السبت 23 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

إبراهيم معوض يكتب: اللفافة

إبراهيم معوض
ثقافة
إبراهيم معوض
الإثنين 13/سبتمبر/2021 - 03:56 ص

الشباك مكسور، واندفاع القطار يزيح الهواء بقوة نحو الداخل، لا تستطيع أن تفتح عينيك من شده الهواء التى تفرز منها دموعًا، فأحاول إبعاده عني بحافظة الأوراق بلا جدوى؛ فالهواء شديد، حتى أتى الشيخ بعباءه سوداء ونشر منها طرفًا على الشباك فاوقفت الرياح بعض الشئ، وعاد الناس إلى أماكنهم المهجورة بعدما هدأت رصاصات الرياح، وفى مؤخرة العربة يجلس الصبية الخارجون من أعمالهم فى المدينة، هذا يعمل نجارًا وهذا حدادًا وهذا نقاشًا، والملابس الرثة تعبر لكل منهم عن صنعته.

صبية لم ينالوا حظا من التعليم ولكنهم أبدعوا فى فنون الصنعة، أعجبني تجمعهم كثيرًا حتى ألقيت عليهم بصري كله ولكني اكتشفت أنهم ليسوا أصدقاء وإنما يجمعهم شئ يقتسمونه، فيبدو أن كل منهم قد دفع جزءًا من يوميته البسيطة لشراء علبة من التبغ وجلسوا يتقاسمونها، يحصون نصيب الفرد منهم على أصابعهم الصغيرة الملطخه بالشحم والزيت، وفتحت العلبة وأخذ كل منهم نصيبه وإنطلق إلى حال سبيله، إنفصمت عرى صداقتهم المؤقتة، ودار كل منهم فى إتجاة أحدهم يلقم السيجارة مشتعله ويجوب العربة ذهابًا وإيابًا وكأنما يقول: أنا كبير. وأحدهم يجلس ويضع ساقًا على ساق ويضع السيجارة فى فمه قليلًا وفى يده كثيرًا كى لا يصاب بالسعال فيتهمه الناس بأنه (عيل) 

وذاب الباقون فى عربات القطار المتراصة، ومازال الشيخ يحاول إحكام الغطاء على الشباك المكسور والقطار يندفع يشق الاتجاهات بصوت حديدى ممل.. 

هاربون نحن من هواء نقى.. ساخطون على الشباك المكسور وآلاف المليارات تحرق يوميا؛ أموال تكفى لسد كل عجز وإشباع كل فقير، وما هى إلا لحظات وعاد الصغار يلتفون فى مباراة لتدخين ما تبقى من سجائر؛ لأن المحطة اقتربت ولا يجب العودة بشئ منها، وإمتلئ الجو بالدخان النابع من الأفواه والأنوف الصغيرة.

وما أن تنظر إليهم حتى تتخيل تلك الرئات الصغيرة المكلومة وتشفق عليها، وترى فى عيونهم الغائره فى محاجرها مستقبل مرضى بغيض.. والكل جلوس وحلقات الدخان تخرج دوائرًا ثم تنفجر لتذوب فى هواء العربة المسرعة نحو محطه النزول.

وما إن اقترب القطار من الرصيف حتى تدافعوا بالقفز من الباب فى حرفية عالية..

وأنا اتابعهم حتى انطلق القطار وغابوا فأفقت على لسعه فى أصابعي من السيجارة التى نفذت بينهما فقذفتها على الفور وألقيت ورائها ضحكه تبدد كل ما رأيته من مشاهد..

 

 

 

 

تابع مواقعنا