأخرى، كان لا يسمع أو يفهم شيء مما يقولونه، موضحًا أن والده تحدث مع المعلمين حتى يهتمون بشكل أكبر به نظرًا لما يعانيه من ظروف استثنائية، ولكن لم يولي إلا 3 منهم الاهتمام لأمره ولم يكترث الآخرين بما قاله والده، ولذلك لم يحصل على درجات عالية إلا في تلك الـ3 مواد فقط، على حد قوله.
استمر جمعة، في هذه المعاناة خلال رحلته التعليمية، وعندما لاحظ والده عدم اندماجه مع المدرسة وانطوائه عن من حوله قرر أن يعمله حرفة "النجارة"، التي كان يعمل بها بجانب عمله كمعلم، منذ كان في الصف الرابع الابتدائي، حتى تخرج من المدرسة الثانوية الصناعية بمجموع وصل إلى 75% ولم يستطع بعدها الالتحاق بالمعهد الفني الصناعي، بمدينة قويسنا، بعد أن فرق معه معدل الالتحاق بها على 3 درجات فقط.
يقول لـ "القاهرة 24"، إنه في بداية الأمر كان يعمل مع والده في ورشة "الموبيليا" الخاصة به ولكن مع غلاء الأسعار وقله الإقبال على الشراء دفعتهم لغلقها، فاتجه بعدها للعمل في ورش أخرى، لافتًا إلى أنه منذ التحاقه بهذه المهنة عمل في 4 ورش مختلفين كان يعمل بهم بالتناوب خلال فترة إجازته لمدة 13 ساعة يومًيا بمقابل مادي يصل إلى 14 جنيه في الأسبوع، وبعدها أصبح 5 جنيه يوميًا، حتى تخرج من المدرسة الثانوية، وسافر إلى القاهرة للعمل بإحدى المصانع الخاصة بالـ "نجارة" ليتعرض بعدها لأول موقف يشعره بإعاقته التي كاد أن يمحيها اجتهاده ودأبه الذي للحصول على لقب العامل المثالي بهذا المصنع.
أحمد اعمال أحمد
استطرد أنه عندما كان يتحدث معه صاحب العمل لم يسمعه لأنه لم يكن واقفًا أمامه، وهذا ما جعل صاحب العمل يعتقد بأنه يتجاهله، قائلًا له " أنت تتجاهلني في الكلام، أنا ضعيف السمع مايلزمنيش"، بعد مرور 40 يومًا من هذا الموقف أقدم جمعة، على التقديم على ورشة أخرى ظنًا منه أنها ستكون المكان الذي سوف لا يتعرض فيه لأي موقف مهين أخر، لكن هذا ما حدث عكسه عندما جاءت عميلة في يوم طلب منها خلال حديثها بأن تزيل "الكمامة" من على فمها حتى يفهم ما تقوله ولترد عليه بكلمة "أنت فاشل واللي مشغلك مش فاهم في الشغلانة".
هذه الكلمة التي لم تستغرق العميلة ثواني لقولها كانت هي نقطة التحول في حياة جمعة، والدافع وراء تحدي إعاقته وبذل كل ما بجهده للإثبات للمجتمع بأنه لم يوقفه عن إصراره أي إعاقة، فأنشأ صفحة خاصة به على موقع “فيس بوك”، لعرض نماذج شغله في الـ "ديكوباج" وصل عدد المتابعين بها إلى 2800 شخص، حتى أقدمت ذات العميلة على طلب شغل منه مرة أخرى وعندما أشادت به ذكرها بما قالته له في المرة السابقة وأخبرته أن ما قالته ما كان إلا حافزًا للاستقلال وفتح ورشته الخاصة بعيدًا عن صاحب العمل.
وبسبب اجتهاده وتفضيل العملاء لشغله أقبل صاحب إحدى الورش التي كان يعمل بها على طرده من العمل ظنًا منه أنه بذلك سيحل محله بسبب طلب العملاء له بالاسم، حسب ما قال لـ "القاهرة 24"، حتى افتتح بعدها ورشة صغيره داخل منزله بمعدات بدائية اشتراها بمبلغ 15 ألف جنيه وبجانب ذلك يعمل في الـ "الموبيليا" ولكن حسب الطلب.
وتابع جمعة خلال حديثه مع "القاهرة 24"، أن تشجيع العملاء له هو الحافز الأساسي للاستكمال في هذه المهنة، الذي تأخذ من وقته ما لا يقل عن 15 ساعة يوميًا حيث أنه في بعض الأحيان يخرج من المنزل الساعة الـ10 صباحًا ويعود الـ1 صباحًا متنقلًا بين المحافظات المختلفة، هذا بالإضافة إلى أنه بسبب عدم تمكنه من شراء المعدات والأجهزة الخاصة بالـ "ديكوباج" ينفذ جميع ما يطلبه العملاء منه يدويًا.
