الأربعاء 27 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

كرة القدم في الأدب المصري.. مصطفى بيومي يرصد اللعبة عند فتحي غانم

غلاف الكتاب
ثقافة
غلاف الكتاب
الأربعاء 28/يوليو/2021 - 11:52 ص

أصبحت كرة القدم كالأفيون بالنسبة للشعوب، لا يمكن عدم لعبها أو على الأقل لا يمكن تجنب الخوض فيها، فعشاق الكرة المصرية ينتظرون بشغف مباريات كرة القدم ويترقبون نتائجها، وتكثر التكهنات التي تكون متفاوتة ومختلفة حد التضارب بين المبالغة في توقع النتيجة بين الفوز الكاسح أو الهزيمة المنكرة، كما تتباين ردود الفعل بعد المباريات.

في كتاب "كرة القدم في الرواية المصرية" للكاتب الصحفي والروائي والناقد مصطفى بيومي، يرصد فيه معالجة الأدب لظاهرة كرة القدم  في أدب فتحي غانم، وأفرد له فصلا من الكتاب جاء كالتالي:

أي موقع تحتله كرة القدم في عالم فتحي غانم، الروائي المتفرد الأكثر اهتمامًا وانشغالًا بقضيتي كواليس الصحافة المصرية والإرهاب بمستوييه الوطني والديني؟. يتسم غانم بقدر كبير من العمق في رؤيته الإنسانية الشاملة، التي تتجاوز الأيديولوجيات والأفكار التقليدية سابقة التجهيز، ما ينعكس بالضرورة على الشكل الفني الذي يتغير ويتطور من عمل إلى آخر، كأنه يراود البحث عن تشكيل طازج مبتكر غير مسبوق.

يعي فتحي غانم أن كرة القدم جزء أصيل من نسيج الحياة المصرية، وأنها العنصر الأكثر انتشارًا في ألعاب الأطفال الشائعة في الحياة الشعبية الفقيرة. لا يعرف "الغبي"، وهو جنين في بطن أمه، أي مصير ينتظره عندما يولد، في الرواية التي تحمل لقبه الذي يلتصق به: "الغبي". الاحتمالات متنوعة متباينة: "لا يدري هل سيعيش يحارب الرنة أو يصادقها في القطب الشمالي، أو يركب الركشا" بدلًا من الدابة في آسيا، أو يسبح في بحيرات سويسرا.. أو يصطاد في غابات الأمازون، أو يلعب الكرة في شوارع القاهرة".

لعب الكرة في الشوارع ملمح راسخ في إيقاع العاصمة المصرية، ذلك أن كرة القدم هي الرياضة الشعبية المجانية التي تنتشر في الحارات والشوارع الفقيرة، ولا يثير وجودها شيئًا من الدهشة لفرط الاعتياد عليها. في السنوات الأولى من القرن العشرين، يلعبها محمد ناجي، في "الرجل الذي فقد ظله"، مع أصدقاء الحارة، مثلما يشاركهم في الجري وراء عربات الرش، أما يوسف عبدالحميد السويفي، ابن المدرس الأرقى طبقيًا في الرواية نفسها، مطلع الثلاثينيات، فتتكئ قواعد تربيته على هواجس الخوف من أي وكل شيء لا يتورع عنه أقرانه من أطفال حارة السد في السيدة زينب، ويقنع الطفل المحروم بالمتابعة من النافذة دون مشاركة: "أرقب بهجت وحودة وأنفش يلعبون الكرة، ويجرون وراء عربات الرش، حفاة، رفعوا جلابيبهم، فتعرت سيقانهم وأفخادهم لتستقبل المياه المتدفقة.

كنت ألعب معهم من مكاني خلف النافذة، أحاور، وأركل الكرة بقدمي، فتصطدم بالجدار أسفل النافذة".

على الرغم من أن يوسف لا يلعب الكرة إلا في خياله، فإنه يتحجج بها لتبرير تمزيق حذائه جراء الركلات القوية التي يتلقاها من انفش الشرس، زميل دراسته الابتدائية: "أعود إلى البيت وأدعي أني كنت ألعب الكرة، ويوبخني أبي، ويتهمني بأني لن أفلح".

أنفش، البذيء الوقح سليط اللسان، بمثابة الشخصية الضد ليوسف الوديع المسكون بالخوف. إنه ضخم الجسد جريء ذو خبرات وتجارب، ومن هنا يتحول إلى القدوة والمثل الأعلى: "كان خوفي من أنفش مقصورًا على ملاقاته، ولكني عندما أعود إلى البيت وأرقبه من النافذة، أتحمس له، وهو يسيطر على الكرة بجسمه الضخم، وألعابه الخشنة، وصوته الغليظ وشتائمه التي يطلقها في غل وكأنه فقد عقله".

أبناء الطبقة الوسطى الصغيرة، مثل يوسف، محرمون من ممارسة اللعبة الممتعة، فهي تقترن عند الآباء التقليديين المحافظين بالفساد والانحراف وتهديد المستقبل، وهؤلاء الأطفال عاجزون بالضرورة عن الانضمام إلى الأندية، كما هو الحال عند أبناء الطبقة العليا، ولا موقع لهم إلا في المنطقة الرمادية الفاترة المحاطة بالقهر والكبت والحرمان. المدرسة هي المتنفس البديل الوحيد المتاح، لكن الاهتمام بالرياضة يتراجع تدريجيًا في المدارس، وصولًا إلى التلاشي، وينعكس الأمر سلبًا على أطفال ومراهقي المرحلة الناصرية قرب نهايتها.

حسن يوسف منصور، في "الأفيال"، طفل يتسم بالحيوية، نشيط ذو شخصية قيادية قوية، لكنه يتعرض لحصار خانق مدمر في سنوات الدراسة الإعدادية: "وأصبح المدرسون يطلبون من الأولاد الخضوع والطاعة العمياء. لا يعترفون بالشقاوة ولا بشيء اسمه الشخصية القوية. وواجه حسن ناظر المدرسة وهو يجمع شلة الأولاد الأشقياء وعلى رأسهم حسن وقال لهم وهو يضغط على أسنانه متوعدًا: 

- سوف أشتتكم.. لن يجمعكم فصل واحد.. سأبطش بكم بلا رحمة إذا صدر منكم أي شيء ضد النظام.

فلما تزعم حسن فريق كرة القدم يلعب في الفناء أثناء الفسحة ويثير ضجة غير عادية بين التلاميذ. ألغى الناظر الفريق".

الألعاب الرياضية، وكرة القدم في طليعتها لما تتسم به من انتشار وشعبية، أداة مهمة للتنفيس وتصريف الطاقة المخزونة في أعماق الصغار. تركيز المدارس على التعليم بمفهومه التلقيني المباشر، وتأميم اللعب، وفرض الطاعة العمياء؛ متغيرات جديدة سلبية على العملية التعليمية، وبمثابة المدخل لتدمير الشخصية السوية متعددة الأبعاد، فهل يبدو مستغربًا أن ينتهي المطاف بحسن، ونسبة لا يُستهان بها من أبناء جيله، إلى خنادق التطرف الفكري والإرهاب الدموي؟!.

**

لا يقتصر الولع بكرة القدم على الأطفال الفقراء وحدهم، ذلك أن الرياضة الشعبية واسعة الانتشار تحظى باهتمام كبير من الطبقات كافة، وتتحول إلى مفردة راسخة في الحياة المصرية اليومية.

في قصة "تأملات كاتب مشهور في آخر أيامه"، مجموعة الرجل المناسب"، يتحمس الكاتب ذائع الصيت للإلحاح على تصوير الحياة المرحة الوردية الممتعة، ثم يقول لوزير الإعلام ضاحكًا: "إنني أعني الحياة الوردية، لا الحياة الحمراء، حيث حمامات الدم. فضحك الوزير وقال: إن اللون الأحمر ليس قاصرًا على الشيوعية، فهو أيضًا لون فانلة النادي الأهلي"

لا أحد من المصريين يجهل لون فانلة النادي الأهلي، وإشارة الوزير الساخرة العابرة بمثابة التأكيد العفوي على الشعبية الجارفة لكرة القدم وأنديتها الكبرى، حيث يمثل الانتماء إلى "الأهلي" و"الزمالك" الملمح الأهم في التعريف بشخصيتي الأستاذ برعي والسيد بكر في قصة "شلبي وابنته"، مجموعة "بعض الظن إثم بعض الظن حلال". برعي ناظر المدرسة بالحي، وبكر موظف بالجمرك، وكلاهما من مدمني لعبة الدومينو في القهوة. يلعبان ويتبادلان السخرية والشتائم، محاطين بالمشجعين والأنصار: "وكان مما يضيف إلى المعركة حماسًا وعنفًا، أن الأستاذ برعي أهلاوي متعصب والسيد بكر زملكاوي متطرف فتحولت معركة الدومينو بينهما إلى مباراة مستمرة بين فريقي الأهلي والزمالك".

لا تشير القصة إلى أحدهما إلا مصحوبًا بانتمائه: "الزملكاوي" و"الأهلاوي"، كأن هذه العلامة وحدها هي الجديرة بالذكر!.

من ناحية أخرى، لا يغيب الاهتمام بكرة القدم عند أبناء الطبقة الأرستقراطية وكبار الأغنياء، لكنه يتخذ طابعًا مختلفًا يتوافق مع الهوية الطبقية والثراء الفاحش.

الأرستقراطي الثري يوسف مكي، في "من أين؟"، ذو اهتمامات وهوايات تليق بموقعه الاجتماعي الرفيع، ولم يكن الصحفي مصطفى حمدي يعرف عنه الكثير قبل أن يقترب منه ويصادقه: "عرفت شكله من صوره التي تُنشر له وهو يربت بيده على رقبة حصان يملكه فاز في السباق، أو وهو يتفرج على مباراة كرة قدم دولية".

أما عمر بك السلماوي، شيخ الطريقة الصوفية فاحش الثراء في "الأفيال"، فهو عظيم الاهتمام بكرة القدم. في حواره مع الكاتب يوسف منصور، يبدو حريصًا على تأكيد انصرافه عن مشاهدة التليفزيون: "أراد أن ينفي أية شبهة.. البرامج الوحيدة التي يهتم بها مباريات الكرة.. ولكن مباريات كأس العالم يشاهدها في الملعب.. شاهدت مباراة ألمانيا وهولندة في نهائي الكأس.. كانت متعة.. كان كيسنجر وزير خارجية أمريكا يجلس بالقرب مني".

 

 

المباراة التي يشير إليها هي نهائي كأس العالم 1974، وهو ما يتوافق مع المرحلة التاريخية للحوار، ولا شك أن مجاورة كيسنجر مما يستدعي الفخر والمباهاة، أما السفر إلى ألمانيا ومشاهدة المباراة من المكان المميز والأكثر تكلفة في الملعب، فإنها متعة لا يقوى على تحمل نفقاتها إلا أصحاب الملايين.

من المنطقي إذن أن يحظى لاعبو الكرة بالشهرة وذيوع الصيت، وتهتم الصحف بأخبارهم وصورهم. عندما تُنشر صورة الممثلة الناشئة سامية سامي لأول مرة في جريدة "الأيام"، في "الرجل الذي فقد ظله"، تنظر باهتمام إلى الصور الأخرى المنشورة: "صور زملائي المشهورين.. ستالين، وفيشنسكي، وأنور سامي، ومحمد الجندي لاعب الكرة في النادي الأهلي، وأم كلثوم، وشارلي شابلن".

كل "الزملاء" المشهورين تُذكر أسماؤهم بلا تعريف، والوحيد الذي يُشار إلى أنه لاعب كرة في النادي الأهلي هو محمد الجندي!. الآخرون يستمدون شهرتهم الدائمة من انتمائهم إلى عالمي السياسة والفن، أما لاعب الكرة فلا بد من الإشارة إلى هويته، ذلك أن استمرار الشهرة مشكوك فيه بعد الاعتزال وتراجع الأضواء.

في "من أين؟"، تضع الأرستقراطية عايدة عينها على الشاب منير لتتخذه عشيقًا يملأ فراغ حياتها، ومن "مميزات" المرشح للعشق أنها تسمعه وهو يبدي الإعجاب بعبد الجليل حارس مرمى النادي الأهلي، وعندئذ تشعر بالاطمئنان: "حماسه، وطريقته في الكلام، واهتزاز رأسه في غرور، كل ذلك طمأنها إلى أنه لا يفكر كثيرًا بعقله".

الحماس المتطرف في الحديث عن لاعبي الكرة ينم عن ضعف التفكير ومحدودية الوعي، ليس لأن كرة القدم في ذاتها نشاط شائن غير جدير بالاحترام، بل لأنها ينبغي أن تكون عنصرًا من عشرات العناصر التي تشكّل الحياة، والإسراف في متابعتها والحديث عن نجومها مؤشر دال على السطحية ومعانقة المراهقة.

شعبية لاعبي الكرة في مرحلة تاريخية بعينها، مثل محمد الجندي وعبدالجليل، مؤقتة هشة لا يمكن أن تدوم أو تستمر طويلًا، لكن شعبية الكرة لا تعرف الذبول والتراجع، ومن هنا تتحول إلى أداة سياسية مهمة ووسيلة للحفاظ على المصالح الاقتصادية.

كرة القدم في الرجل الذي فقد ظله

في "الرجل الذي فقد ظله"، يكشف فتحي غانم عن الصلة الوثيقة بين الكرة وعالمي السياسة والصحافة. جريدة "الأيام" التي يرأس تحريرها محمد ناجي، ويبدأ فيها يوسف السويفي حياته الصحفية، تخضع لسيطرة المليونير الرأسمالي القوي شهدي باشا، ويتم تسخيرها لخدمة أهدافه ومصالحه الاقتصادية والسياسية.

يقول الرسام الشيوعي شوقي محمود للممثلة الشابة سامية سامي: "الجرنال بتاعنا عبارة عن بوق دعاية لشهدي باشا، كلنا بنشتغل موظفين عنده.. حتى محمد ناجي صاحب الجرنال.. اللي بني الدار شهدي باشا.. اللي اشترى المطابع شهدي باشا.. محمد ناجي عميل عنده.. خدام..".

من المنطقي أن يبدي محمد ناجي اهتمامًا غير عادي بأخبار شهدي باشا، ويراجع صوره المنشورة حرصا على الوقار والسمعة الطيبة: "وكان يسمح أحيانًا بنشر صور الباشا مع حصانه الفائز في السباق أو وهو يتفرج على مباراة لكرة القدم في نادي الرياضة الذي يرأسه. لأن هذه الصور شعبية، وتقرب الباشا من قلوب الفقراء".

تحمل شخصية شهدي كثيرًا من ملامح المليونير المصري الشهير أحمد باشا عبود، رئيس مجلس إدارة النادي الأهلي بين عامي 1946 و1961، وتتخذ الجريدة موقفًا منحازًا للنادي الذي ينتمي إليه شهدي ويرأس مجلس إدارته، ووفقًا لما يقوله يوسف: "حتى أخبار كرة القدم. كنا نشجع نادي الرياضة لنرضي الباشا، فإذا فاز النادي نشرنا نبأ الفوز بعناوين بارزة في الصفحة الأولى. وإذا أُصيب النادي بالهزيمة دفنا الخبر في الصفحة السابعة".

كرة القدم، بشعبيتها الطاغية، أداة مفيدة لخدمة الأهداف والمصالح السياسية والاقتصادية للباشا، وتجمّل صورته في عيون الفقراء. الصحيفة التي يتحكم في سياستها التحريرية، تسهم في الدفاع عن مصالحه بكل السبل، ولا تنجو كرة القدم من الاستثمار الدعائي الذي قد يغيب مغزاه عن الأغلب الأعم من القراء العاديين محدودي الوعي للصحيفة الشهيرة المؤشرة في تشكيل الرأي العام.

بعد ثورة 23 يوليو وسقوط العهد الملكي الموصوف عادة بـ "البائد"، حيث يتربع شهدي وأمثاله على القمة، تزداد شعبية كرة القدم ويتضاعف الاهتمام الصحفي بها مع هيمنة الفراغ السياسي وإلغاء الأحزاب.

في "زينب والعرش"، تتجلى مهارة حسن زيدان الصحفية منذ بداية التحاقه بالعمل في صحيفة "العهد الجديد"، فهو يتلقى أخبار الجرائم وفضائح المجتمع والرياضة ويعيد صياغتها في صورة لائقة للنشر. 

لا يهتم حسن على الصعيد الشخصي بالكرة وغيرها من الألعاب الرياضية، لكنه مهني محترف لا فارق عنده بين الجريمة والفضيحة والرياضة، وعندما يرتقي ويصعد ويتولى منصبًا قياديًا في الجريدة، يوجه المحررين إلى الاهتمام بعملهم والتركيز عليه دون انشغال بالصراعات المحتدمة بين القطبين المتنافرين عبدالهادي النجار وأحمد عبدالسلام دياب. العمل الصحي اليومي لا ينبغي أن يتأثر بالصراع بينهما حول سياسة التحرير وقيمها الأخلاقية: "هذا الكلام ليس معناه انقلاب في الصحيفة.. اذهب وقم بنفس ما كنت تقوم به.. إن أخبار الأهلي والزمالك.. لا صله لها بموضوع الدين"!.

أخبار الناديين الكبيرين من الثوابت التي لا يمكن أن يطولها التغيير، والصراع بين القيادات المتنافرة في الجريدة لن يطول القسم الرياضي الذي لا يمكن أن يكون ثوريًا أو رجعيًا، أخلاقيًا أو منحرفًا.

ليس أدل على أهمية الكرة من استخدام مفردات قاموسها اللغوي في الحديث عن المعركة بين عبدالهادي ودياب: "كان هناك آخرون يتابعون ما يجري في فضول، وكأنهم يشاهدون مباراة كرة قدم مثيرة بين فريقين أجنبيين لا صالح لهم إلا في انتصار الأكثر مهارة وتفوقًا، ولكنهم عاجزون تمامًا حتى هذه اللحظة التي تمر بهم على أن يحددوا من هو الأفضل".

الانحياز وارد وضروري في المباريات المحلية، لكن الصراع الفوقي في المؤسسة الصحفية يشبه المباريات المثيرة بين الفرق الأجنبية التي لا ينتمي إليها واحد من المشجعين أو المحررين، وغاية ما يمكنهم القيام به هو المتابعة المحايدة الأقرب في جوهرها إلى اللامبالاة!.

**

الضابط "الثوري" أحمد عبدالسلام دياب، المعبر عن نظام يوليو وتوجهاته الملتبسة المرتبكة، ذو علاقة تاريخية مع كرة القدم، وفي هذه العلاقة ما يكشف عن مفاتيح شخصيته، ويشير أيضًا إلى ماهية وآليات النظام الذي يمثله: "من بين المعلومات التي يرددها بعض زملاء دياب الذين عرفوه في الثانوي أو في الكلية الحربية، أنه كان رياضيًا، وكان ظهيرًا لفريق الكرة. وروى سعد الدين كرامي المدير العام بوزارة الموين في سهراته ببيت نور الدين، ما يعرفه عن دياب أيام زمالتهما في الخديوية. ومن بين القصص التي رواها.. أن فريق كرة القدم في مدرسة الخديوية.. دخل المباراة النهائية على الكأس ضد السعيدية فانهزم وجاء دياب إلى المدرسة في اليوم التالي، وقال مفاخرًا إنه انتقم لشرف فريقه بأن كسر ساق حودة لاعب السعيدية بعد أن سجل هدف الفوز. وعلق كرامي على القصة التي رواها، بأن هذا هو ما نحن فالحون فيه، فليس المهم أن نسجل أهدافًا وننتصر، إنما يكفينا أن نرتكب الفاولات، ونتباهى في هزيمتنا باننا كسرنا ساق لاعب ممتاز مثل حودة.. الذي كان من الممكن أن يكون بطلًا من أبطال كرة القدم في العالم. فاضطر إلى اعتزال اللعب بعد أن تهشمت ساقه بفضل عبقرية الأخ دياب وغيرته على شرف فريقه.. وهذه القصة بالذات استغلها عبدالهادي أوسع استغلال.. عندما أشاع أن دياب أشبه بالدبة التي تقتل صاحبها.. محذرًا من عواقب التعامل مع رجل مثله".

التنافس الشريف في مباريات الكرة لا يعني العداء والكراهية، ورد الفعل على الهزيمة لا يمكن أن يكون على هذا النحو الانتقامي الذي يقوم به دياب، فهو ينهي مسيرة اللاعب الموهوب "المتهم" بتسجيل هدف الفوز. الفارق كبير بين الحماس والتهور تحت مظلة الانتماء والدفاع عن الشرف، فالهزيمة في كرة القدم لا تشين أو تسيء. هكذا يخوض دياب معركته مع عبدالهادي، فلا غرابة أن تلاحقه الهزائم، ذلك أنه بلا مهارة حقيقية، وسلوكه الأرعن يسيء إلى الثورة التي ينتسب إليها وتعتمد على أمثاله من محدودي الوعي.

الهزيمة تطول الوطن والنظام في يونيه 1967، ولا يتورع عبدالهادي عن التفاعل معها بطريقته التي تبرهن على أن كرة القدم أداة يتم استثمارها بعيدًا عن ساحة الرياضة. يشارك الصحفي الكبير في الاجتماعات السياسية التي تطالب بالصمود واستمرار المعركة: "فيخرج من هذه الاجتماعات ليناقش مع حسن أهمية نشر قصص الهيبيز ومغامرات جاكلين كيندي والإفاضة في التعليق على مباريات كرة القدم".

وكم من الجرائم التي تُرتكب باسم كرة القدم!.

 

تابع مواقعنا