300 مليون دولار يوميًا لمدة 20 عامًا.. كيف كانت خسائر أمريكا بعد 11 سبتمبر 2001؟ | 3
لا يمكن الجزم بأن العوامل الخارجية وهي التدخل الأمريكي الواضح في شئون الشرق الأوسط السبب الرئيس في أزمات المنطقة آخر 20 عامًا، ولكن العوامل الداخلية والصراعات الحزبية والطائفية والمذهبية والعرقية والدينية لها دور كبير فيما وصلت إليه المنطقة العربية، ولكن من المهم الحديث عن خسائر الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة الماضية على جميع الأصعدة؛ ما يجعلها تُعيد حساباتها مرة أخرى.
في كتابه "الإسلام وخرافة المواجهة.. الدين والسياسة في الشرق الأوسط" للمؤلف فريد هاليداي، يرى أن البحث عن نمط أو سبب مشترك للنزاعات التي عصفت بالشرق الأوسط في العقود الأخيرة أمر عقيم في مجتمعات شديدة الاختلاف وطابعها السياسي ودولها شديدة التنوع بما لا يسمح بأي تفسير ذاتي موحد، كما أن إثارة عامل خارجي مشترك سيكون بدوره مضللًا.
الكاتب والأكاديمي الأيرلندي والخبير في العلاقات الدولية والشرق الأوسط خاصة الحرب الباردة، تحدث في كتابه عن العوامل الداخلية التي جعلت منطقة الشرق الأوسط منطقة تهدد السلم الدولي، حتى أصبحت أكثر المناطق تحولًا على جميع المستويات (تكلفة الحرب من حيث الأرواح البشرية، درجة التعبئة السياسية، سجل التحولات الاقتصادية).
ولكن بعيدًا عن العوامل الداخلية التي كانت سببًا رئيسيًا في إشعال المنطقة لمدة سنوات طويلة وبعيدًا عن العوامل الخارجية منها الأفكار المسيطرة على المستعمرين التقليديين القائمة على الأطماع الاقتصادية في بلاد الشرق الأوسط وصراع النفوذ بين روسيا وأمريكا، فإنه من المهم التطرق إلى الخسائر الاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
8 تريليونات دولار خسائر أمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001
جامعة براون وهي سابع أقدم كلية في الولايات المتحدة الأمريكية، كشفت في تقرير لها مؤخرًا، أنَّ 20 عامًا من الحروب بعد أحداث 11 سبتمبر، كلَّفت الولايات المتحدة ما يقدر بنحو 8 تريليونات دولار، وخلّفت مقتل أكثر من 900 ألف من مناطق الصراع وبينهم بالتأكيد عسكريون أمريكيون.
تقرير جامعة براون ذكر أنه بعد نحو 20 عامًا من غزو أمريكا لأفغانستان، بلغت تكاليف واشنطن في حربها العالمية على الإرهاب 8 تريليونات دولار، وتمثل تقديرات التقرير جميع التكاليف المباشرة لحروب أمريكا بعد 11 سبتمبر، بما في ذلك الآتي:
• تمويل عمليات الطوارئ الخارجية التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية.
• نفقات الحرب والتكاليف المتعلقة بمكافحة الإرهاب بما في ذلك الزيادات المرتبطة بالحرب في الميزانية الأساسية للبنتاجون.
• رعاية قدامى المحاربين حتى الآن وفي المستقبل.
• إنفاق وزارة الأمن الداخلي.
• يشمل أيضًا مجموع الأموال التي طلبتها إدارة الرئيس الأمريكي الحالي بايدن في مايو 2021.
وبشأن الخسائر البشرية، فإن عدد قتلى الحروب الأمريكية تراوح بين 897 ألفًا و929 ألفًا، من بينهم أفراد عسكريون أمريكيون ومقاتلون متحالفون ومقاتلون معارضون ومدنيون وصحفيون وعمال إغاثة، وأكد التقرير أن عدد القتلى لا يشمل عديدًا من الوفيات غير المباشرة التي تسببت فيها الحرب على الإرهاب، بسبب المرض والتهجير وفقدان الغذاء أو مياه الشرب.
حروب أمريكية غير ناجحة
كاثرين لوتز، المشاركة في التقرير وأستاذة الشؤون الدولية والعامة في جامعة براون، قالت: "لقد كانت الحرب طويلة ومعقدة ومروعة وغير ناجحة.. الحرب مستمرة في أكثر من 80 دولة.. لقد استنزف البنتاجون والجيش الأمريكي حتى الآن الجزء الأكبر من الميزانية الفيدرالية، ومعظم الناس لا يعرفون ذلك".
بيد أن النظام الأمريكي يعترف بنفسه بحجم هذه الخسائر، ولعلَّ ما قاله الرئيس جو بايدن خير دليل على ذلك، حيث قال: "نعم، يجب أن يسمع الشعب الأمريكي هذا... أرفض إرسال أبناء وبنات أمريكا لخوض حرب كان يجب أن تنتهي منذ فترة طويلة"، ردًا على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بعد عشرين عامًا من الحروب.
جو بايدن قدَّر خسائر أمريكا فقط في أفغانستان أكثر من 2 تريليون دولار، في حين رأى الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب أنَّ الخسائر تصل إلى 7 تريليونات دولار، فيما قدَّر باحثو جامعة براون التكاليف بأنها تزيد عن 300 مليون دولار يوميًا لمدة 20 عامًا.
هذه الأرقام تؤكد أن أمريكا دفعت تكلفة باهظة للحروب التي خاضتها في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الخسائر البشرية التي تتجاوز 800.000 جندي أمريكي في الجبهات الرئيسية لحروبها في المنطقة العربية.
في تقرير لـ بي بي سي رأى المحللون أن السبب الرئيس في الخسائر الأمريكية هو واقع الحروب المعاصرة القائمة على فكرة حرب العصابات بين دول وأطراف غير دولية، فلم تعد هناك أرض معارك معروفة أو خط تماس واضح بين الطرفين، مؤكدًا عبر المحليين أن الولايات المتحدة حققت في حربها على الإرهاب بعض النجاح التكتيكي؛ لكنها لم تتمكن من القضاء على أي من التنظيمات المتشددة، حيث إنها ركزت فقط على الجوانب الاستراتيجية والعسكرية والأمنية.
وفق تقديرات أمريكية، عبر المراكز البحثية والصحف المحلية، فإنه قُتل ما لا يقل عن 801 ألف شخص في أعمال عنف حرب مباشرة في العراق وأفغانستان وسوريا واليمن وباكستان، غير أن عدد الأشخاص الذين أصيبوا بالمرض نتيجة للنزاعات أعلى بكثير، وكذلك عدد المدنيين الذين لقوا حتفهم بشكل غير مباشر نتيجة تدمير المستشفيات والبنية التحتية.
كما قُتل الآلاف من أفراد الخدمة الأمريكية في الحروب، وكذلك الآلاف من المتعاقدين المدنيين، وتوفي كثيرون في وقت لاحق متأثرين بجروحهم وأمراضهم في مناطق الحرب، وأصيب مئات الآلاف من الجنود والمقاولين بجروح وهم يعانون من إعاقات وأمراض مرتبطة بالحرب، كما تكبدت قوات الأمن المتحالفة خسائر كبيرة، مثلها مثل قوات المعارضة، ومع ذلك، فإن الأغلبية العظمى من القتلى هم من المدنيين، حيث قتل أكثر من 335 ألف مدني في القتال منذ عام 2001.
كما أدَّت الحروب إلى نزوح ملايين الأشخاص الذين يعيشون في مناطق الحرب، حيث أدت الحروب الأمريكية التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر إلى نزوح ما لا يقل عن 38 مليون شخص من وإلى أفغانستان والعراق وباكستان واليمن والصومال والفلبين وليبيا وسوريا، ويتجاوز هذا العدد إجمالي النازحين بسبب كل حرب منذ عام 1900، باستثناء الحرب العالمية الثانية.
وفي هذا الإطار، يرى معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة التابع لجامعة براون الأمريكية أنه كان بإمكان الولايات المتحدة اتباع بدائل عدة غير عسكرية لمحاسبة المسؤولين عن ارتكاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وكانت هذه البدائل أقل تكلفة بكثير في حياة البشر، فعلى سبيل المثال، حوّل الغزو الأمريكي للعراق البلاد إلى مختبر تمكنت فيه الجماعات المتشددة مثل تنظيم داعش الإرهابي من صقل تقنياته في التجنيد والعنف، ويُعدُّ تشكيل الجماعات المتشددة المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة من بين الخسائر البشرية العديدة لتلك الحرب.