العشوائيات الرقمية
على الرغم من الفوائد الجمة التي كانت نتاجًا لوجود شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ونمو تأثيراتها على كثير من القطاعات سواء ما يتعلق منها بالتجارة الإلكترونية وتيسير العلاقات التجارية أو تحسين سُبل التواصل بين الجميع، وكذا البحث عن المعلومات، فإننا أصبحنا أمام حالة من السيولة الرقمية غير العادية، وسلوكيات رقمية عبر منصات التواصل الاجتماعي وجب علينا دراستها وفهمها من جميع الزوايا، خاصة الاجتماعية منها لتنامي آثارها.
نحن أمام تحول حقيقي من سلوك واقعي ملموس إلى سلوك رقمي عبر المنصات المختلفة، وكلاهما يؤثران ويتأثران ببعضهما ويتفاعلان معًا لنرى نموذجًا جديدًا من السلوك التقليدي مقترنًا بالسوك الرقمي، وهذا هو المدخل الحقيقي لفهم ما يحدث حولنا ولنا من تغيرات جوهرية وسيتبعها قريبًا تغيرات أشد شراسة وتأثيرًا بعد إطلاق ثورة العوالم الافتراضية الجديدة (الفيسبوك ميتافيرس) التي سيعلنها الفيس بوك في القريب العاجل، متعاونًا مع بعض الشركات العملاقة في التكنولوجيا والألعاب الرقمية.
السلوك الرقمي مشابه جدًا لسلوك الشخص الطبيعي؛ ولكنه يتميز بسمات قد تزيد خطره مثل محاولات التقليد والتشبه بالفئات الأعلى اجتماعيًا وثقافيًا، واللهث وراء الشهرة وحُب الظهور، والشغف بكل ما هو غير مألوف، وحمى المتابعة ومراقبة الغير، وتأثيرات الجماعات المحيطة من أصدقاء وأعضاء مجموعات ذات اهتمام مشترك، ومتابعة للمؤثرين في مجالات مختلفة، وإمكانية التأثر وتغيير القناعات، وارتفاع سقف التوقعات والطموحات في كثير من الأحيان، إضافة إلى الضغط النفسي الذي يسببه جميع ما سبق ويؤدي بالشخص إلى سلوك مصطنع أحيانًا قد يتسبب في تأثير على سلوكه التقليدي المعتاد، وهو ما يفسر أحيانًا استهجاننا وتعجبنا لما يكتبه بعض الأشخاص عبر صفحاتهم الخاصة أو في تعليقاتهم؛ مخالفًا لشخصياتهم الحقيقية التي نعرفها.
وطبقًا لأحدث الإحصائيات عن مصر الصادرة هذا عام 2021، يبلغ عدد مستخدمي الإنترنت 59.2 مليون نسمة تمثل 57.3% من إجمالي سكان مصر يمتلكون 49 مليون حساب نشط على وسائل التواصل الاجتماعي، وبنسب نمو سنوية تزيد على 8%، ويصل 96% من هؤلاء إلى حساباتهم عبر الإنترنت من خلال هواتفهم المحمولة، ويقضون معدل 3 ساعات و6 دقائق في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي فقط من إجمالي معدل 7 ساعات و36 دقيقة من وجودهم على شبكة الإنترنت بجميع استخداماتها.
والمشكلة تكمن في أنه قد يمكن النظر لتلك الأرقام كونها نسبًا طبيعية عالمية قد تزيد في بعض الدول وتقل في بعضها، ولكن عند القراءة المتأنية لتلك الأرقام قياسًا بنسب الأمية في مصر التي تبلغ 23.5% لدى الذكور، 34.5 % لدى الإناث وبنسبة عامة 28.8%، يمكن لنا أن نتلمس أين تكمن المشكلة الحقيقية، إذا أضفنا عليها نسب الفئات الأكثر تأثرًا من الأطفال والمراهقين، الذين يمتلكون حسابات في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وأكثرها انتشارًا ونموًا في مصر الفيسبوك واليوتيوب وانستجرام، فنحن أمام مستخدم يسهل توجيهه والتأثير عليه ويسهل استقطابه.
وفي تقديراتي تكمن المشكلة الحقيقية أننا وجدنا أنفسنا أمام تطور سريع ومذهل لم نحسن جميعًا تقديره، ولم نكن جميعًا مستعدين لتداعياته أو مقدرين لحجم تأثيرات هذا النمو الرقمي المرعب، ولم نتمكن من تأهيل أنفسنا أو ذوينا لمجابهته أو التعامل معه بانضباط وتراكم الخبرات السابقة للتعامل؛ فهي أنماط سلوكية لم تكن موجودة بالأساس، ولم يعلمنا أحد كيفية التعامل الرقمي مسبقًا.
وبالطبع لم يستطع علماء الاجتماع وعلم النفس أو غيرها من العلوم الإنسانية المرتبطة ملاحقة تلك التغييرات بدراساتهم الحديثة لتفسر لنا ما يحدث كي نستطيع تجنب تأثيراته السلبية وأسلحته الفتاكة أو تعزيز تأثيراته الإيجابية، ما أدّى في النهاية للإحساس بأننا أصبحنا في سوق كبيرة وعشوائية رقمية غير عادية تختلط فيها الأمور وتختل المعايير أحيانًا بشكل مرعب، ويمكن استخدامها للتوجيه من قبل بعض الدول ضد الأخرى إلى حد وصفها بأنها إحدى آليات حروب الجيل الرابع للتأثير على الشعوب.
نحن إذن أمام مشكلة حقيقية إذا لم يتم توجيه سلوك وطاقات مستخدمي الإنترنت ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في مصر بما يحقق منافعهم الخاصة ومصالح الوطن الاستراتيجية والحفاظ على قيمه وتقاليده العريقة من أي تأثيرات والسيطرة على تلك العشوائيات الرقمية التي يماثل خطرها العشوائيات السكنية لأن مصر دائمًا تستحق الأفضل.
لم يتبقَ ليّ، وأنا أشعر بكل التقدير والفخر الحقيقي لانضمامي إلى قائمة كتاب القاهرة 24 أحد أفضل المواقع الإخبارية في الوطن العربي وأكثرها نموًا طبقًا للتقديرات الرقمية العالمية، وجاء ضمن أكثر عشرة مواقع إلكترونية يتصفحها المصريون هذا العام، إلا أني أتقدم بكل شكري وامتناني لرئيس تحريره الشاب البشوش ومتفجر الطاقة، وكل المجتهدين الرائعين فريق عمل هذا الكيان، الذي ولد ليكبر عملاقًا حقيقيًا وفي طريقه للقمة ضمن الكبار، وأصبح منصة تنوير إعلامية حقيقية تضع نصب أعينها مصر والمصريين في الداخل والخارج، وعلى وعد بأن أبذل قصارى جهدي في دراسة وبحث وإطلاع دولي في مجال تخصصي؛ محاولًا أن أنقل خلاصته إلى جمهور القاهرة 24 الرائع الواعي شريك النجاح الوفي.