«قُرني قُميحة».. عامل أعاد 400 ألف جنيه لصاحبها.. وبرّأ سيدة اتُهمت بسرقتها: «رفضت أدخل بيتي قرش حرام»| صور وفيديو
عندما تَدقُ الساعة الخامسة من صباح كُل يوم، يستيقظ قُرني علي قُميحة، يتناول كوبًا من الشاي، ثم يخرج للبحث عن لُقمة العيش، كعادته مُنذ 16 عامًا، يحمل شكارة بيضاء على كتفه، ويسير على قدميه بدءًا من قريته حتى القرى والنجوع النائية بالفيوم، ليبحث عن «الكانزات الفارغة»، ويجمعها ثم يبيعها لتكون مدخل رزقه الوحيد ليعوّل أسرته المكونة من 4 أشخاص، بعد أنِّ رحل منها نجله العشريني الأكبر في حادث سير الشهر الماضي تاركًا لهم وجعًا كبيرًا.
الابتسامة لا تفارقه، يسير على قدميه صباحًا وليلًا ويقطع مسافات هائلة حتى تشققت قدماه، للبحث عن لُقمة العيش، وجهُّ الأسمر وتجاعيده المُبكرة، تدل على شقاء دام سنوات طوال، للبحث عن الجنيه الحلال، حقًا هكذا تكون الشمس هلّت بالأمل على الشقيانين، يسعد صباحكم كُلكم يا شغالين.
قُرني علي قُميحة، 49 عامًا، من قرية سنهور القبلية التابعة لمركز سنورس بمحافظة الفيوم، خرج من منزله مثل أي يوم للبحث عن لُقمة العيش المتمثلة في جمع «الكانزات الفارغة»، أثناء النبش عنها في أكوام القمامة على كوبري قرية سنهور فوجد شنطتين بلاستيك بأحجام ضخمة، اندهش وقرر فتحهما فوجد مبلغا مالي ضخم، بقيمة 400 ألف جنيه، فقرر فورًا أنِّ يُخبئ هذا المبلغ في الشكارة حفاظًا على الأمانة، وعاد إلى منزلة دون أنِّ يستكمل عمله، وحكى ما شاهده لنجله كريم والذي كان رأيه من رأي والده تسليم المبلغ لقسم شرطة سنهورالقبلية.
وبالفعل ذهب كريم، إلى قسم الشرطة فوجد شخصًا في حالة يرثى لها، فعلم أنه صاحب المبلغ المفقود، ومن هُنا، كان قُرني ونجله طوق نجاة لصاحب المبلغ وأيضًا لتحرير وتبرئة سيدة كبيرة السنّ اتهمها صاحب المبلغ المفقود، أنها عَثرت على المبلغ وسرقته.
«القاهرة 24».. التقى أسرة قُرني علي قميحة، عبر الهواء مُباشرةً:-
روى قُرني علي قميحة، لـ «القاهرة 24»، تفاصيل ما شاهده، قائلًا: «خرجت من البيت كعادتي كُل يوم لفرز الكانزات من أكوام القمامة، فوجدت شنطتين بلاستيك باللون الأسود، وبأحجام ضخمة، فتحت الأكياس على الكوبري، وهو المكان الذي كنت أبحث فيه عن الكانزات، وجدت مبلغا كبيرا، جمعتهما في الشكارة خوفًا عليهما وعدت إلى المنزل فورًا، وسلمتهما لابني كريم، وأرشدته بسرعة تسليم المبلغ لقسم الشرطة، وبالفعل سلّم الأمانة لقسم شرطة سنهور القبلية، لأني لا أقبل القرش الحرام ولا أقبل دخوله بيتي، وبلغته إنه بالحلال ستأخد نسبة ورزقك على اللّه».
وأضاف قُرني، ابني صُدم من منظر المبلغ، وسألني جبتها منين، فحكيت له ما حدث بالتفاصيل، أول ما عَثرت على الفلوس، قررت ضرورة البحث عن صاحبها، أو أسلمها للشرطة فورًا، ولم يخطر في عقلي بديلًا ثالثًا، «بحب الجنيه بتاعي واللي أتعب وأعرق عشان أجيبه».
واستكمل العم قُرني حديثه الذي ما زال يرويه دون ملل،:«يوميًا بمشي على رجلي من الساعة 6 صباحًا لمدة ساعتين حتى نهاية الفيوم، عشان أجمع الكانزات، ثم أعود راكب عشان بكون شايل شكاير، ثم أكمل شغل في القرية ونواحيها حتى صلاة العشاء».
وأوضح، قُميحة، أنه يعمل في جمع الكانزات الفارغة مُنذ 16 سنة، مطالبًا بمعاش تكافل وكرامة، حتى يستطيع علاج أولاده، «عاوز ارتاح رجلي وجعتني من المشي»،
وعن بداية عمل قُميحة، أكد أنه كان يعمل في تعبئة جراكن الزيوت في محلات بالفيوم، ثم تركها وقرر أن يجمع الكانزات، كعمل حُر، «الكيلو بـ 15جنيه، وبجمعها وأبيعها لشخص ممكن أعمل بـ 60 جنيه في اليوم وراضي بيها، لكن محتاج المعاش عشان أعالج ولادي».
وقال كريم قُرني قميحة، 18 عامًا، نجل عم قُرني، والوجه الثاني من مشهد تسليم الأمانة، قرر كريم أنَّ يكتفى بالمرحلة الإعدادية من التعليم، ثم تركه وذهب للعمل ليصرّف على أسرته ويعوّل نفسه.
وروى كريم، ما حدث أثناء ذهابه لتسليم الأمانة التي عَثر عليها والده أثناء عمله،:«استلمت المبلغ من والدي وذهبت إلى قسم شرطة سنهور القبلية، وسملتها للأمين عويس، وهو الذي أوصلها لرئيس المباحث، وقد وجدت بالصدفة صاحب المبلغ في المركز، يُحرر محضرا بسرقة الفلوس، واتهامه لسيدة كبيرة في السن أنها عَثرت على المبلغ، وكان في حالة انهيار شديد، ثم تنازل عن عمل محضر للسيدة وخرجت بالفعل، بعد تسليمي الأمانة حتى تأكد أنها ليس لها أي ذنب فيما حدث.
وعبرَ كريم عما شاهده داخل القسم أثناء تسليمه الأمانة، «الراجل كان بيلطم ويخبط رأسه في الحيط، سعيد جدًا أني سلمت الأمانة لصاحبها».
وأضاف كريم، «أنا لا أعمل، وكان عندي أمل الحصول على نسبة 10٪، بعد تسليمي للأمانة، محتاج لتروسيكل أعمل عليه، وأتكفل مصاريف نفسي، وأساعد أسرتي، لدي إصابة في يدي وقدمي، ولكن أستطيع قيادة التروسيكلات».
هذه الأسرة البسيطة، تعيش وتتعايش ظروف سيئة مادية ونفسية، فقد فقدت نجلها الأكبر، عبد الرحمن، 20 عامًا، والذي توفي في حادث سير على الطريق، حيث صدمته سيارة وفر قائدها هاربًا في 11 يوليو الماضي، ويُعاني الإبن الأصغر من نقص في المخ ومشكلة في اللسان، وأيضًا يُعاني الإبن الأوسط من مشكلة حركية في الجانب الأيمن، وعلى الرغم من هذه الظروف التي تحوطهم إلا أنَّ مُربي الأسرة رفض أنَّ يدخل بيته قرشا حراما بعد أنَّ عَثر على 400 ألف جنيه.
وقالت زوجة العم قُرني، هناء حسن، إنَّ عبد الرحمن، وهو الإبن الأكبر كان الإبن السليم في أخوته، خرج من التعليم من الصف السادس الابتدائي، وقرر العمل في جمع الكانزات الفارغة، وأحيانًا في أحد الأفران، لمساعدة البيت، فقرر الذهاب إلى مركز سنورس، الساعة الثامنة مساءً في 11 من يوليو.
ثم علمنا أنَّ صورته متداولة على الفيسبوك وهو غارق في دمائه، فذهبنا إلى مستشفى سنورس المركزي، حتى استلمنا الجثة، واكتشفنا أنه توفي، إثر حادث سير، حيث صدمته سيارة نصف نقل حمراء اللون، كانت محملة بصناديق، وفرَّ قائدها هاربًا،«موقفش حتى يوديه المستشفى حسبي الله ونعم الوكيل».
وحمله مجموعة من الشباب إلى مستشفى سنورس، ولكنه توفي على إثر ذلك، وذهبنا إلى قسم الشرطة وحررنا محضرا، وما زالنا في انتظار حقه.
وتابعت الزوجة، الحادث كان ليلًا، وكاميرت المراقبة لم ترصد رقم السيارة، لأن الطريق كان مُعتم، عند كشك المرور بسنورس، «مكنتش متوقعه أنه مات لأنه متعود يخرج يشتغل في الوقت ده ويرجع».
واستكملت السيدة حديثها، كريم يُعاني من عجز في الجانب الأيمن، قدمه ويده، وبلال الأصغر يُعاني من نقص في المخ وعجز في اليد، لا يتحدث رغم سنه 12 سنة، قدمت له على عملية تسليك لسان في مستشفى الجامعة، مُنذ عامين، ومازالنا منتظرين، حتى الآن لم يتم الرد علينا.
وتابعت، بلال وهو صغير، أجرينا له عملية، ولكن لم تاتي بفائدة ومن حينها نلف على الأطباء، حتى أخبرونا بضرورة إجراء عملية تسليك لسان من داخل، وأجرينا له جميع التحليلات والأشعة، «قالوا لي روحي وهنكلمك ومتكلموش حتى الآن، مش عاوزة حاجة غير عملية لابني بلال، وتروسيكل لكريم يشتغل عليه وراضين بقليله ولا نقبل الحرام».
وعن موقف إعادة مبلغ 400 ألف جنيه، قالت الزوجة:«سعيدة بموقف ابني وزوجي برفضهم للقرش الحرام، رغم إنه طلع من البيت دون جنيه ده عندي بالدنيا كلها، وابني أول ما عرف قال هنسلم الفلوس».
فيما ناشد أحمد رشوان، أحد الجيران، الرئيس عبد الفتاح السيسي، بمساعدة وتكريم عم قُرني، قائلًا:«عم قُرنب مثال مُشرف لأهل البلد، أيقظ فينا الشهامة، موقف نبيل رغم ظروفه، كلنا ولادك ياريس نناشدك كشباب البلد لأنه صاحب موقف نبيل، وأصبح مثالًا لقرية سنهور رغم ظروفه، نناشد بتوفير تروسيكل لنجله كريم، ومشروع ياكل منه عيش، عم قُرني يقطع 60 كيلووذهابًا إيابًا يوميًا على قدميه من أجل البحث عن لُقمة العيش».