السبت 30 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

"المقرأة".. قراءة في قصيدة "أخاف أن أعرف" لـ أنسي الحاج

أنسي الحاج
ثقافة
أنسي الحاج
الثلاثاء 27/يوليو/2021 - 10:04 م

الشعر صورة النفس، ومرايا الأرواح، ديوان الأيام، وونس الليالي، واليوم نقرأ معكم أعزاءنا المتابعين، قصيدة جديدة، لشاعر النثر الكبير، "أنسي الحاج" وهي بعنوان "أخاف أن أعرف"، محاولين التحليق مع صورها العذبة، فهيا بنا.

"أجمله ما بين الجهل والمعرفة، أكثرُه ألَمًا وأشدُّه اعتصارًا

لا أعرف ما ستقرّرين!

عيناكِ اللتان في لون ثيابكِ ثابتتان في دوختي ثباتَ الحَيرة المنقِذة في العذاب".

بدأ الحاج قصيدته بتضاد بين الجهل والمعرفة، ووقع هذا الجهل بقرارها، الذي رآه رغم جمال الموضوع الذي خلف حيرته، إلا أنه أكثر الأشياء التي تؤلم، تلك الحيرة التي تأخذه، ماذا ستقرر؟، وعيناها، لا يرى سوى عينيها أمامه، لا ينشغل عنها، في وسط كل شيء، عيناها ثابتة، رغم عدم سكون عقله وقلبه، عيناها ساكنة.

"كذابٌ هذا الصقيع،

 كذابٌ ذلك البحر التافه،

 كذابٌ أيُّ انهماكٍ كان

 سوف أنساك! كذابٌ أنا، 

لو كان لي أنْ أنساكِ لما فعلتُ

 لأنّكِ، أنتِ أيضًا، لستِ لي، وكيف أنسى من ليست لي!"

كذابٌ هذا الصقيع؟ بالطبع كذاب، وكيف يكون صقيعًا، والرجل يحترق من لوعته، كذابٌ هذا البحر؟ نعم كذاب، رغم اتساعه ضاق أن يتسعه، فشل أن ينتشله من أفكاره، حتى هو نفسه كذاب، حينما وقف على شط هذا البحر وقال لنفسه سوف ننسى، سوف نتخطاها، لكن كيف سينسى؟، هو لن يستطيع ولن يحاول، فهي ليست له!، وهذا سبب مقنع لرجل أخذ منه الكثير مما أحب، كيف يتخطى من لم يتركه بمحض الإرادة؟.

" كان يكون مريحًا لو.. لكنّي كذابٌ أيضًا

أرْفُضُ هذه الراحة،  يَحْدث ما يحدث وما لا يجب أن يحدث وما لا يحدث

 أحبّيني لا لأني أُحَبّ، بل لأن عينيكِ تُحبّان طريقتهما في إحراقي"

من ذاق عرف، أن من أحب، لا يهنأ، ولا يحب أن يرتاح وينسى، هي رحلة للبحث عن ما يؤلم، عقله لا ينشغل سوى بالتفكير فيها، لا ينفك عن رسم تخيلاته الحسنة والسيئة، ثم يطلب منها، لكن ليس منها هي بذاتها الحقيقية، بل من نسختها في عقله وقلبه، أن تحبه، ويُغريها بما يراه أنها تحب أن تفعل به، هو يعرف جيدًا أنها لا تحبه هو، بل تحب لوعته وعذاباته، لا يرى نفسه أهلًا لأن يُحَب، لذا يقبل بالثمن.

" يوم ولدتِ كنتُ كبيرًا

 أمس كنت صغيرًا يومَ كبَرتِ

 ولولا الضوء لما رأيتُ من عمري سوى الرعشة

صغيرًا كالبداية، وأنتِ كبيرةٌ ككلّ ما يجعل النهايات تبدأ من جديد"

العمر ليس أيامًا تُعد، هو أكبر منها بسنين، لكن حينما كبرت تلك الطفلة أحس هو بالطفولة أمام تلك العينين، أحس بالضعف، والعجز، أراد أن تحتويه داخلها، اختزل عمره كله في تلك الرعشة، الرعشة التي تعتريه حينما يراها، تلك الثواني هي العمر، والسنين تُقضى في تذكر هذه اللحظة!، صغيرًا هو، عمره الحقيقي يعادل رعشة النظرة الأولى، وهي كبيرة بعمر تلك الفترات التي لا يراها فيها، فترات النهاية المتجددة.

" أنتِ لسوايَ،

 ككلّ مَنْ أحْبَبْتُ لسوايَ

ككلّ ما هو لي

قَدَر المشتهي مُقتني غيرِه، قَدَرُ حامل الفتنة، قَدرُ الزائرِ الغريب، قَدَرُ ناشرِ الاضطراب والحريّة، قَدَرٌ جميلٌ هو قََدَري

وبين الجهل والمعرفة مصيري وأخاف أن أعرف ما سيصير

أجْمَلُه ما بين الجهل والمعرفة، تُدلّلُكَ أحلام القَلَق وتغدر بك.

والويل لك من جمال تنكيل تلك الحَيرة، والويل لك من اليقين!

فأنتَ مولودٌ تحت التاج والسُمّ"

أخيرًا يقر، يصل إلى يقين حيرته، هو لا يريد هذا اليقين لكنه لا يجد ما يقنع سواه، هي ليست له، هي ككُل ما تمنى، لن يأتي، لن ينالها، هو ذلك الحظ الذي وضعه معها، كمن اشتهى ما يملك الغير، وهذا الغير لن يعطيه ما يملك، كحامل الفتنة والزائر الغريب وناشر الحرية، لن يهدأ ولن ينال ما يريد ولن يستريح أبدًا، وتلك الأفكار تأخذه ما بين ما هو حُلو وما بين ما هو علقم، لكنه يدرك أن ما هو حلو في عقله مستحيل أن يحدث خارجه، وما هو علقم، هو اليقين الحقيقي، فهو بهذا الحب كالملك، يمتلك بحبها تاج الإمارة، وتُجرعه السُم كعادة العروش مع الملوك.

تابع مواقعنا