مفاهيم الوسطية1| لماذا الإسلام وسط في عباداته وشعائره بين الأديان؟
دائمًا ما يتردد على آذاننا تعبير الوسطية، الدين الوسطي، وسطية الإسلام، والوسطية والاعتدال، لكن تختلف التفسيرات لمعاني الوسطية والاعتدال بين كل فئة وأخرى، لذلك رأينا أن نسأل أحد المختصين في المجال الديني والدعوي، فأجرينا تلك السلسلة القصيرة مع الشيخ «عبد العزيز عبد الحميد إمام» الداعية بالأزهر الشريف وباحث مقارنة الأديان، وعضو المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، ليجيب عن تساؤلاتنا، ويشرح لنا ذلك التعبير، بشكل بسيط، من كافة جوانبه، شرحًا يمحي به أي التباس.
وحديثنا اليوم سيكون حول مفهوم الوسطية، وضبط مصطلحها، وما علاقتها بالإسلام بشكل عام، ووجودها في العبادات بشكل خاص، فعرف لنا الشيخ عبد العزيز في البداية ما هية الوسطية، وما ضبط مصطلحها قائلًا «إن الوسطية من أبرز خصائص الإسلام، ويطلق أيضًا عليها «التوازن» ونعني بها التوسط أو التعادل بين طرفين متقابلين أو متضادين، بحيث لا ينفرد أحدهما بالتأثير، ويطرد الطرف المقابل، وبحيث لا يأخذ أحد الطرفين أكثر من حقه، ويطغى على مقابله ويحيف عليه، وتلك الأطراف المتقابلة تكون مثل الربانية والإنسانية، الروحية والمادية، الأخروية والدنيوية، وما شابه ذلك. ومعنى التوازن بينهما: أن يفسح لكل طرف منهما مجاله، ويعطي حقه «بالقسط» أو «بالقسطاس المستقيم»، بلا غلو ولا تقصير، كما أشار إلى ذلك كتاب الله بقوله: (والسماء رفعها ووضع الميزان، ألا تطغوا في الميزان، وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ).
مفاهيم الوسطية في الشعائر والعبادات
وأما عن مفهوم الوسطية في الدين الإسلامي فيما يتعلق بوجودها في العبادات أجاب بأن «الإسلام وسط في عباداته، وشعائره بين الأديان، والنّحل التي ألغت الجانب «الرباني» جانب العبادة والتنسك والتأله ـ من فلسفتها وواجباتها، كالبوذية التي اقتصرت فروضها على الجانب الأخلاقي الإنساني وحده… وبين الأديان والنحل التي طلبت من أتباعها التفرغ للعبادة والانقطاع عن الحياة والإنتاج، كالرهبانية المسيحية.
ولعل أوضح دليل نذكره هنا: الآيات الآمرة بصلاة الجمعة: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله، واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون)، فهذا هو شأن المسلم مع الدين والحياة حتى في يوم الجمعة: بيع وعمل للدنيا قبل الصلاة، ثم سعي إلى ذكر الله وإلى الصلاة، وترك للبيع والشراء وما أشبهه من مشاغل الحياة، ثم انتشار في الأرض وابتغاء الرزق من جديد بعد انقضاء الصلاة، مع عدم الغفلة عن ذكر الله كثيرا في كل حال، فهو أساس الفلاح والنجاح.