البقاء للقارئ والحياة للكاتب
قرأتُ لنزار القباني الشاعر الدمشقي حين قال عن أثرِ الكتابة شاعرًا:
لكن شيئًا فيكِ أقنعني
وعلمني القراءة والكتابة
والحروف الأبجدية
فإذا بسنبلة تمشط شعرها في راحتيه
وإذا بعصفور صغير جاء يشرب من مياهي الداخلية
الله.. كم هو رائع أن تصبح امرأة قضية، فالكتابة في حدّ ذاتها (امرأة يكسوها الجمال)، بل قضية تستحق أن نقف أمامها بكُلِّ تأمل كما وصفها الكُتّاب، فهم وحدهم دون غيرهم من استطاعوا فكّ شفرة الغموض؛ وذلك كفيلٌ بأن يجعلنا في فضولٍ دائمٍ لشوق القراءة؛ فالأعمال التي تمتلك مكانة وقدرًا من القيمة، تأتي من عقلية قررت الغوص في بحر المعرفة والقراءة، وإضافة لقولي: الحب والشغف هما المحركان الأساسيان لكُلّ حلمٍ بات ظاهريًا بأنه لن يتحقق، لكن بالحب والإيمان تُقام الثورات، ويولد الإبداع، ويُعلن عن الحب المستحيل، فالكتابة ثورة في ذاتها تُعلن كُلّ حين.
فالحالة التي أشعر بها الآن للسعادة ناتجة عما رأيته في حفل حضور IRead Awards 2021 ـ فـ(الحلم والفكرة) كانا الدافع الرئيسي لتحقيق تلك المؤسسة لهدفها، وها هو الآن الحلم أصبح حقيقيًا، بل الحلم أصبح مشاركًا فيه كل المواهب التي يحركها الشغف والحب، فلم يكن أمامهم سوى العزيمة للبدء، والوقوف على نقطة البداية للوصول إلى الهدف، فقد عزمت المؤسسة على إثارة روح التحدي داخلهم، عندما أعلنت المبادرة عن مسابقة – الدورة 2 للسنة الثانية - ليشارك فيها آلاف المتسابقين بفئات عمريّة مختلفة حيث الأجناس الأدبية المتنوعة؛ مثل: "أفضل عمل أدبي صاعد"، و"القصة القصيرة"، لم يكن هدف المبادرة هذا فحسب، لكنها كانت تستهدف القراء أيضًا؛ لتعلن عن مسابقات لهم، على سبيل المثال: "المراجعات المصورة للكتب"، وجاءت تصويتات الداعمين لــ IRead ليفوز المشتركون الواصلون للمركز النهائي للتصويتات؛ ليفوز على سبيل الرصد لا الحصر في مسابقة أفضل عمل أدبي صاعد: الكاتب: "أسامة عبد الرؤوف الشاذلي"، الحائز على المركز الأول عن روايته: "أوراق شمعون المصري"، وكنت في غاية السعادة لأنني كان لي شرف تقديم دراسة نقدية موجزة عنها، فشعرت أن نجاحها جزءٌ منّي، ثم الكاتب: "باسل عبد الحميد نوفل"، الحائز على المركز الثاني عن روايته: "خادم الصليب"، والكاتب: "علي صيام"، الحائز على المركز الثالث عن روايته: "العدالة السوداء".
ولم تغفل المبادرة أهمية الغلاف وإبداعه وأهميته في إثارة شغف عقل القارئ، ليتخيل ما يدور في فلك العمل الذي جذبه ليجتذبه من رفوف المكتبات في مسابقة أفضل غلاف بتصويت الجمهور:
المركز الأول: "عبد الرحمن الصواف"، عن رواية: "الابن الأكبر للسيد روجر"، والمركز الثاني: "كريم آدم"، عن رواية: "كونداليني"، والمركز الثالث: "أسامة علام"، عن رواية: "عراف القرية".
لم تكن عناوين الأعمال الأدبية المرشحة جذابة فحسب، لكنها كانت في صميمها تحمل رسالة إنسانية، تنم عن التحدي لبلوغ الهدف، تخيلت وقتها وأنا بين الصفوف أُشاهد التكريم مدى الإرهاق والتعب لكلٍ منهم ليصلوا إلى هذه المكانة. فمن خلال تلك المسابقات التي أطلقتها المؤسسة أدركت مقصد "نيتشه" حين قال: "لا أحد يستطيع أن يمنعك من تحقيق نجاحك إلا أنت"، ففي السابق كانت المسابقات تطلق من قبل وزارة الثقافة، وأحيانًا دور النشر، والآن أصبح العالم ميسرًا على نطاق أوسع لكل موهبة تريد بلوغ هدفها، كما قلت: الكتابة والقراءة ثورة وقضية لا بد أن تدعمها كل المؤسسات العامة والخاصة؛ فرسالة الكتابة توثيق تاريخ الأمم والإنسانية، وليس الهدف الإمتاع فحسب، فبذلك ستكون رسالة من أرقى الرسالات؛ لأنها تحمينا من الوحدة كما قال "بيكو": "القراءة تصنع إنسانًا كاملًا، والمشورة تصنع إنسانًا مستعدًا، والكتابة تصنع إنسانًا دقيقًا". أظن أن مؤسسة IRead حاولت تغطية كل الجوانب التي من خلالها تستطيع الوصول لقلب كل إنسانٍ حالمٍ طامحٍ في بلوغ هدفه لتمهد له الطريق؛ليجد من خلال فوزه أنه مكرم تكريمًا يليق به.
أمَّا عن القراءة فهي التي تصنع "الكيان"، يكفي أن الكتاب الصديق الذي لا يخون، من هنا كان هدف المؤسسة إلقاء الضوء على أهمية الكتّاب في زيادة وعي الفرد في ظل الضغوطات الحياتية، إضافة لذلك تقديم رسالة للجميع وللإنسانية عن مدى تشكيل القراءة للذكريات داخلنا، أضف لذلك أنها تخلق الإدراك الواعي للحياة، فيخبرنا "ثيودور أدورنو" عندما سأل أحد السائلين "أرسطو": كيف تحكم على إنسان؟ فأجاب: أسأله كم كتابا يقرأ؟ وماذا يقرأ؟ بالنسبة للإنسان الذي لم يعد لديه وطن، تصبح الكتابة مكانًا له ليعيش فيه.
لكن يأتي السؤال: هل هدف المؤسسة القارئ وتقديم الكُتّاب الجدد والمواهب والأعمال الصاعدة فقط؟
لنذكر الأهداف التي لاحظتُها علي سبيل المثال:
1- تخليد أثر من غابوا:
في حقيقة الأمر إنها تستحق مسمى مؤسسة؛ لأن منها جاء التأسيس لكل هدف صغيرٍ وكبيرٍ؛ لأنها كما وضعت الكتابة للتاريخ، والقراءة للتثقيف، والحلم للتحقيق، حاولت تمجيد تخليد الأثر في صناع العوالم الخاصة؛ مثال: "أحمد خالد توفيق"، الروائي الذي صنع عالم رواية: "اليوتوبيا والديستوبيا"، ذلك الإنسان الذى جعل الشباب يقرأون، هنا يتحقق انقطاع عمل الإنسان إلا من العلم الذي تنتفع به البشريّة، وإلى جواره مشكل طفولي ومشكل طفولة جيل التسعينيات الراحل العبقري: "نبيل فاروق"، فقد كنت في غاية التأثر عندما شهدتُ التكريم الصادق لهما، ومعه تصفيق دام لأكثر من دقيقتين؛ ليقرأ "أحمد مراد"، الكاتب والسيناريست المؤسس لــ IRead، ورئيس مجلس إدارتها متأثرًا؛ قائلًا: "الأدباء يعيشون مرتين، مرة في حياتهم الحقيقية، ومرة في قلوب قرائهم بأعمالهم". ليس هذا فحسب، جاء تكريم الحاج: "محمود العربي"، رجل الأعمال المصري- رحمة الله عليه- وعضو رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات العربي التي تأسست 1964، كل هذا النجاح أساسه كان الحلم، فتكريم العربي جاء لدعم كتابة السير الذاتية التي من خلالها تخلق القدوة والإلهام.
2- دعم المؤسسة للمرأةShe Read:
لم ينكر أحد دور المرأة، فالمرأة كائن يشكله الجمال شكليًّا وروحيًّا يتطوق إليه الجميع، لكن ما بالكم أن يكلل هذا الجمال بالثقافة، فمن وجهة نظري أرى أن جمال المرأة الحقيقي في عقلها، وهذا بحق الأنوثة الصادقة، بلهي الثقافة حيث تجعلها القراءة كاملة الكيان، ولم تغفل المؤسسة هذا الدور، بل أعلنت عن دعم المرأة وتخصيص قسمًا يخصها مستقبليًّا خلال عام 2022 "She Read"، وأكدت "إنجي الصبان" رئيس مجلس الإدارة عن هذا الدور، والحق أنها لافتة تحسب لرؤية المؤسسة؛ فالمرأة في العمل الروائي هي الإبداع في عنصر الأحداث وتطورها، أليست بطلة العمل الروائي هي؟ فهي ليست فقط نصف المجتمع، بل هي حياة المجتمع، فعنها قالوا: "... عندما تحب المرأة تحب بصوت عالٍ، وتعبر عن حبها بالصورة والصوت، أما الرجال فيمتص حبه كما تمتص ورقة النشاف قطرة الحبر، ويتآكل قلبه تدريجيا كما يتآكل محرك السيارة من داخله".
3- الطفل المستقبل:
نحن في زمن يجري بسرعة شديدة، كلما حاولنا اللحاق به بعدنا، وكلمّا اقتربنا فقدنا، لا أعرف لماذا تجري الأيام بهذه السرعة، وفي ظل تلك السرعة تظهر أشياء كثيرة من حولنا؛لنجد أطفالنا يبتعدون عن الكتاب، في ظل سيطرة التكنولوجيا على وعيهم؛ لذلك قررت IRead تخصيص قسمًا خاصًا لتوعية وتشجيع الطفل على القراءة "Iread Kids"، فور سماعي عن تلك المبادرة التي سيتم افتتاحها أدركت أننا قصرنا من الناحية الإنتاجية لأدب الطفل، رغم أنه القسم الذي يصنع مستقبلًا، الذي لا يمكن التغافل عنه، وفي حقيقة الأمر هذه النقطة الثانية التي تحسب للمؤسسة.
"الكتاب الجيد يُقرأ مرة في سن الشباب، ومرة في سن النضج، ومرة أخرى في الشيخوخة، كالبناء الجميل الذي يجب أن يُشاهد فجرًا، وظهرًا، وتحت ضوء القمر".
أخيرًا، لم أكتب تلك المقالة من فراغ، لكن دعمًا للنجاح، ففي حقيقة الأمر إن مؤسسة IRead ليست مؤسسة عادية، لكنها حلمٌ بدأ بفكرة ليصبح حقيقة، هي مؤسسة قدمت الإجلال والتقدير لمن رحلوا عنّا بأجسادهم، لكنهم باقون بعظيم إبداعهم وأعمالهم، مؤسسة تُقدر الحلم والنجاح لتكرم الكثير من الصاعدين، بل تحترم رأي القراء بعد القراءة لتكرمهم على مراجعاتهم، مؤسسة تُدرك أن المرأة أساس المجتمع وأرضه، فما بالكم لو أرتوت تلك الأرض بالحب والتقدير، وشُكرت على ثقافتها، بالتأكيد ستقدم لمجتمعنا الكثير، مؤسسة لم تضع اللحظة الراهنة نصب أعيُنها، بل وضعت المستقبل المتجسد في أطفالنا إعمالًا بالحكمة القائلة: "إن المكتبة ليست من كماليات الحياة، ولا من لوازمها، ولا يحق لإنسان أن يربي أولاده دون أن يحيطهم بالكتب"؛ لأنه بعد كل ما ذكرت كان وسيظل البقاء للقارئ والحياة للكاتب.