هل اقتصاد مصر في خطر بسبب ارتفاع الدين الخارجي لأعلى مستوى؟ | ملف خاص
ارتفع معدل الدين الخارجي لمصر لمستوى قياسي متخطيًا 134 مليار دولار بنهاية مارس الماضي وفق آخر الإحصاءات الصادرة عن البنك المركزي المصري، مما جعل عدة مؤسسات دولية تحذر مصر في الفترة الأخيرة، من هذه المؤسسات بلومبرج وفاينانشنال تايمز وستاندرد آند بورز، من كونها أكبر دولة في الأسواق الناشئة على مستوى العالم من حيث حجم القروض وعجز الموازنة، إلى الناتج المحلي الإجمالي مشيرة إلى أنه على مصر أن تأخذ هذا الأمر بكل جدية.
في سياق تطلعات المستثمرين والمهتمين بالشأن الاقتصادي، فيما يمكن أن تقوم به مصر في معالجة هذا الأمر، وكيف ترى المؤسسات الدولية الكبرى ارتفاع الديون الخارجية لمصر، أجرى القاهرة 24، لقاءات مع كبار المسؤولين والمتخصصين لتوضيح الصورة بشكل أوسع حول الديون الخارجية لمصر.
وزير المالية: مصر في توسع اقتصادي
يقول الدكتور محمد معيط وزير المالية، لـ القاهرة 24، في تعليقه على ارتفاع الدين الخارجي لمصر، إن مصر دولة في حالة توسع اقتصادي في الوقت الراهن ولدينا معدلات نمو مرتفعة يعلم عنها العالم أجمع وننفذ مشروعات عملاقة من شأنها أن ترفع معدلات النمو الاقتصادي والناتج المحلي الإجمالي.
الدين الخارجي يقترب من 135 مليار دولار
وفق البنك المركزي المصري، ارتفع إجمالي الديون الخارجية بنحو 5.645 مليار دولار، خلال الربع الثالث من العام المالي الماضي 2020/2021، ليسجل 134.8 مليار دولار بنهاية مارس الماضي، مقابل 129.19 مليار دولار بنهاية الربع الثاني (ديسمبر 2020).
وأوضح المركزي أنّ إجمالي الديون طويلة الأجل الخارجية بلغ 121.579 مليار دولار بنهاية مارس ليرتفع من مستوى 117.237 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2020، والذي يمثل نحو 90.16% من إجمالي الديون الخارجية، فيما سجلت الديون قصيرة الأجل نحو 13.261 مليار دولار بنسبة 9.9%.
تحت السيطرة
ذكر وزير المالية في تعليقه مع القاهرة 24، أن الدين الخارجي ما زال تحت السيطرة حاليا وفي الحدود الآمنة بالنسبة لمستوى الدين بالمعايير الدولية، مؤكدا أنه في الوقت الراهن تشجع الدولة القطاع الخاص على ضخ المزيد من الاستثمار في الفترة القادمة عبر توفير الأراضي الصناعية المرفقة وقانون الاستثمار الذي يمكن المستثمر من استرداد 50% من قيمة استثماراته في شكل إعفاء ضريبي غير البنية التحتية الضخمة وحل مشاكل الكهرباء والغاز.
وحول القروض والتمويلات التي كانت تحصل عليها مصر لتمويل برامج الحماية الاجتماعية، قالت نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعي، إن الوزارة لا تسعى للحصول على قروض خارجية أخرى حفاظًا على حقوق الأجيال القادمة من تكلفة الدين والتي تأثر سلبًا على الموازنة العامة، مؤكدة أن مصر لديها موارد ضخمة لا بد من العمل على إعادة تدوريها وتخصيصها بشكل فعال، مشيرة لسعي الوزارة للعمل على تنمية مستقلة عبر الموارد الداخلية من القطاع الخاص أو التكافلي.
نهاية عصر تمويلات الحماية الاجتماعية
أوضحت وزيرة التضامن الاجتماعي لـ القاهرة 24، أن القروض التي حصلت عليها وزارة التضامن من مؤسسات التمويل الخارجية دعمت بشكل جزئي احتياجات الوزارة خلال المرحلة الماضية منها تمويل البنك الدولي بقيمة 500 مليون دولار، الذي غطى نحو 7.5 مليار جنيه تقريبًا، من موازنة برنامج «تكافل وكرامة» التي تتخطى 20 مليار جنيه في العام الجاري، بينما دعمت موازنة الدولة الجزء الأكبر من احتياجات برنامج تكافل وكرامة.
وفق تصريحات وزيرة التضامن، في الفترة المقبلة سيتم العمل على استثمار أصول الوزارة المتمثلة في مراكز التكوين المهنى والعديد من المباني الإدارية للتدريب الإداري وأصول أخرى كالحضانات، بالشراكة مع القطاع الخاص، أو لإعادة تدوريها أو حق الانتفاع لفترة من الوقت.
كشفت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني في تقرير لها الشهر الجاري، أن حيازات الأجانب من أذون وسندات الحكومة المصرية بالعملة المحلية ارتفعت إلى 33 مليار دولار، ما يمثل 13% من إجمالي الأوراق المالية المصدرة، في أوائل أغسطس 2021.
جذب الديون طويلة الأجل
وذكر التقرير أن ارتفاع حيازات غير المقيمين يسمح للحكومة المصرية بتنويع مصادر تمويلها، ولكنه يزيد أيضا من مخاطر التوقف المفاجئ للتمويل إذا تراجعت رغبة المستثمرين، مضيفة: قامت مصر أيضا بزيادة القروض الخارجية التجارية والميسرة طويلة الأجل من أجل إطالة أجل استحقاق ديونها وتقليل التكلفة الإجمالية للديون؛ وكان لدى مصر 30 مليار دولار من سندات دولية مستحقة في أغسطس 2021، وفقا للتقرير.
التدفقات الرأسمالية
وأضافت الوكالة، بالرغم من هذه الجهود، مصر اليوم أكثر عرضة للتدفقات الرأسمالية الخارجة الحادة مما كانت عليه قبل عدة سنوات بسبب انكشافها على الديون الخارجية أكثر من السابق وتزايد احتياجاتها التمويلية الحكومية التي تزيد عن 30% من الناتج المحلي الإجمالي سنويا الناتجة جزئيا عن النسبة الكبيرة لديونها قصيرة الأجل.
في سياق تعليقها مع القاهرة 24، على رؤية البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، للتحذيرات الدولية التي وُجِّهت للأسواق الناشئة عن ارتفاع الدين الخارجي، ومنها التحذيرات الموجهة لمصر، قالت الدكتورة هايكة هارمجارت المديرة التنفيذية لمنطقة جنوب وشرق البحر المتوسط بالبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، إنّه بعد الوباء، نحتاج إلى النظر في المزيد من الاستدامة، لتقليل الديون على مدى فترة طويلة من الزمن.
بنك الاستثمار الأوروبي: الزيادة طبيعية
تابعت المديرة بالبنك الأوروبي لإعادة الإعمار، أنه من الطبيعي بعد هذه الجائحة أن ترتفع معدلات الدين عالميًّا، وأن البنك الأوروبي كمؤسسة تمويل دولية نضع ذلك في الحسبان، لكنّنا نريد أن ندعم الدول ونضخ المزيد من الاستثمارات لتتمكن الدول من خفض معدلات الدين المرتفع إلى المستوى الآمن، عبر زيادة النمو في القطاع الخاص.
قالت هايكة هارمجارت: بالفعل، البنك الأوروبي لإعادة الإعمار ينظر إلى كل التقييمات والتقارير الدولية التي تصدر من المؤسسات العالمية عن الوقع المالي للأسواق الناشئة ودول عمليات البنك التي منها مصر، مضيفة: نرى أنَّ مصر أجرت الكثير من الإصلاحات الاقتصادية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، من أجل تحسين الاقتصاد الجزئي والسيطرة على معدلات الدين.
قدرت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني، أن إجمالي الدين الخارجي العام والخاص لمصر قد ارتفع إلى ما يقرب من 220% من إيرادات الحساب الجاري في السنة المالية 2021 المنتهية في 30 يونيو الماضي، من 176% في السنة المالية 2020 و110% في السنة المالية 2016، الناتج بشكل رئيسي عن ارتفاع تدفقات المحفظة الداخلة وانخفاض إيرادات الحساب الجاري.
سياسات رئاسة الوزراء للتعامل مع الدين
في منتصف يونيو 2021، ناقش الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، مع طارق عامر، محافظ البنك المركزي؛ جهود البنك بالتعاون مع الحكومة للحد من ارتفاع معدلات الدين الخارجي خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى السياسات النقدية المقترحة لمرحلة ما بعد التعافي من أزمة جائحة كورونا، واستعرض الاجتماع وقتها، المبادرات الموجهة لدعم القطاعات الاقتصادية المختلفة، وتناول ملفات العمل المشترك.
ارتفاع الديون الخارجية ليس كارثة
ترى سارة محسن، الباحثة في الاقتصاد البيئي، المدرس المساعد بكلية الاقتصاد بالجامعة الألمانية، أن نحو 90% من الدين الخارجي لمصر، ديون طويلة الأجل، ولدى مصر في الفترة الحالية قدرات واسعة على التوسع الاقتصادي، مع توقعات نمو بنحو 5.4% في العام الجاري 2021-2022، وانخفاض العجز الكلي للموازنة لمستوى 6.6% في العام المالي الجاري أيضا.
أشارت الباحثة الاقتصادية في حديثها مع القاهرة 24، إلى توقعات صندوق النقد الدولي بنمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر بنحو 60% العام المالي الجاري، حتى تصل إلى 8.6 مليارات دولار من 5.4 مليارات دولار في العام المالي السابق، قبل أن ترتفع إلى 11.7 مليار دولار في العام المالي 2023/2022، ثم إلى 16.5 مليار دولار في العام المالي 2025/2024، وهو ما يدعم القدرات الاقتصادية وسداد أعباء الديون الخارجية على المدى القصير والبعيد.
لفتت إلى أن ارتفاع الديون الخارجية لا يمثل كارثة كما يصفه البعض، نظرًا مع تعدد موارد الدولة وتوقعات تحسن المؤشرات الأخرى للقطاعات الاقتصادية صاحبة المساهمة الأوسع في الناتج المحلي الإجمالي، مثل القطاع السياحي، الذي توقع صندوق النقد لدولي له انتعاشة ملحوظة، ليسجل في العام المالي الجاري نحو 6.8 مليار، مقارنة مع نحو 2.4 مليار دولار بنهاية العام المالي الماضي، ثم يقفز إلي 14.6 مليار في العام المالي 2022/ 2023، و20.4 مليار في 2023/ 2024، و25 مليارًا في 2024/ 2025.