أحداث 11 سبتمبر 2001.. حينما سببت 90 دقيقة دمارًا مستمرًا للمنطقة العربية | الجزء الأول
يُعدُّ المثل الإنجليزي الذي يقول: Either way، we came out empty-handed والذي يعني باللغة العربية: فِي كُلْتَا الْحَالَتَيْنِ، رَجَعْنَا بِخُفِيِّ حُنَيْنٍ، أبلغَ وصفٍ للعشرين عامًا التي قضتها الولايات المتحدة الأمريكية داخل المنطقة العربية، تاركةً الدول في أزماتٍ لا حصرَ لها على جميع المستويات، ولم تسلمْ أيضًا أمريكا من نيلِ قسطٍ كبير من الخسائرِ المتعددة.
«ساعتان هزتا العالم» كتاب للمؤلف فريد هاليداي في عام 01 نوفمبر 2008 يلخص تداعيات الحادث الذي غيّر المنطقة العربية على جميع الأصعدة اجتماعيًا وسياسيًا وأمنيًا ونفسيًا، وهو حادث 11 سبتمبر 2001 الذي بدّل حال منطقتنا من حالٍ إلى حال.
فريد هاليداي «22 فبراير 1946 - 26 أبريل 2010» الكاتب والأكاديمي الأيرلندي والخبير في العلاقات الدولية والشرق الأوسط خاصة الحرب الباردة، تناول في كتابه القضايا الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية التي واجهت منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، والذي وصفها بالأزمة العالمية على جميع الأصعدة «السياسية والثقافية والأمنية والاقتصادية والنفسية والاجتماعية».
الكاتب والأكاديمي الأيرلندي قال في «ساعتان هزتا العالم»: «بعدما انقشع الغبار عن تدمير مركز التجارة العالمي والبنتاجون في 11 سبتمبر 2001، أُثيرت جملة مسائل حول الهجمات والدوافع وراءها ودلالاتها اللاحقة.. كل شيء تغير منذ سبتمبر؛ ولكن هذا طرح تتساوى صعوبة تنفيذه وصعوبة إثباته؛ فحتى أشد الأحداث كارثية يمكن أن يفضي إلى التهويل».
وبعد مرور عشرين عامًا على هذا الحادث وتزامن الوقت الراهن وإعلان الولايات المتحدة الأمريكية عبر رئيسها الحالي جو بايدن انسحاب قواتها من أفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان على الحُكم التي دخلتها القوات الأمريكية بداعي مواجهة الإرهاب والتطرف؛ من المهم إلقاء الضوء على سياسة أمريكا خلال هذه المدة التي أثّرت بشكل جليّ في المنطقة العربية، وغيّرت أنظمةً حاكمةً، وأسقطت الأقنعة عن أعداء الأمة العربية واتسعَتْ دائرة الإرهاب.
على الرَّغمِ من أنه لا يمكن تقييمُ - بحال من الأحوال - عشرين عامًا من السياسات المتبعة وأيديولوجيات صُنّاع القرار الأمريكي المتنوعة، فإنه تعددت الأسباب والموت واحد أي نتيجة الدمار والهلاك والخراب لمعظم شعوب الدول العربية كانت واحدة بنسبٍ متفاوتة، كما أنَّ هذه الفترة تدفعنا نحو تقييم الحضور الأمريكي داخل المنطقة.
وبناءً على هذه الرؤية، نطلقُ العَنان نحو تسليط الضوء على الأحداث المهمة خلال عشرين عامًا من الحضور الأمريكي بالمنطقة العربية، ومحاولة تقييم سياسة صُنَّاع القرار الأمريكي خلال هذه الفترة، معتمدين على الأبحاث والدراسات التي أجرتها الجامعات والمراكز البحثية الأمريكية (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) لإثبات خسائر أمريكا الفادحة على جميع المستويات بعد عشرين عامًا من أحداث 11 سبتمبر.
ولم ينتهِ الأمر عند حد الاعتماد على الأبحاث والدراسات التي أجرتها الجامعات والمراكز البحثية والصحف الأمريكية لإثبات رؤيتنا؛ ولكن هناك شهود على العصر «مصادر» أدلوا بدلوهم في هذه القضية التي نطرحها عبر «القاهرة 24»، وهذا ما سيُطرح خلال الموضوعات المقبلة المتعلقة بخسائر أمريكا خلال عشرين من الحضور العسكري والسياسي والدبلوماسي بالمنطقة العربية بدءًا من عام 2001 حتى عام 2021.
أحداث 11 سبتمبر 2001
في الساعة 8:46 صباح 11 سبتمبر 2001، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية أمة متغيرة وباتت منطقتنا العربية مُلتهبةً في جميع العواصم العربية، جراء هذه الأحداث التي بدأت بتحلُّق طائرة ركاب - بسرعة مئات الأميال في الساعة وتحمل نحو 10000 جالون من وقود الطائرات - في البرج الشمالي لمركز التجارة العالمي في مانهاتن السفلى، وفي الساعة 9:03، اصطدمت طائرة ركاب ثانية بالبرج الجنوبي، ومن ثم تصاعدت النار والدخان إلى أعلى، وسقط الفولاذ والزجاج والرماد والجثث في الأسفل، وانهار البرجان بعد أقل من 90 دقيقة.
في الساعة 9:37 من صباح اليوم نفسه، اصطدمت طائرة ركاب ثالثة بالوجه الغربي للبنتاجون، وفي الساعة 10:03، تحطمت طائرة رابعة في حقل في جنوب بنسلفانيا كانت تستهدف مبنى الكابيتول بالولايات المتحدة أو البيت الأبيض؛ ونتيجة لذلك توفى أكثر من 2600 شخص في مركز التجارة العالمي، كما توفى 125 شخصًا في البنتاجون، ومات 256 شخصًا على أربع طائرات.
ماذا فعلت أمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001
هذا الحدث غيّر وجه التاريخ لا سيما المنطقة العربية، فبعدها أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية حربًا طويلة الأمد لم تنتهِ حتى الآن بداعي مواجهة الإرهاب الذي تسبب في هذه الخسائر البشرية والمادية، وجاء الرد الأمريكي سريعًا عبر الرئيس الأمريكي حينها جورج دبليو بوش، الذي قاد عملية غزو أفغانستان بدعم من تحالف دولي، للقضاء على تنظيم القاعدة وإلقاء القبض على أسامة بن لادن، العقل المدبر في أحداث 11 سبتمبر.
في الوقت الذي أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش الحرب على أفغانستان للقضاء على تنظيم القاعدة، لم يدرك رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية الذين جاؤوا بعد جورج دبليو بوش أنهم لم يطبقوا المثل الإنجليزي المعروف: Don’t be afraid of losing، be afraid of playing a game and not learning something أي: «لا تخف من الخسارة، بل يجب أن تخاف من لعب لعبة وعدم تعلم شيء ما»، الذي يوحي بأنه يجب أن نتعلم من خسائرنا السابقة.
الخسائر السابقة لأمريكا كانت متعددةً ولم يستفد منها صُنَّاع القرار الأمريكي الذين خاضوا حرب فيتنام لمدة 14 عامًا وخاضوا أيضًا الحرب الأفغانية التي استمرت لمدة 20 عامًا، وهي أطول حرب في تاريخ أمريكا، وخاضوا كذلك حرب العراق لمدة 18 عامًا، وكانت في النهاية النتيجة واحدة وهي الخروج بخسائر كثيرة والأسباب واهيةٌ وهي تارة لوقف انتشار الشيوعية، وتارة أخرى لمكافحة الإرهاب وتارة ثالثة لوجود أسلحة دمار شامل.
الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش حينما قال: «أي دولة تستمر في إيواء أو دعم الإرهاب ستعدها الولايات المتحدة نظامًا معاديًا».. كانت كلماته شرارة بدء الحرب على منطقتنا العربية بعدما تفوّه بها في 20 سبتمبر 2001، خلال خطاب ألقاه أمام جلسةٍ مشتركةٍ للكونجرس الأمريكي، الذي أطلق على هذه العمليةِ عمليةَ «الحرية الدائمة» في السابع من أكتوبر عام 2001.
الحرية الدائمة بدأت بأفغانستان ثم غزو العراق عام 2003 ثم تفككك المنطقة وانغماس الدول العربية في أزماتها الداخلية والخارجية والبينية، كما حدث في ليبيا واليمن وسوريا ولبنان وفلسطين، وعاشت العواصم العربية في اضطراب أمني وسياسي وأزمات اقتصادية خانقة، وهذا ما سنتطرقُ إليه خلال الموضوعات المقبلة.