الرواية والريف.. يحيى حقي ينقل واقع القرية المصرية بين الأمس واليوم في صح النوم
الكثير من الروايات جعلت الريف المصري موضوعا لها، واستطاعت أن تصور عالم القرية وتنقله بحرفية عالية، ورصدت الروايات أيضا ملامح الشخصيات التي تعيش في الريف وعلاقاتها بالآخرين.
من الروايات التي اتخذت الريف مكانًا لها تدور فيه أحداثها، رواية صح النوم للكاتب يحيى حقي، التي كتبها عام 1954 وهي قصة قرية مصرية الملامح «راقدة بين الغيطان»، تعيش في عزلة وشبه انقطاع عن المدينة، لا يقف فيها القطار، ولكنها لا تتحسر على هذا، بل تفلسفه، وتخترع له محاسن خفية.
يقول محمد حسن عبد الله في كتابه الرواية والريف: نتعرف على طبائع الحياة في القرية من خلال عدد من الشخصيات، تتردد على مكان واحد هو «الحان»، وتنفرد كل شخصية بحكاية: صاحب الحان، والقصاب، والقزم، وزوج العرجاء والفتى الفنان، وهذه شخصيات القسم الأول من الرواية الذي يمثل الأمس، وسنلتقي بهذه الشخصيات ذاتها في القسم الثاني، وعنوانه اليوم مضافا إليها عدد استدعته عوامل التطور في القرية، وبخاصة بعد أن أنشئت بها محطة وتوقف فيها القطار، مثل: کناس المحطة، وجندي المطافئ. ويعتبر «الأستاذ صانع التغيير في هذه القرية الرمز، فوصوله إليها، أو عودته من اغترابه وتسلمه زمام أمورها يعد الحد الفاصل بين قسمي الرواية: الأمس، واليوم.
ويضيف محمد حسن عبد الله: القرية في أمسها، وكما نتصورها من خلال شخصيات الحان، تعيش حياتها المعزولة العزلاء، في دعة واستسلام للمقادير، لا تكاد تحس حركة الزمن، وترى في كل صفة سلبية جانبا مفيدا، حتى الحان الذي يسلب نقود الرجال ويغريهم بهجر بيوتهم قد أسند إليه الكاتب أو القرية فائدة، فهو الذي يفصل النساء عن الرجال فترة من الزمن، تعتدل فيها النفوس وتنسی المشاحنات، ويرد الرجل لداره وهو أشد شوقا لزوجه وحنانا لها، ولكن اختيار الحان مكانا وحيدا للتعرف على نماذج من رجال القرية، وطرف من حكايات بيوتهم، حكم الرؤية، وحدد الصفات، والنهايات أيضا.
القرية رمز مصر
ويرى محمد حسن عبد الله أنه إذا كانت القرية هنا رمزا لمصر، تحديدا، فإن الأستاذ راوي الرواية هو عبد الناصر، أو ثورة 23 يوليو التي أنهت مرحلة وبدأت مصر بها مرحلة جديدة. والأستاذ كما تصوره رواية صح النوم ابن القرية، يملك فيها أرضا سخية، كان مغتربا وكان يدير الأرض من خلال وكيل، لكنه قرر العودة.