هوس الكنز المدفون.. جروبات سرية لسماسرة التنقيب عن الآثار و"موتى تحت الطلب" للحفر
"ضعاف النفوس" حتمًا يرغبون في ثراء سريع، فهم مغرمون بهوس التنقيب عن الآثار لاستخراجها وبيعها لصالحهم، متناسين أن تلك الآثار ملكٌ للدولة، وأن لها حق التصرف فيها رغم أن العديد ممن يهرولون خلف تلك الرغبة سقطوا في قبضة الأمن خلال الفترة الماضية، وكان آخرها القبض على عصابة الآثار الكبرى المتهم فيها علاء حسانين، نائب الجن والعفاريت، ورجل الأعمال حسن راتب و18 آخرين.
أعمال تهريب الآثار الناتجة عن الحفر خلسة ازدادت حِدتها بعد يناير 2011 لها عدة أبعاد أثرية وقانونية ودينية واجتماعية، والتنقيب غير الشرعي عن الآثار مخالفة للمادة 32 من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 والمعدل بالقانون رقم 3 لسنة 2010 والمعدل بالقانون رقم 91 لسنة 2018 التي تنص على أن السلطة المختصة بأعمال التنقيب عن الآثار فوق الأرض وتحت الأرض والمياه الداخلية والإقليمية المصرية هي المجلس الأعلى للآثار.
عقوبة التنقيب غير الشرعي عن الآثار
ويجوز للمجلس أن يرخص للهيئات العلمية المتخصصة والجامعات الوطنية منها والأجنبية بالبحث عن الآثار أو التنقيب في مواقع معينة ولفترات محددة، وذلك بعد التحقق من توافر الكفاية العلمية والفنية والمالية والخبرة الأثرية، ويكون لهذه الهيئة حق النشر العلمي فقط للآثار المكتشفة، وتضمنت المادة 35 أن تكون جميع الآثار المكتشفة التي تعثر عليها بعثات الحفائر العلمية الأجنبية والمصرية ملكًا لمصر.
كما أن عقوبة التنقيب غير الشرعي جاءت في المادة 44 من القانون، بأن يعاقب بالسجن المشدد وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على مئة ألف جنيه كل من نفّذ أعمال حفر بقصد الحصول على الآثار دون ترخيص أو اشترك في ذلك.
ويعاقب بالسجن المؤبد والغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على مئة ألف جنيه، إذا كان الفاعل من العاملين بالمجلس الأعلى للآثار أو من مسئولي أو موظفي أو عمال بعثات الحفائر أو من المقاولين المتعاقدين مع المجلس أو من عمالهم.
رغم عمليات الضبط العديدة لمتهمي التنقيب وحيازة الآثار وجهود الداخلية المكثفة لضبط عصابات التنقيب، فإن "القاهرة 24" رصدت فرقًا متخصصة للتنقيب عن الآثار عبر السوشيال ميديا، ورصدت وجود مجموعات سرية على فيسبوك تروج لعمليات البحث عن الآثار، تضم شيوخًا وباحثين، فضلًا عن أصحاب أجهزة متخصصة لكشف المعادن والحوائط الأثرية يعلنون نشاطهم عبر "فيسبوك" كأنهم يروجون لسلعة مقننة دون رهبة من المساءلة القانونية.
البداية كانت من خلال منشورات تم نشرها بواسطة مجموعة من الأشخاص على أكثر من جروب للتنقيب عن الآثار على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بأسماء مستعارة، تعلن توافر إيجار أجهزة متخصصة لكشف الآثار والمسح الأرضي الكاشف للمعادن بجانب توافر بعض الشيوخ لمعرفة كيفية الحصول على القطع الأثرية.
“القاهرة 24” يخوض المغامرة
خاض “القاهرة 24” المغامرة وراسل هؤلاء من العاملين في مجال التنقيب، وبسؤالهم عن إمكانية إتاحة الوصول إلى عاملين للبحث عن آثار أسفل منزل مع وجود أجهزة للكشف تكون بسعر مناسب، جاء الرد بترك رقم التليفون للتواصل ومعرفة جميع التفاصيل.
ورد الاتصال لاحقًا لمحرري "القاهرة 24" من شخص عرف نفسه بأنه يدعى "أ، س"، ويعمل وسيطًا للبحث عن الآثار لتحديد موعد الحفر، والتأكيد على نوع الجهاز الذي نريد استخدامه أثناء الحفر لكشف الآثار، قائلًا: "كل شيء بثمنه".
وفي الوقت نفسه، أردف قائلًا: “لو الموضوع تمام التنقيب بيمشي عندنا بأساليب معينة، أولًا على صاحب المنزل المالك إن لم يلتزم بأي مصروفات نحو مجموعة العاملين للحفر، ولكن عليه الحماية من الأهالي بشرط ألا يدخل أحد منهم المكان بعد دخول العاملين للحفر وعلى رأسهم الشيخ والدكتور المتخصص في الكشف الطينة التي تخرج من باطن الأرض وكذلك يحدد كم المساحة المتبقي تحت الأرض للوصول للآثار المدفونة”.
الشيخ وظيفته تحصين العاملين بآيات قرآنية واتزان حراس المقبرة
أضاف المذكور أن هناك دلائل على وجود مقبرة في مكان الحفر منها وجود ما يسمى بـ"الشقف" بجميع أشكاله "وفقًا لشكل الصور المرفقة بالتحقيق"، ومع خروج الحالة "الآثار" من المقبرة يتم لفها في قماش أبيض، والدكتور المتخصص هو المسئول عن تصريفها، مؤكدًا أن الشيخ وظيفته حصن العاملين بآيات قرآنية واتزان حراس المقبرة "الخدم داخل المقبرة"، ومن الخارج هناك الراصد المسئول عن حماية المقبرة، يطلب في بعض الوقت من الشيخ أشياء غريبة مثل "أداء رذيلة مع صاحب المكان أو ذبح طير أو حيوان" وإذا سبقت وتعرضت المقبرة لحفر سابق صعب فتحها خاصة إذا كان الشيخ السابق تعرض لأذى شخص من الرصد "حارس المقبرة".
بدا من كلام الشخص المذكور أنه خبير في أمور الحفر، وأن له تجارب سابقة أو تجارب منقولة من أشخاص يحفظها لإسباغ عملية النصب على الضحايا أو أملًا في إيهامنا بأنه خبير وعليم بمجالات الحفر.
بالاستفسار عن نسبة تقسيم الكنز قال المذكور: "لو خرجت الحاجة بسلام صاحب المكان له الثلث والشيخ والدكتور لهما الثلث والعمال لهم الثلث أيا كان عددهم".
وظهرت بإحدى مجموعات فيسبوك الخاصة بسماسرة التنقيب عن الآثار، يتم الترويج عن أجهزة الكشف الآثار تحت عنوان: “متوفر أحدث الأجهزة البحثية للكشف المعادن للتواصل والاستفسار عبر الخاص”.
صاحب أجهزة للتنقيب عن الآثار: هناك جهاز يصل إلى 25 مترًا تحت الأرض
بمراسلة "ع، م" صاحب أجهزة للتنقيب عن الآثار للاستفسار عن أفضل أجهزة للكشف، بدأ بتعديد أنواع عديدة لتلك الأجهزة مثل "كوبرا جي اكس 8000" كاشف المعادن بنظام التصوير ثلاثي الأبعاد، ويمكن الاعتماد عليه للكشف أعمق الكنوز المدفونة تحت الأرض بسهولة مع ستة أنظمة مختلفة بسعر 1000 جنيه للساعة الواحدة؛ وهو آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا الألمانية في مجال كشف الكنوز الدفينة، وهناك جهاز "روفر سي 4" بنظام تصوير يصل إلى 25 مترًا تحت الأرض بسعر 7000 جنيه في اليوم، وجهاز "جراوند نفجيتور" أعمق وأعلى في الكشف الآثار بسعر 10000 جنيه في اليوم، حيث تصل فاعليته إلى اختراق 40 مترًا تحت الأرض.
ووفقًا للمادة الـ42 من قانون حماية الآثار المصري رقم 91 لسنة 2018 التي تنص على أن يعاقب بالسجن المشدد كل من حفر خلسة أو بإخفاء الأثر أو جزء منه بقصد التهريب، أما إذا أجرى أعمال الحفر بقصد الحصول على الآثار دون ترخيص أو اشترك في ذلك، فقد عاقبت المادة 44 من القانون بالسجن المشدد، وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على مئة ألف جنيه.
وقال الدكتور يوسف حامد خليفة، رئيس قطاع الآثار المصرية الأسبق، إنه على الرغم من تغليظ العقوبات على الحفر خلسة والتنقيب عن الآثار أسفل المنازل وأراضي الفضاء، فإنه ما زال لدى الناس هوس عن تنقيب الآثار واللهث وراء الثراء السريع ما دام أن هناك ضعاف نفوس ومستمرون في ذلك رغم وجود ضحايا كثر قد تؤدي بهم إلى الموت.
وطالب حامد بزيادة حملات التوعية من خطورة الحفر والتنقيب بحثًا عن الآثار وإعمال القانون لتحقيق الردع وتغليظ العقوبات والعمل على تكثيف حملات الأمن ووجود تكاتف من شرطة الآثار والشرطة العامة، والمختصة وتكثيف المرور من قبل المسؤولين عن تفتيش الآثار؛ للحد من عمليات التنقيب.
التنقيب عن الآثار حرام شرعًا
وأضاف رئيس قطاع الآثار المصرية الأسبق أن التنقيب عن الآثار حرام شرعًا، حيث إن تلك الآثار ليست مملوكة للشخص، حتى وإن كانت الأرض أو العقار مملوكًا له، ما دام تدخلت بها اليد البشرية، لكن الوضع يختلف لو وجد الشخص ثروة طبيعية، وقد نص القانون على أن الآثار هي أموال عامة ملك للدولة والشعب، لذلك لا بد من ترك الآثار والحفاظ عليها كما تركها لنا أجدادنا، مؤكدًا أنه لا بد من عمل محاضرات توعية مثل ما قام بها من قبل عن "إدارة الوعي الأثري والتربية المتحفية" والتركيز على أماكن التجمعات ومخاطبتها مثل: المدارس ومراكز الشباب والمرأة، ومع وجود أزمة كورونا يمكن تقليل الأعداد وتزويد عدد الأيام؛ حتى نستطيع أخذ الاحتياطات الوقائية اللازمة.
وتكثف الأجهزة الأمنية جهودها لضبط عصابات التنقيب كما تبحث عن باقي المتهمين في عصابة التنقيب عن الآثار داخل فيلا بمنطقة الشيخ زايد، ومملوكة لطبيب خليجي تلك الواقعة التي أسفرت عن مصرع شاب داخل حفرة التنقيب.
قضية حسن راتب ونائب الجن
ولا تزال قضية الآثار الكبرى المتهم فيها رجل الأعمال حسن راتب والبرلماني السابق علاء حسانين الشهير بنائب الجن والعفاريت وشقيقه زين الدين حسانين و16 آخرين، محل اهتمام وبحث جميع المصريين، إذ تتمحور تساؤلاتهم حول دوافع المتهمين، وطمعهم في العمل بتلك التجارة غير المشروعة لعدة سنوات، وماهية تمويل عمليات التنقيب والحفر.
تحريات الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية وتحقيقات جهات التحقيق كشفت جزءًا من ذلك الغموض المحيط بالواقعة، رغم أن الواقعة برمتها لا تزال قيد التحقيقات، لكن إجابات المتهمين خلال التحقيقات كشفت عددًا من الحقائق.
وكشفت معاينة هاتف المتهم "عز الدين" شقيق "علاء حسانين" المتهم الرئيسي في الواقعة، وجود رسائل مرسلة عبر تطبيق واتساب متعلقة بواقعة الآثار محل التحقيقات.
وعن صلته برجل الأعمال حسن راتب أكد "عز الدين" عدم وجود علاقة مباشرة تربطه برجل الأعمال المتهم في القضية، لكنه يرتبط بعلاقة صداقة ممتدة منذ نحو 8 سنوات مع شقيقه علاء، وأن شقيقه كان دائم الظهور في قناة المحور التي كانت مملوكة لراتب في فترة سابقة، وأن الصداقة بينهما توطدت وكانا يذهبان معًا لمولد السيدة زينب والسيدة نفيسة.
تحقيقات القضية تكشف وجود خلافات سابقة
غير أن تحقيقات القضية كشفت وجود خلافات سابقة بين المتهمين (راتب، وعلاء حسانين)، إذ تطورت إلى إقامة الأول قضايا ضد المتهم الثاني؛ بسبب خلافات مالية وإيصالات أمانة بملايين الجنيهات.
طبيعة العلاقة التي توطدت بين حسن راتب وعلاء حسانين كانت تجارية في البداية وعبارة عن عمل متعلق بالرخام يستخدمه حسن راتب في أعمال إنشائية لأبراج بالقاهرة، والسويس ومدن أخرى، حيث كان علاء حسانين يورد الرخام لمشروعات حسن راتب.
نشبت الخلافات بين راتب وعلاء تقريبًا في عام 2017 - حسب اعترافات شقيق الثاني - إذ فوجئت الأسرة باستدعاء قسم شرطة إمبابة وقتئذ لشقيقه علاء ثم معرفته بإقامة حسن راتب قضايا نصب ضد شقيقه، بسبب أن راتب كان قد سلم علاء مبلغ مليون وستين ألف دولار أمريكي.
هذه الأموال محل خلافات راتب وحسانين كانت ضخمة وبالدولار، لكن شقيق حسن راتب بررَ أن محور الخلاف كان قطعة أرض دون أن يدلي بتفاصيلها؛ لكن راتب اتهم علاء بالنصب وانتهى خلافهما بالتصالح، بعد خصم أموال محل الخلاف من أموال أخرى لعلاء عند راتب.
"عز الدين" شقيق علاء حسانين قال إنهم فوجئوا بعد هذه الواقعة بـ6 أشهر بوجود 4 قضايا عبارة عن إيصالات أمانة في أماكن الوايلي وإمبابة وميت غمر بالمنصورة والإسماعيلية، وكان رافع إيصالات بأسماء أشخاص مختلفة.
وقرر قاضي المعارضات، السبت الماضي، تجديد حبس 18 متهمًا بينهم النائب البرلماني السابق علاء حسانين، وذلك في واقعة تزعمه عصابة للاتجار والتنقيب عن الآثار 15 يومًا على ذمة التحقيقات.
كانت النيابة العامة قد تلقت تحريات إدارة مكافحة جرائم الأموال العامة التي أسفرت عن تورط تشكيل عصابي من 19 شخصًا بالاتجار في قطع أثرية منهوبة اختُلِسَت بعمليات تنقيب وحفر ممولة في مناطق متفرقة في جميع أنحاء الجمهورية، وذلك لبيعها داخل البلاد وتهريبها للخارج لذات الغرض، فباشرت النيابة العامة التحقيقات.
وأصدرت النيابة العامة إذنًا بضبط المتهمين، فضُبِطَ المتهم علاء حسانين زعيم التشكيل العصابي ومتهم آخر بصحبته، وعُثِرَ بحوزته على عملات معدنية مشتبه في أثريتها، وعُثِرَ بالسيارة التي يستقلها على تماثيل وأحجار وعملات وأشياء مشتبه في أثريتها، وباستجواب المذكور فيما نُسب إليه من إدارته التشكيل العصابي بغرض تهريب الآثار لخارج البلاد، وإجرائه أعمال الحفر للتنقيب عنها وتهريبها والاتجار فيها، أنكر الاتهامات، ونفى صلته بالمضبوطات وصلته بباقي المتهمين سوى المضبوط معه.
واستجوبت النيابة العامة سبعة عشر متهمًا ضُبِط بعضهم بأماكن الحفر والتنقيب وبحوزتهم مضبوطات مشتبه في أثريتها وأدوات تستخدم في أعمال الحفر، وقد أسفرت مناقشة بعضهم في جهة الضبط عن الإرشاد عن كتيبات وأدوات استخدموها لممارسة أعمال الشعوذة والسحر تنقيبًا عن الآثار، وقد تحفظت النيابة العامة على أربعة مواقع للحفر والتنقيب وانتقلت لمعاينتها فتبينت ما فيها من أعمال حفر عميقة.
وأكدت اللجنة المشكلة من المجلس الأعلى للآثار خضوع تلك الأماكن لقانون حماية الآثار لكونها من الأماكن الأثرية، وأن الحفر المجرى بها كان بقصد التنقيب عن الآثار، وأن القطع المضبوطة بحوزة المتهمين - عددها 227 - جميعها تنتمي للحضارات المصرية وتعود لعصور مختلفة ما قبل التاريخ والفرعوني واليوناني والروماني والإسلامي، وتخضع لقانون حماية الآثار.
وأفاد أحد المتهمين باستدلال عقب ضبطه بمشاركة المتهم حسن راتب في تمويل عمليات الحفر والتنقيب عن الآثار، وأكدت تحريات الشرطة ذلك، وصلته بزعيم التشكيل، فأصدرت النيابة العامة قرارًا بضبطه، وباستجوابه أنكر ما نُسب إليه من اتهامات وقرر وجودَ تعاملات مالية بملايين الجنيهات بينه وبين زعيم التشكيل العصابي وخلافات حولها.