صابر الجنزوري يكتب: نمو الحدث والشخصية في رواية "نقوش على جسد ناعم"
من خلال الراوي غير المشارك فى الأحداث أو الراوي الشاهد على الأحداث بدأت الكاتبة مرفت البربري سرد أحداث روايتها روايتها "نقوش على جسد ناعم" من خلال بطلتها "سهر"، تلك الإنسانة التي عاشت لا تختار لنفسها شيئا، حتى مطالبها يختار لها أبوها أو أمها، دائما تقول لهم.. كما تحبون.. كما تريدون.
حبها الأول لزميلها وليد.. هو ذلك الحب الذى حرك كل أحداث الرواية من خلال عقلها الباطن الذي عاش الحب الأول فيه كامنا فى اللاشعور عندها.. وعندما صدمها وليد حبيبها وأخبرها أنه سوف يتزوج بغيرها ابنة عمه لم تقاوم وقالت ايضا كما تحب وكما تريد!
نما شعور الإحباط والخذلان فى اللاوعي دون ان تدري ان الإحباطات تتراكم فى اللاشعور حتى تتحرك وتنفجر فى لحظة كالبركان!
دخل فى حياة سهر سامى زميلها فى العمل الذى أعجب بجمالها الهادئ وتقدم لها ووافقت ايضا بعد موافقة أباها دون مقاومة..
تتصاعد الأحداث ولم يحقق لها سامى السعادة التى وعدها بها رغم انجابها ولد وبنت أصبحا كل حياتها..
لكن خذلان سامى والضغوط التى تلقتها من أهله ومنه عليها وتراكم الإحباطات والخذلان..جعل البركان ينفجر ويخرج من اللاشعور إلى الشعور والعالم الحسي فتقع فريسة للمرض النفسي الذي يقترب من الفصام.. وتبدأ رحلة العلاج.. وفى المصحة تستعرض الكاتبة فى اسلوب مشوق.. رؤية سهر لوليد وشعورها أنه كان يظل جوارها ويعطيها الحقن والدواء، وتخبر ذلك صديقتها منى التي لا تصدقها وتظن أن ذلك من قبيل الخيال والتفكير فى وليد حبيبها الأول!
لكن تكون المفاجأة بظهور وليد الحقيقي وهو الطبيب المعالج لها..والتى كانت تسمع اسمه وهى تحت تأثير الغيبوبة فكانت تظنه وليد الحبيب الأول.
تنمو قصة الحب فى قلب الطبيب وليد لسهر وترى فيه ايضا صورة الحب الأول حتى الشبه فى الشكل.. ويظهر صراع من نوع اخر خيانات سامى لسهر مع زميلة العمل وزواجه العرفي منها...وخيانات مدحت زوج منى لها مع اختها وابتزازه لاختها..حتى اخذت منى قرار الطلاق.. وينمو الحب شيئا فشيئا بين وليد الطبيب وسهر والذى يصغرها فى العمر ويساعدها فى اكتشاف نفسها من خلال حبها للرسم ويجمع لوحاتها وينظم لها معرضا للرسم فى نفس توقيت شفاءها وتوقيت انفصالها الذى كان بمثابة القرار الأول فى حياتها واستعادتها لهويتها والعثور على نفسها من جديد لتنتهى الرواية وتترك قصة الحب بين سهر ووليد مفتوحة فى نهاية وقفلة مشوقة.
جاء الحوار في الرواية سلسلا وميزه الجمل القصيرة على لسان أبطال الرواية مما جعل لغة الرواية بسيطة دون تعقيد ودون استخدام الفاظ غريبة أو معقدة. ويلاحظ القارىء استخدام الحوار الداخلى الذى يدور باعماق ونفس سهر ومن خلاله توصل الكاتبة افكارها للقارىء.
ثم الحوار الذى يأتى بين أبطال النص وقد احسنت الكاتبة فى عمل جمل قصيرة مختصرة بين سهر ومنى وبين سهر وسامى وبين منى ومدحت وبين سهر ووليد الحبيب الأول ووليد الطبيب والحبيب الجديد الذى غير لها صورة الحياة وساعدها فى العثور على نفسها.
وعن بعض الملاحظات التى آخذها على الرواية:-
هى الروابط التى أرى أن الكاتبة اقحمتها على الرواية وهى الأقوال المأثورة فى بداية كل فصل والتى اخذتها من كتابات الصوفى جلال الدين الرومى.. ربما لأني أرى ان الرواية تنتمى للجانب الفسيولوجي المرتبط بطابع رومانسي وأراها بعيدة عن التصوف وهذا العالم، ولو كان لا بد من استخدام أقوال مأثورة لكان من الادب العالمى أو علم النفس افضل لكن ربما يكون للكاتبة رأى أخر تريد توصيله.
الرواية اخيرا وليس آخرا عبرت إلى حد ما عن أدب المراة ومعاناتها فى الحياة وصراعها بين العاطفة والزواج والتقاليد وربما تكون تلك الصراعات والمعاناة التى قد تصل إلى حالة الفصام هى تلك النقوش على جسد المرأة الناعم.
أجادت الكاتبة فى ذلك وأخرجته فى شكل محافظ دون اللجوء إلى الإثارة الحسية وإثارة الغرائز.
من أجمل ما جاء فى الرواية كلمات يجب ان نتوقف عندها والتى عبرت عن فكرة الرواية، تقول:-
من الصعب أن تحب شخصا بجنون وأنت تعلم جيدا أنك لن تكون له ذات يوم والأصعب من ذلك أن تستمر فى هذا الحب وتتجاهل كل الحواجز التى تمنعك من مجرد التقرب إليه، فتتعلق به يوما بعد يوم دون أن تشعر.