جيت على بالي
في واحدة من القرى الفقيرة في دولة "غانا" الإفريقية عايش السيد "الحسن عبدالله" اللي عمره عدى الـ 80 في ظروف حياتية صعبة شويتين تلاتة زي معظم أهل القرية اللي بيشتغلوا مزارعين، السيد "الحسن" الأسمر الطيب الجميل بيحلم طول عمره إنه يزور بيت ربنا ويحج، أمنية عنده من وهو طفل بس وبسبب الوضع كان الحلم بتتأكد استحالته لما بتمر السنين أصل اللي ماقدرتش أعمله وأنا طفل أو شاب مش هعرف أعمله دلوقتي أكيد وأنا في السن ده!، بس الغريب إن "الحسن" كان كل يوم يخرج بالليل من الكوخ البسيط بتاعه قبل الفجر بشوية ويبص للقمر وبعدها يغمض عينه وياخد نفس عميق من الهوا اللي فيه نسمة ساقعة في الساعة دي ويركز تفكيره في الكعبة جدًا ويبتسم.
يستمر على الحال ده مش أقل من ربع ساعة كل يوم وكل تفكيره متركز على شكل الكعبة والناس اللي بتطوف حواليها وماينطقش ولا كلمة غير لما يفتح عينه وهو باصص للقمر ويقول بتنهيدة "يارب"، ويدخل الكوخ، كل يوم كل يوم.. حتى مراته لما كانت بتنتقده اللي هو لو عايز تدعي ربنا ممكن تدعيله وأنت على سجادة الصلاة جوه بلاش تطلع في الطل والهوا ومالهاش لزمة الخروجة اليومية دي بدل ما تاخد دور برد يرقدك؛ كان بيصمم يكمل!، تمر الأيام ومن كام سنة وتحديدًا في 2017 فيه قناة تركية اسمها TRT WORD.
كانت بتصور فيلم وثائقي عن حياة الطبيعة والغابة في منطقة قريبة من القرية اللي عايش فيها "الحسن"، الفريق كانوا بيستخدموا في التصوير طيارة "درون" بيضاء اللي حجمها صغير في نفس أبعاد حجم اللاب توب وبيتركب فيها كاميرا عشان تاخد اللقطات البعيدة من فوق، الطيارة خرجت عن السيطرة وبعدت عن المكان المخصص ليها للتصوير ووقعت قدام كوخ "الحسن".. شافها، استغرب وهو ماسكها في إيده زى ما موجود في الصورة تحت ومش فاهم إيه دي ولا بتعمل إيه!، فضل يحركها كإنها لعبة وكإنه طفل فرحان بيها!.
في نفس الوقت كان فريق العمل بيتتبع مكان الطيارة عن طريق الـ GPS عشان يشوفوا هي راحت فين لحد ما لقوها مع "الحسن".. المصور راح له وقال له دي طيارة مخصصة شايلة كاميرا بنصور بيها وفهمه طبيعة عملها، الراجل مد إيده للمصور اللي واقف قدامه عشان يسلمهاله بس إيده وقفت في النص بتردد وقال له بطيبة منقطعة النظير هل بإمكانكم صنع طائرة أكبر منها، وتنقلوني من خلالها إلى السعودية لأداء فريضة الحج؟، المصور هز دماغه بمجاملة كإنه بيحايله وأخد منه الطيارة ومشي.. المصور كتب الموقف على تويتر كموقف دمه خفيف.. شاف التويتة ظابط شرطة في تركيا اسمه "صامد".. خلينا نرجع قبل الموقف ده بـ سنة واحدة لـ 2016.. "صامد" من بداية سنة 2016 كان بيحلم بحلم غريب جدًا وهو نايم وبيتكرر بشكل مفيش أى تفسير له!.. بيحلم براجل أسمر طويل وعجوز مغمض عينه وبيبص للسما قبل الفجر وبيتنهد وبيقول "يارب".
بعد كلمة يارب ما بتخرج من بُق الراجل الأسمر بتتحول السماء لساحة الكعبة!، "صامد" شاف الحلم 6 شهور متواصلة وقبل ما ييجي الشهر السابع قرر يحوش كل شهر مبلغ على جنب.. شهر اتنين تلاتة أربعة لحد ما حوش مبلغ على مدار 6 شهور متتالية وخلال السنة كاملة كان برضه بيشوف نفس الحلم، والغريب إنه كان بيحوش لسبب مش فاهمه ولا مستوعبه كإن فيه حاجة خارجة عن إرادته هي اللي بتحركه!.. لما شاف التويتة فهم القصة!، عمل المستحيل عشان يقدر يوصل لـ الراجل الغاني الأسمر اللي المصور كتب عنه لحد ما قدر يوصل له بمعجزة وكانت الفلوس اللي اتحوشت في الـ 6 شهور هي بالظبط قيمة الحج وبيكون "صامد" سبب في حج عم "الحسن"!، آه بالمناسبة.. بمجرد ما التويتة انتشرت فيه ناس كتير من كل الوطن العربي منهم أثرياء ومسؤولين كانوا عايزين هما اللي يتكفلوا بفلوس حج "الحسن" وكلهم عرضوا ده، ومنهم "صامد" لكن يشاء ربنا لسبب لا يعمله إلا هو سبحانه برضه إن الاختيار يرسى في النهاية على "صامد"!.
بين أبويا الله يرحمه وأمي ربنا يبارك في عمرها كان فيه بُعد حلو في علاقتهم، صحيح ماقدرتش أحط إيدي عليه تحديدًا إلا لما بقيت واعي نسبيًا بس كنت بشوفه في كل تفاصيلهم أثناء التعامل.. وأنا طفل 10 سنين اتعزمنا كأسرة على فرح.. فرح ناس معارف والدي من بعيد، مشوار واجب كنا مجبرين عليه زي مشاوير كتير بتتعمل وأنت مش حاببها بس الأصول والواجب بيفرضوهم عليك، بسبب طبيعة الوسط الصعيدي وقتها في أوائل التسعينات كانت قاعة الفرح كبيرة ومقسومة نصين؛ نص فيه قعدة الستات والنص التاني الرجالة.. فرح مودرن عادي فيه نفس الكوشة ونفس المسرح ونفس البروجرام بس دول في جنب ودول في جنب.. أبويا خدني وروحنا قعدنا في مكان الرجالة وأمي خدت أخويا الصغير وراحت الجنب التاني، بس قبل ما كل واحد فيهم ياخد واحد فينا ولإنهم تقريبًا ماكنوش هيكونوا شايفين بعض من أماكنهم بسبب الزحمة الرهيبة؛ أمي سألت أبويا: هنمشي إمتى وهعرف إزاي أقوم إمتى؟، أبويا قالها: خلّيها على الله.. طبعًا وقتها لا كان فيه موبايلات ولا دياوله.. فاكر إن الفرح كان ممل جدًا.
فرقة بائسة اسمها (شمس الليل) مكوّنة من 7 عازفين ومطرب بيهرتلوا في أي هتى؛ حاجة كده في بشاعة أى حد بيجعر دلوقتي وبيقول على نفسه مطرب!، قبل ما نكمل ربع ساعة ورغم إنه كان بيدردش مع أصحابه ومنسجم وبيقهقه من كُتر الانبساط لقيت أبويا فجأة قام مرة واحدة وسلم على الناس بسرعة كإنه افتكر حاجة مهمة أو اتكهرب وسحبني من إيدى وقال: يالا بينا، سألته: هنمشي بسرعة كده؟!.. قال: آه.. اتجهنا ناحية باب القاعة والغريب إننا لقينا أمي وأخويا واقفين منتظرين عند الباب بالظبط كأنهم كانوا عارفين إننا جايين!، وإحنا خارجين إحنا الـ 4 وأثناء ما كنا ماشيين في الطريق اللي ما بين مدخل القاعة وبين باب النادي أمي كانت بتحكي لأبويا إنها اتخنقت من الكام دقيقة دول وحست كأنهم كانوا كذا ساعة عشان كانت حاسة نفسها غريبة وماتعرفش حد وقالتله: والله أنا كنت بدعي ربنا وبقول يا رب ما تتأخروا جوا أنت وتامر، أبويا قالها: عشر دقايق زي عشر ساعات المهم إننا عملنا الواجب وخلاص.. أمي وقفت وسألته: استنى؛ أُمال أنت حسيت إزاي إني عايزة أمشي دلوقتى؟.. وقف بص عليها ورد: حسيت إزاي إيه! هي عِشرة يوم ولا اتنين؛ إن أنا ماحستش مين هيحس!.
أيام خلافة سيدنا "عمر بن الخطاب" كان فيه جيش من جيوش المسلمين خرج في مهمة خوض معركة مع الفرس، معركة صعبة ووضع الجيش اللي كان بيقوده وقتها قائد اسمه "سارية" كان وضع مش جيد، في نفس اللحظة كان المسلمين في المدينة المنورة قلقانين من قلة الأخبار اللي جاية من الجيش ومش عارفين إيه اللي حصل.. انتصروا؟.. اتهزموا؟، محدش عارف حاجة، سيدنا "عمر" وقتها طلع على المنبر يوم جمعة وكان بيخطب الخطبة بتاعته في الناس وفي أثناء ما هو بيتكلم سرح وبص لـ نقطة وهمية قدام وقال بصوت عالي: (يا سارية.. الجبل الجبل.. يا سارية.. الجبل الجبل).. الناس اللي قاعدين قدامه استغربوا هو بيكلم القائد "سارية" إزاى وبينه وبيننا مئات الكيلومترات!، وإيه حكاية الجبل الجبل دي!،برضه محدش فهم وسيدنا "عمر" مافسرش!
بعدها بأسابيع رجع جيش المسلمين وهما منتصرين للمدينة وقابل القائد "سارية" سيدنا "عمر" وحكاله على اللي حصل.. قال له إنهم كانوا متحاصرين من الفرس اللي أعداهم أكتر بكتير من جيش المسلمين، وحاوطوهم وكان واضح جدًا إنها النهاية!.. لحد ما في لحظة زى ما قال "سارية": (سمعتك تناديني يا أمير المؤمنين وتقول لي الجبل الجبل).. وبمجرد ما سمعها اتحرك بالجيش لـ فوق الجبل والصورة اتعكست وبقوا هما اللي محاصرين الفرس عشان زاوية الرؤية بقت أوضح، وقدروا ينتصروا عليهم بسهولة!.
أكيد حصل قبل كده معاك إنك فكرت في حد وكان واحشك وبمجرد ما مسكت الموبايل عشان تتصل بيه لقيته سبقك وبيتصل في نفس اللحظة أو قبلها بدقايق!.. أو حسيت إن فيه مشكلة مع حد ولما اتكلمتوا بعدها أكدلك إنه فعلًا في نفس التوقيت كان في أزمة!، دي مش صدفة، ده مصطلح في علم النفس اسمه "Telepathy" أو "التخاطر" اكتشفه "فريدرك مايرز" سنة 1882 وتفسيره إن هو القدرة على نقل المعلومات والمشاعر من عقل إنسان لإنسان تاني حتى لو كل واحد فيهم في مكان بعيد!، دون الدخول في تفاصيل علمية معقدة الموضوع له نتايج شخصية ملموسة مع كل واحد فينا مش هتحتاج منك مجهود عشان تسترجعها، وغوشة القلب إن فلان مش بخير أو إن علان محتاج دعمك أو إنك مقصر في السؤال عن كذا أمور لها بُعد حقيقي.
مع الوقت وبالتجارب هتكتشف إن الإحساس ده نعمة يا بخت مين ينولها، الإحساس زى قرون الاستشعار تعرف إمتى أنا عايزك جنبي وإمتى محتاج أكون لوحدي.. إنك تفهم السكات أكتر من الكلام.. اللي بيقدر يخمن ويحس بيختصر سكك، الإحساس بيوفر وقت، مجهود، تعب أعصاب، بيتولد مع العشرة وبين الحبايب والأصحاب، تقدر تعلم أي بني آدم أى حاجة في الدنيا إلا "الإحساس"، هو ده اللي إن ماكنش يطلع من الإنسان لنفسه يبقى إنسى.. الكاتب "ألبرت هوبارد" قال: قليل من الإحساس كل شيء.