قصة مصر
في أعقاب نكسة عام 1967 زار الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور إحدى الدول الأوروبية، وهناك التقى أحد الشعراء الغربيين المهتمين بمتابعة الوضع في مصر بعد النكسة، فسأله هذا الشاعر:
إذن أنت مصري.. كيف حال مصر؟
فتحامل صلاح عبد الصبور على نفسه ليُخفي حزنه بعد النكسة التي كسرت روحه، وروح جيله، وقال له:
حالها متى يا سيدي؟
حاله الآن أم منذ سبعة آلاف سنة. إن هذه اللحظة المريرة، هي مجرد دقيقة من أيام تاريخ مصر الأزلي.. دقيقة من الألم العميق، تستأنف بعده ابتسامتها الخالدة.
وهنا رد عليه الشاعر الغرب ي متسائلًا من جديد:
نعم.. لا شك أنكم قد تغلبتم على كثير من الصعوبات، ولكن الآن ماذا سوف تفعلون؟
فأجابه الراحل صلاح عبد الصبور بقصة تدل على قدرة مصر على تجاوز نكستها وأحزانها والنهوض من جديد فقال:
أتعرف قصة العنقاء.. هذا الطائر الخرافي الذي يحترق في النار، كل حقبة من الزمن، ثم لا يلبث أن يعود من جديد، بريشه الزاهي وعنقه الأصيد المائل. إن مصر أثبتت عبر تاريخها الطويل أنها تشبه هذا الطائر الخرافي.
وعندئذ قال الشاعر الغربي متعجبًا:
ما أشد تفاؤلكم.
فرد عليه صلاح عبد الصبور:
لأننا رأينا كثيرًا، وعرفنا كثيرًا؛ حين تموت وتحيا مئة مرة في التاريخ تعرف أن الموت عارض، وأن الحياة هي الحق.
أنت لا تدرك هذا؛ لأنك لا تستطيع أن تنظر في تاريخ بلادك إلى أعمق من مئتي سنة، وبعدها قد ترى القراصنة العراة.
أما أنا فلدي فرصة باهرة، إنني أستطيع أن أتجول في تاريخي إلى عشرين ألفًا من جدودي، فأجد أحدهما يهندس الهرم، وأحدهم يفتح الجمجمة، ويداعب ويشفي جراحها بأصابعه الحساسة، ثم يُعيد تصفيف الشعر. وثالثهم يُنشد أغانيه الرقيقة وتأملاته العذبة.
هذه الحكاية الجديرة بالتأمل، وعميقة الدلالة على عظمة مصر وشعبها، وقوة جهاز مناعتها الوطني والحضاري والثقافي، وقدرتها على تجاوز كل التحديدات والمخاطر والأزمات التي تواجهها، لتعود من جديد أجمل وأقوى، رواها الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور في نهاية مقدمته لكتابه القيم فجر الضمير المصري الحديث.
وهو الكتاب الذي يجب على كل مصري أن يقتنيه ويقرأه، إلى جانب كتاب فجر الضمير الذي وضعه عن الوعي والفكر والأدب المصري القديم الأستاذ جيمس هنري برستيد، وترجمه إلى اللغة العربية الأستاذ سليم حسن.