سيناريو طالبان في إدلب.. هل تسعى تحرير الشام لتكرار الحركة الأفغانية بسوريا؟
في إدلب شمالي سوريا، تشن هيئة تحرير الشام، بقيادة أبو محمد الجولاني، صاحبة النفوذ الأكبر في المدينة، حملات أمنية لطرد الجماعات الجهادية الأخرى من مناطق سيطرتها، آخر هذه الحملات نهاية أكتوبر الماضي، عندما هاجمت جماعة جنود الشام التي تضم مسلحين أجانب وتتمركز في منطقة مهمة.
ومع تكرار هذه الحملات، باتت الجماعة التي كانت تتبع تنظيم القاعدة سابقا تحت اسم "جبهة النصرة"، تواجه اتهامات بالتآمر على المعارضين للنظام السوري.
سيناريو حركة طالبان في أفغانستان لم يكن بعيدا أيضا، عن ترجمة سلوك الجماعة المتشددة التي تقاتل جماعات جهادية أخرى، على اعتبار أن ذلك يمنحها ثوب محاربة المتطرفين وحل معضلة المقاتلين الأجانب، ويتماشى ذلك مع انفصالها قبل سنوات عن تنظيم القاعدة المتطرف والتخلي عن أجندته للجهاد العالمي وقصر أجندتها على الوضع المحلي، فضلا عن تقديم نفسها كمسيطر على الوضع في إدلب.
وشنت هيئة تحرير الشام حملتها الأخيرة، على جبل التركمان حيث تتمركز جماعة جند الشام، التي تضم مقاتلين من الشيشان وأذربيجان وتركيا، بالإضافة إلى بعض السوريين، ويتزعمها مسلم الشيشاني، بدعوى أنها تؤوي مطلوبين أمنيا، وتمكنت الهيئة بالفعل من تفكيك هذه الجماعة وطردها من المنطقة.
مفتاح الحل لتفاهمات روسيا وتركيا
جاء هجوم الهيئة على معقل جماعة جنود الشام، بعد أيام من تعرض رتل للجيش التركي لهجوم بقنبلة على طريق إدلب باب الهوى، بواسطة سيارة مفخخة، وسط مطالبات روسية متكررة بإنشاء ممر آمن على طرفي طريق مرور الدوريات المشتركة M4، ومع سيطرة هيئة تحرير الشام على المنطقة الآن، فإنها باتت تسيطر على منطقة حساسة للغاية لقربها من الحدود التركية ووقوعها على خطوط التماس مع قوات الحكومة السورية.
ويقول مصدر جهادي في إدلب لـ القاهرة 24، إن هذه الحملات التي تشنها جبهة تحرير الشام، بشكل متكرر على جماعات أخرى صغيرة، يندرج بعضها تحت تصفية المنافسين للانفراد بـ "ساحة الجهاد"، ومن ذلك الهجمات التي شنها على حركتي أحرار الشام ونور الدين الزنكي، بينما يندرج البعض الآخر تحت توصيات خارجية، معتبرا أن الهيئة تنفذ التفاهمات بين تركيا وروسيا.
وتابع المصدر: هناك وسيط في هذه الاتفاقيات مع روسيا وتركيا، فالاتفاقيات تتم بين تركيا وروسيا، أما الجولاني فهو مُنفذ فقط، مشيرا إلى سيطرة الحكومة السورية وقوات روسية على مناطق الجماعات، التي دخلتها هيئة تحرير الشام بعد ذلك بفترة وجيزة.
سيناريو طالبان الأفغانية
تسعى هيئة تحرير الشام، إلى إبعاد الجماعات الجهادية الأخرى والانفراد بالساحة في إدلب، وإدارة نقاط التماس المختلفة بنفسها للسيطرة على قرار الحرب والسلم، وهذه المساعي لا يمكن فصلها عن قرارها السابق بالانفصال عن تنظيم القاعدة وأجندته للجهاد العالمي، وتعريف نفسها كفصيل محلي تقتصر أجندته على الوضع في سوريا، وينتسب للمعارضة والثورة.
ويرى محللون، أن الهيئة تسعى من وراء ذلك إلى بسط نفوذها وحكمها المنفرد للمناطق الخاضعة لها، ليكون لها حصة في أية اتفاق بشأن الشمال السوري، ولتأكيد قدرتها على التعامل مع ملف المقاتلين الأجانب المقلق للفاعلين في الملف السوري، وإثبات قدرتها كذلك على ضبط إيقاع الجماعات الجهادية الأخرى، وأنها المسيطر الوحيد والقادر على منع الهجمات على القوات الروسية والتركية.
من جانبه، يقول الدكتور هاني نسيرة، الباحث في شؤون الجماعات المتشددة، إن جبهة تحرير الشام، شأنها شأن الحركات الإرهابية الأخرى في المنطقة، تستلهم نموذج حركة طالبان، مشيرا إلى تعبير الهيئة بوضوح عن هذه الفكرة في البيان، الذي رحبت فيه بسيطرة حركة طالبان على أفغانستان، واعتبرت أن هذا الحدث يدفعها لاستلهام الصمود والثبات من التجارب الحية.
واعتبر نسيرة، أن هيئة تحرير الشام تقترب من الاستراتيجية الطالبانية، بتركيزها على المحلية في سوريا، وحرصها على إقامة علاقات مع الدول التي رعت مفاوضات طالبان، فضلا عن سمة خطابها الحالي الأكثر فكرية وسياسية وتقل فيها نزعتها السلفية والمتشددة التي كانت في البداية.
أيضا فإن سقوط طالبان وعزلها ثم عودتها، كان درسا لم تتعلم منه الحركة الأفغانية فقط، بل كان عبرة ودرًسا تعلمت منه الجماعات الإرهابية الأخرى في المنطقة، بأن العنف ليس خيارا مؤبدا ومستمرا طوال الوقت، ولكنه خطوة نحو التفاوض والاعتراف وأحد موازين القوى في العملية السياسية والتسوية فيما بعد.