أديب برتبة جنرال (1).. البارودي رب السيف والقلم
محمود سامي البارودي واحد من أشهر الأدباء الذين جمعوا بين الشعر والعمل العسكري، على الرغم من صعوبة العمل العسكري ومشاقه، فلُقب بـ "رب الشعر والقلم".
ولد محمود سامي البارودي بمصر لأبوين من الجراكسة عام 1839 وكان أبوه حسن حسني بك البارودي من أمراء المدفعية ثم صار مديرا لبربر ودنقلة في عهد محمد علي، وكان جده عبدالله بك الجركسي جده لأبيه، أما لقب البارودي فهو نسبة إلى إيتاي البارود بالبحيرة، وكان أحد أجداد سامي البارودي ملتزما لإيتاي البارود.
لُقِّب محمود سامي البارودي برائد مدرسة الإحياء والبعث، أي إحياء الشعر من حالة الضعف والجمود التي كان فيها في ذلك العصر، ومن أشهر شعراء هذه المدرسة: أحمد شوقي أمير الشعراء وحافظ إبراهيم شاعر النيل وأحمد محرم وعلي الجارم.
تخرج سامي البارودي في المدرسة الحربية في عهد الخديوي سعيد الذي سرح الجيش، وأصبحت حياة البارودي الجندية حياة الخمول والبعد عن ميادين القتال، وهو ما أعطى له وقتا للمطالعة والقراءة فقرأ الشعر العربي وخاصة شعر الحروب والقتال، فتحرك داخله قول الشعر.
عندما تولى الخديوي إسماعيل حكم مصر، عزم على أن يكون لمصر جيش يحميها، وتعود لنهضتها في العلم والصناعة وترقى البارودي في درجته العسكرية وتولى قيادة فرقيتن من الفرسان، ثم يترقى إلى رتبة "قائممقام" في فرسان الحرس ثم رتبة أميرالاي، ثم سافر إلى إلى جزيرة "كريت" على رأس جند لوأد ثورة ضد السلطان العثماني هناك، وأبلى في الحرب، وحاز وسام السلطان العثماني من الدرجة الرابعة.
ومن شعر البارودي في هذه الحرب:
أخذ الكرى بمعاقد الأجفان.. وهفا السرى بأعنة الفرسان
والليل منشور الذوائب ضارب.. فوق المتالع والربا بجران
لا تستبين العين في ظلماته... إلا اشتعال أسِنَّة المران
تدرج البارودي في المناصب فتولى نظارة الحربية في 14 سبتمبر 1881 في الوزارة التي شكلها شريف باشا عقب الثورة العرابية خلفًا لعثمان رفقي باشا إلى جانب وزارته للأوقاف، بعد مطالبة حركة الجيش الوطنية بقيادة عرابي بعزل رفقي، وبدأ البارودي في إصلاح القوانين العسكرية مع زيادة رواتب الضباط والجند، لكنه لم يستمر في المنصب طويلًا، فخرج من الوزارة بعد تقديم استقالته في 22 أغسطس 1881؛ نظرًا لسوء العلاقة بينه وبين رياض باشا رئيس الوزراء، الذي دس له عند الخديوي.
تولى رئاسة النظارة إلى جانب نظارة الداخلية في بعد ذلك عام 1882، وكان أول رئيس وزراء في تاريخ مصر لم يعينه الخديوي بل ينتخبه مجلس النواب، ومن أجل ذلك أطلقت على وزارته اسم "وزارة الثورة" أو الوزارة الوطنية.
البارودي وثورة عرابي
تصدى البارودي مع أحمد عرابي للاحتلال الإنجليزي وانتهى الأمر بدخول الإنجليز مصر، والقبض على زعماء الثورة العرابية وكبار القادة المشتركين بها، وحُكِم على البارودي وستة من زملائه بالإعدام، ثم خُفف، في إلى النفي المؤبد إلى جزيرة سرنديب.
ظل في المنفى أكثر من 17 عامًا يعاني الوحدة والمرض والغربة عن وطنه، فسجّل كل ذلك في شعره النابع من ألمه وحنينه. وبعد أن ساءت صحته عاد إلى وطنه مصر للعلاج عام 1899م وكانت فرحته غامرة بعودته إلى الوطن وأنشد أنشودة العودة التي قال
أبابلُ رأي العين أم هذه مصرُ فإني أرى فيها عيونًا هي السحرُ