بعمولات تصل لربع مليون جنيه.. "القاهرة 24" يخوض تجربة سماسرة الكليات الخاصة
دخلت إحدى أقارب انتصار مصطفى إلى جروب الجامعات الخاصة والأهلية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، إذ ربما يروي ظمؤها وتنجح في إدخال ابنتها كلية العلاج الطبيعي التي حلمت بها؛ لكن لم يحالفها الحظ في الحصول على مجموع يؤهلها للالتحاق بها في إحدى الجامعات الحكومية.
قررت الأم أن تتجه بابنتها إلى جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، ورأت أن تلجأ لأحد السماسرة لأن تنسيق الفتاة لا يسمح بدخولها، وفق التنسيق الداخلي للجامعة.
لم تجد ولي الأمر طريقًا تسلكه لتحقق رغبة ابنتها إلا التعامل مع سماسرة التنسيق، دخلت الجروب واستكشفته، تحذيرات من التعامل مع السماسرة هنا، وعروض مغرية تسيل لعاب أولياء الأمور الطامحين في مستقبل مشرق لأبنائهم وبناتهم هناك، أولياء أمور تحكي تجاربهم مع النصب، ومكاتب خدمات تتصارع فيما بينها لخطف أكبر عدد من الأسر وتحقيق أعلى ربح مادي.
رنّ الهاتف المحمول بعد لحظات من كتابة منشور على الصفحة لطلب المساعدة في دخول الابنة لكلية العلاج الطبيعي جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، "نقرة ماسنجر" ثم كتب سمسار "هدخل البنت علاج طبيعي بسهولة والعمولة 25 ألف جنيه، ومش هاخد العمولة إلا بعد لما هي تستلم كارنيه الكلية وإيصال دفع المصاريف وتكون مقيدة بها"، وذلك حسبما شرحت الأم لـ "القاهرة 24".
انتظم التواصل بين الأسرة والسمسار فترة طويلة، شهدت إرسال واستقبال الأوراق في صيغة PDF، وحددا معًا مكان الدفع وهو "الكلية"، ذهب والد الفتاة ووالدتها إلى الحرم الجامعي.
هناك قابلهم السمسار وأخبرهم بأنه يعمل موظفًا بالجامعة، وسوف يذهب لمكتبه حتى يحضر إيصال الدفع وموافقة الكلية، وأخذ مبلغ 39 ألف جنيه وصعد السلم، انتظروه لنصف ساعة، ثم اكتشفوا اختفاءه من الجامعة بأكملها.
لم تكن إحدى أقارب انتصار وحدها من تعرّضت لهذا النصب؛ فتقول "طيبة"، ولي أمر، إنها تعاملت مع سماسرة الدخول للكليات الخاصة، والبداية كانت في "جروبات" الجامعات الأهلية والخاصة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، فقد ظهرت لها العديد من العروض التي ترتكز على حجة "صعوبة اختبارات القبول للجامعات الخاصة".
وتسرد "طيبة" لـ "القاهرة 24" أنها تلَّقت عرضًا من مكتب خدمات يُمَنِيهَا بأنه سيساعد ابنتها في اجتياز اختبار القبول للجامعة، وطلب منها تحويل مبلغ قيمته 2000 جنيه لحسابه الخاص عبر "فودافون كاش"، مقابل أن يرسل لها الامتحان محلولًا، وبعدما أرسلت المبلغ لم تتلقَ أي اتصال منه، موضحة: "في ناس عرضت عليا أحوّلها رصيد مقابل تحل الامتحان لبنتي لما يجي، وكل ده كان نصب".
أما عن سلوى محمد، ولي أمر، فتوضح العناوين العريضة التي حفظتها عن ظهر قلب من السماسرة، حيث عبارات مثل "أنا هضمنلك الحد الأدنى"،"التعامل واتس آب فقط"، "مش هناخد ولا مليم غير لما تقبلي وتدخلي وتقدمي في الكلية".
وتؤكد سلوى لـ "القاهرة 24" أن لكل عام ظروفه في التسكين للكليات، وما يعتمد عليه السماسرة فكرة أن الطالب يقدم الورق للجامعة وإذا قُبِلَ فيها، فإنه يأخذ نسبته وعمولته التي تصل كحد أدنى لـ100 ألف جنيه، وإن لم يُقبل في الجامعة، فالسمسار يخبر الطالب بعدم قبوله، وفشله في محاولة تسكينه بالكلية، وفي الحالتين ليس للسمسار دور غير أنه "يصطاد في الماء العكر".
وتوضح: "الجامعة لا تعلن تنسيقها الداخلي بالنسبة للشهادات الأجنبية والعربية، والتنسيق المعلن عنه بشكل رسمي من المجلس الأعلى للجامعات 95% للطب البشري، أما الكليات فهي قائمة على نظام الرشاوى، حيث يسكنون الطلاب ذوي المجاميع المرتفعة والباقي يتم تسكينه وفق الواسطة أو الرشوة، نحو 90% من السماسرة نصابون و10% صادقون، حيث يعتمدون على الوسائط والرشاوى".
استنادًا على تجارب أولياء الأمور، قرر "القاهرة 24" خوض تجربة التعامل مع "سماسرة" الكليات الخاصة، لرصد الآلية وأسعار العمولة وجميع التفاصيل، وبالدخول إلى (جروبات) الكليات الخاصة والأهلية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، كان من اليسير التعرف عليهم، حيث إنهم يعلقون على المنشورات التي تتضمن استفسار ولي أمر عن دخول كلية "قمة" خاصة، ولكن الابن أو الابنة حصلا على الحد الأدنى للتنسيق الذي حدده المجلس الأعلى للجامعات.
بالتواصل مع محمد صلاح، سمسار دخول كليات خاصة، أوضح أنه سيحصل على عمولة مقدارها 240 ألف جنيه لدخول شهادة معادلة سعودية 97% لكلية الطب البشري بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، وسيقوم بتوثيق الشهادة بمبلغ 1500 جنيه.
وأكد السمسار، محاولًا إدخال الطمأنينة على المحررة نفسها، أنه ساهم في تسكين طالبة بكلية طب الأسنان منذ أسبوع بعمولة تصل لمبلغ 200 ألف جنيه غير مصروفات الجامعة، مبينًا “التنسيق الداخلي للجامعة أنا فاهمه وعارف بعمل ايه، قريبتك هتدخل نقابة الأطباء عادي، مش هتدفعي حاجة غير لما تتأكدي إنك داخل الجامعة، هكون معاكي خطوة بخطوة، اليوم دخلت شهادة سعودي 96% بشري "ماست"، وأخدت إيصال رسمي استلمته من الجامعة، وبترجعي لشئون الطلبة تتأكدي بالكود إن الطالبة بقت خلاص داخل الجامعة".
وحينما أخبرته المحررة أنها تعاملت مع سمسار آخر سيدخلها جامعة 6 أكتوبر بعمولة أقل، أوضح أنه إذا قدمت بجامعة أكتوبر سوف ترسل الجامعة طلب القبول عبر البريد الإلكتروني الخاص بها، ثم الذهاب لتسديد مصروفات الترم الأول، مضيفًا "نصيحة مني اتأكدي إن رسالة القبول اللي هتستلميها غير وهمية".
أمَّا عن مكتب النور للخدمات الطلابية، فقد تواصلت معه المحررة على تطبيق "واتس آب" لتنضم لجروب يضم نحو 200 شخص، وكان الجروب مغلقًا على مشرفه فقط، وممنوع التواصل أو الاستفسار إلا بعد إرسال الأوراق الخاصة بالشهادات العربية أو الأجنبية لمشرف الجروب "خاص"، وغير ذلك لن يتم التواصل معك وستُقابل بالرفض إذا طلبت مقابلتهم على أرض الواقع.
وبمراسلة أحمد عاطف، سمسار آخر، ذكر أنه وسيط لدكتور بجامعة 6 أكتوبر يدعى "م. ب" يوفر مقاعد للطلاب بالكليات المختلفة لجامعة 6 أكتوبر وغيرها من الكليات الخاصة.
وأشار السمسار إلى أن الدكتور لديه ملفات أخرى عديدة يُسكِّنها بالكليات المختلفة، ويعاونه في ذلك، مقابل أن يعطيه نسبة من العمولة، وردد قائلًا: "أنا بقالي 5 سنين في الموضوع ده، أنت هتدفعي مصاريف الكلية قبل ما تدفعي فلوس العمولة، هو هيجيبلك إذن القبول ولازم تطمني".
بالتواصل مع دكتور "م. ب" أكد أنه من الصعب دخول كلية الطب البشري لجامعتي مصر للعلوم والتكنولوجيا و6 أكتوبر حاليًا، كان ذلك سهلًا قبل عيد الأضحى، أما الآن مستحيل أن يستطيع أحد إدخالك.
وأردف "أي سمسار آخر سوف يعطل المحررة ويأخذ الأوراق كاحتكار حتى لا تسجل في أي جامعة خاصة أو أهلية أخرى؛ وذلك لأن الجامعات الخاصة والأهلية أخذوا نسبة 7% التي حددتها الوزارة من الشهادات الأجنبية والعربية بالفعل، ومن يقول غير ذلك كاذبًا".
وأضاف: "ادفعي عادي لأي جامعة ولو في فرصة تدخلي أي مكان هحاول أدخلك، بس لازم تكوني ضمنتي تسجيل في أي جامعة وتحولي للجامعة المرغوبة بعد عام، النسبة 7% التي حددتها الوزارة تتطلب على سبيل المثال 32 طالبا وطالبة ثانوية عربية أو أجنبية بجامعة 6 أكتوبر، وبسبب ذلك تحدث مشكلات بين الجامعات والوزارة، فالجامعات تقبل أعدادا زيادة وتأخد طالبا زيادة أو اتنين أو تلاتة وتضع الوزارة أمام الأمر الواقع".
وأكد الدكتور أنه سكّن مقعدًا حاصلًا على نسبة 97% بكلية الطب البشري بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا منذ أسبوع، وقد دفع عمولة قيمتها ربع مليون جنيه، مشيرًا إلى أنه "سيأخذ عمولة قدرها 180 ألف جنيه من المحررة، إذا وُجد مقاعد بجامعتي 6 أكتوبر أو مصر للعلوم والتكنولوجيا".
وأوضح: "السمسار بيلعبها لعبة حظ، من واحد لواحد لواحد داخل الجامعة، وكل واحد ياخد نحو 30 ألف جنيه، لذلك بيعشموا الناس كتير، في محاولة هعملها عشان أسكنك في جامعة أكتوبر أو (ماست) وهبلغك الرد النهائي قريبًا، وتقدري تقدمي في جامعات خاصة تانية عشان تلحقي التقديم، ولا تعطي الورق لأحد".
وبعرض تلك المعايشة على الدكتور محمد حلمي الغر، أمين المجلس الأعلى للجامعات الخاصة، أكد أن تلك الممارسات ممنوعة تمامًا، وعلى الفور يتم الضبط لمن يقومون بتلك الأعمال ويُحوَّلون للتحقيق.
وأضاف لـ "القاهرة 24" أنه لا توجد إحصاءات رسمية أو تلقي أي شكوى بخصوص ذلك الأمر من قبل، ولا يمتلك أي دكتور أن يسهل هذه الإجراءات ويسكّن مقاعد بالكلية، فهناك إدارة تعمل على ذلك ولا دخل لأي دكتور في أعمالها، وهذا كله كذب ونصب.