عمر المختار.. مسيرة شيخ المجاهدين الذي أعدمه الطليان وخذله العثمانيون
في مثل هذا اليوم 11 سبتمبر 1931، ألقت قوات الاحتلال الإيطالي القبض على المجاهد الليبي عمر المختار، بعد رحلة طويلة من الكفاح المستمر، والعمل المُقاوم ضد المحتل.
وهب المختار حياته للجهاد والنضال ضد كل مغتصب لبلاده، ولم يشفع لأعدائه كونه رجلًا مُسنًا في الـ70 من عمره، وكبَّلوه بالسلاسل، وساقوه كأسير حرب في القرون الوسطى.
كان الإيطاليون قد وصلوا بأساطيلهم في ربيع 1911، وهاجموا الشواطئ الليبية، وقذفوا طرابلس بالمدافع، ودكّوا بني غازي، بعدما أخطروا السلطان العثماني بضرورة التسليم للأمر الواقع، بداعي أنّ لهم حقًا ادعوه، يرجع إلى قبل 2000 سنة، فقتلت بتلك الذريعة آلاف الشباب والأطفال والنساء والشيوخ الليبيين، فيما لم تحرك الدولة العثمانية ساكنًا وتركت ليبيا فريسة للعدو الإيطالي المغتصب يسفك دماء أبنائها.
خاض الليبيون النضال والحرب ضد المغتصب، ولم ينتظروا مدد الدولة العثمانية، وخرجت قافلتان للجهاد الأولى بقيادة السيد أحمد السنوسي، والثانية بقيادة عمر المختار، وكانت هناك العديد من المجموعات والتشكيلات المقاتلة للعدو، لكن القافلتين كانتا الأبرز على الساحة الليبية.
كان المختار وقت دخول الإيطاليين تخطى الـ50 من العمر، لكنّه كان في ساحات المعارك كمن رجع إلى زهرة الشباب، عرف عنه القوة والبأس والدهاء، وعدم اليأس، وعرف عند أعدائه بأنه الرجل الذي لا يقهر.
في عام 1922، كان المختار هوّ الزعيم الأول للمقاومة الليبية، رغم تخلي الكثيرين من القادة عن النضال بالقتال، وتركوا ساحة المعركة، أمثال السيد إدريس السنوسي، وهاجروا إلى مصر، للدعوة للقضية الليبية في أرجاء الوطن العربي، وتبعهم المختار إلى مصر، لكن ليس ترْكًا للمعركة، إنما ليطلب منهم أن يعودوا لساحة القتال مرة أخرى، وحاولوا هم أن يقنعوه بالبقاء في مصر، لكي لا يلقى مصير الآلاف من المقاتلين الليبيين.
عودة المختار ومحاصرة الجبل الأخضر
عاد المختار إلى ليبيا ليستكمل الرحلة، ومعه أتباعه، لا يملكون سوى خيولهم وبنادقهم وسيوفهم أمام دبابات الإيطاليين وطائراتهم العسكرية التي استعملت ضدهم للمرة الأولى في تاريخ الحروب، وكان للنساء في تلك الحرب دور كبير أيضًا في مقاومة العدوان الإيطالي.
في 1931، كانت إيطاليا تريد أن تسترد كرامة السنوات التي أهدرها المختار ورفاقه، فرصدوا له معظم قوة جيشهم، فحاصروه في الجبل الأخضر، وصاروا يدكوا المناطق المحيطة به بالمدافع والطائرات، ومنع عنهم أي سبيل لإيصال أي مدد لهم، وفي هذه الأثناء جاء إلى ليبيا المارشال بادوليو لمفاوضة عمر المختار، وعرض الأخير مطالبه وهي الاستقلال لبلاده، وردّت إيطاليا بأنّها ستعطيه راتبًا شهريًّا كبيرًا وتعلن السلام، لكنّ المختار رفض ولم يفرط في قضيته مقابل حفنة من الأموال.
اشتدّ الحصار على المختار ورفاقه، وكان عددٌ من معه ثلاثة آلاف، منهم نساء وأطفال، وعدد الإيطاليين بلغ 30 ألفًا، وأثناء بحث المختار مع رفاقه عن منبع للماء، وجد نفسه محاصرًا وسقط به جواده إثر طلقة وُجِّهت له من أحد جنود الاحتلال، لم يكد عمر المختار أن ينهض، حتى وجد الرجل الذي قارب على الثمانين، الجنود الطليان يكبلونه بالسلاسل، ونقل إلى سجنه تمهيدًا لمحاكمته العاجلة، والتي قضت عليه بالإعدام شنقًا، ونفذ الحكم أمام 20 ألف ليبي ووسط حراسة الدبابات والطائرات الإيطالية.