طريق الكباش.. رسالة مصر القوية للعالم
لقد تربيت في منزل يعرف قيمة السياحة والحضارة لنشأتي الجنوبية في أسوان، فوالدي من أقدم رجال الإرشاد السياحي في مصر، وكان له باع كبير مع الآثار المصرية.
والحقيقة أنه بعد حفل افتتاح طريق الكباش الأسطوري بالأقصر؛ بدا أن مصر تلوح للعالم بأنها قادمة وبقوة، فاتحة أبوابها للسياحة في بلد الأمن والأمان، بعد أن واجهت صعوبات لم تكن أبدًا عائقًا في وجه جنودها العظام، ولِمَ لا ونحن من يملك الحضارة والدين والفن والسلاح.
فبعد أن كنت لا أسطيع النوم من ضوضاء الحافلات السياحية تحت شرفة غرفتي منذ أكثر من 20 عامًا، وبعد أن كنت أجوب كل أنحاء العالم من خلال المشي في شوارع الأقصر وأسوان، وأرى كل ثقافات العالم المتدفقة تكشف جمال بلادنا وحلاوتها، عشت لحظات حزن شديدة بعد أن رأيت المعالم السياحية والمحال والشوارع فارغة، والحزن يملأ وجوهًا لم تعرف سوى الضحك والفرح من قبل، ولكن بعد أن شاهدت هذا الحدث العظيم الذي جعل العالم ينظر إلينا بكل فخر مثمنًا هذه الحضارة؛ شعرت بقوة إيمان غير عادية بأن القادم أجمل، قوة إيمان لم أفقدها أبدًا بسبب ثقة تملأ قلبي منذ اللحظة الأولى التي أنقذ فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي سفينة بلادنا من لحظة غرق كانت يمكن أن تكون هي النهاية الأبدية.
عندما كنت أشاهد الحفل رأيت وجه الرئيس وهو يملأه الفخر بما يقدمه أبناؤه من إنجازات تحت قيادته الحكيمة، وزاد الأمر نورًا وجود حرمه سيدة مصر الأولى السيدة انتصار السيسي، فقد شعرت بأمان حقيقي وأنا أشاهد هذا الإنجاز العظيم، وهو واحد من سلسلة إنجازات تحققها مصر على أرض الواقع، ولن يكون الأخير بالتأكيد.
كانت السلطات المصرية قد بدأت ترميم طريق الكباش عام 2005، وهو المشروع الذي يضم أكثر من ألف تمثال على هيئة جسم أسد ورأس كبش، ويربط بين معبدي الكرنك والأقصر في جنوب مصر، ويبلغ طوله 2.7 كيلومتر، والذي شيده الملك (نختنبو الأول) مؤسس الأسرة الفرعونية الـ30 (380-362 قبل الميلاد)، بصورتها النهائية، حيث وضع تماثيل أبو الهول برؤوس الكباش مع نقش تذكاري، واستطاعت جهود فرق البحث والتنقيب إزالة أطنان من الرمال والأتربة بعمق نحو ستة أمتار تحت سطح الأرض، حيث عثر على نحو 1200 تمثال أعيد ترميم بعضها ونصْبه على جانبي الطريق، ولأول مرة منذ ما يقرب 3500 سنة يعود ليظهر إلى النور، ويراه العالم.
وبجانب الافتتاح الأسطوري الذي شاهده العالم؛ أعلنت الدولة عن مشاريع لترميم معبدَي الأقصر والكرنك، وتطوير نظم الإضاءة، إضافة إلى مشاريع أخرى في المدينة الأثرية، وهو ما يخلق العديد من فرص العمل بطبيعة الحال، فهذه البلاد بالتحديد كانت تعمل ليلًا ونهارًا وهو ما سوف يعيد الحياة مرة أخرى لهذه المنطقة.
نحن - أبناء الجنوب - تعودنا على رائحة الحجر والتراب حيث نقيم وسط المعابد العريقة، ولدينا احترام وعشق لأرض مصر، فقد علمني والدي المصري الجنوبي الأصيل قيمة الحضارة، وقيمة تراب هذه الأرض الغالية، وقيمة الصبر الذي تمتع به أجدادنا المصريون القدماء، حيث كان يقص على دائمًا ما مرت به مصر من أزمات على مر العصور، وكيف كانت تقف مرة أخرى أقوى من ذي قبل، وكان لديه إيمان غير عادي بأن السياحة المصرية سوف تعود لسابق عهدها بالصبر والعمل والثقة في قيادة مصر الحكيمة التي تقف دائمًا على كل المشروعات بكل تفاصيلها منذ التدشين وحتى الافتتاح.