علي جمعة: تعدد الزوجات لم يرد في القرآن الكريم بمعزل عن أسبابه
قال الأستاذ الدكتور علي جمعة، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، والمفتي السابق للديار المصرية: من المسائل الشائكة المتعلقة بمكانة المرأة في حضارة الإسلام، مسألة تعدد الزوجات.
أوضح جمعة، خلال منشور له على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، أن قضية تعدد الزوجات يدور حولها الكثير من الفهم الخاطئ أو الادعاءات المضلة، التي تتنافى تمامًا مع الحقيقة الشرعية للقضية.
أضاف جمعة: من باب تصحيح المفاهيم وإرساء الحقائق يجب علينا أن نعلم أن الإسلام جاء بالحد من تعدد الزوجات، ولم يأت بالدعوة أصالة إلى تعدد الزوجات كما يظن غير المتخصصين.
واستدل مفتي الديار المصرية السابق على قوله ذلك بما ورد عن سالم، عن أبيه؛ أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي، صلى الله عليه وسلم: «اختر منهن أربعًا».
وبيّن عضو هيئة كبار العلماء أن الحديث يُظهر أن الإسلام نصّ على الحدّ من كثرة عدد الزوجات، بينما لم يرد أمر لمن تزوج واحدة بأن يتزوج أخرى، معللًا بأن تعدد الزوجات ليس مقصودًا لذاته، وإنما يكون تزوج الرجل مرة أخرى لأسباب ومصالح عامة.
أشار رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشيوخ إلى أن تعدد الزوجات لم يرد في القرآن الكريم بمعزل عن أسبابه، قال الله عز وجل: «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا».
وأوضح أن الذين فسروا الآية الكريمة، أو درسوها كنظام إنساني اجتماعي، فسروها بمعزل عن السبب الرئيس الذي أُنْزِلتَ لأجله، وهو وجود اليتامى والأرامل، إذ إن التعدد ورد مقرونا باليتامى؛ حيث قاموا بانتزاع قوله تعالى: «فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ» دون القول السابق، الذي صيغ بأسلوب الشرط «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى» وكذلك دون القول اللاحق، والذي يقيد تلك الإباحة بالعدل، حيث قال: «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَة».
وأردف العالم الأزهري أن من يذهب إلى القرآن الكريم لا يجد دعوة مفتوحة صريحة للتعدد دون تلك القيود التي أشرنا إليها، ومن ذهب إلى السنة فسيجد أن الإسلام نهى عن التعدد بأكثر من أربع نساء، وشتان بين أن يكون الإسلام أمر بالتعدد حتى أربع نساء، وأن يكون نهى عن الجمع بين أكثر من أربع نساء.
قال جمعة إنّ نظام تعدّد الزوجات كان شائعًا قبل الإسلام بين العرب، وكذلك بين اليهود والفرس، والتاريخ يحدّثنا عن الملوك والسلاطين بأنّهم كانوا يبنون بيوتًا كبيرة تسع أحيانًا أكثر من ألف شخص، لسكن نسائهم من الجواري، وفي بعض الأحيان يقومون بتقديمهن كهدايا إلى ملوك آخرين، ويأتون بنساء جديدات، والغريب أن الذين يحاربون نظام الإسلام في السماح للرجل بالزواج مرة أخرى في ظروف معينة يعانون من تفكك أسري، وانتشار الفاحشة، وإباحة تعدد الخليلات «العشيقات» بلا عدد ولا حد، فالخليلة لا تتمتع بحقوق الزوجة، إضافة إلى ما يترتب على الأمر من خيانة الزوجة، وإسقاط حقوقها، ناهيك عن عدم الاعتراف بتلك الخليلة وبأولادها. فهي وحدها التي تتحمل ثمن أجرة الإجهاض، أو تعيش غير متزوجة «الأم العازبة»، لترعى طفلها غير الشرعي.
