ما فلسفة التأويل لدى ابن رشد.. ولماذا قسم الناس إلى مراتب؟
ابن رشد، الفيلسوف الأشهر في التاريخ الإسلامي، المتوفى في 10 ديسمبر من العام 1198، ويعد من أكثر المؤثرين في التاريخ الإسلامي، استطاع بأعماله الفلسفية دمج الفلسفة اليونانية القديمة مع الفكر الإسلامي وتقاليده، كما عمل على العديد من الأعمال الخاصة بأرسطو، حيث كتب سلسلة من الملخصات والشروح على معظم أعمال أرسطو، واشتهر له كتاب تهفت التهافت الذي دافع فيه عن المبادئ الفلسفية التي هاجمها الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة.
ولد ابن رشد لأسرة أندلسية من الفقهاء والمؤثرين، وكان جده شيخ للمالكية وإماما لمسجد قرطبة، ومن كبار مستشاري الدولة، درس العلوم المتعددة منذ نشأته، درس على يد أبي مروان بن عبد الملك، والفقيه ابن بشكوال، وأبي بكر بن سمحون، وأجاز له جعفر بن عبد العزيز أن يفتي في الفقه.
أسهم ابن رشد في التاريخ العربي والإسلامي، بالعديد من الأفكار الفلسفية والعقلية المهمة، ومنها قضية التأويل، والتي يعرفها ابن رشد بأنها إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية، والتأويل عنده يختص به الراسخون في العلم، وليس الجمهور، لذا الأمور المؤولة لا يكون فيها إجماع، وعلى هذا يفسد قول القائلين بكفر المؤولين.
ابن رشد المؤثر في العالم العربي والغربي
يعد التأويل، المفتاح الأهم لفلسفة ابن رشد، وقسم ابن رشد الناس إلى ثلاث مراتب، لبيان من يجوز في حقهم التأويل ومن لا يجوز، يقول: فالناس ثلاثة أصناف، الصنف الأول هو الجمهور، ويقصد العامة من الناس، أصحاب الفطرة، وغير المتفقهون، والثاني، أهل الجدل، وهم فرق المتكلمين، وهم من لم يرضوا النزول لمنزلة العامة، فأخذوا بالحكمة وأساليب التأمل، لكنه لم يرى بأنهم بلغوا مبلغ الأقوال البرهانية، وأما الصنف الثالث، فكان قوامه أهل الفلسفة والبرهان، الذين نشأوا على الفكر الفلسفي المحض.
على هذا التقسيم، الناس أصبحوا فريقين، فريقا من أهل التأويل، وهم ينقسمون إلى أهل التأويل الجدلي، وهم المتكلمة، وأهل التأويل البرهاني وهم الفلاسفة، وفريق ليس من أهل التأويل إطلاقا، وهم الخطابيون.
تأثر الكثيرون من الأوربيين بأفكار ابن رشد، ففي القرن الثاني عشر كون فردريك الثاني مجموعة من الباحثين لترجمة ما كتبه ابن رشد، لتساعده آراءه في مواجهة السلطات الدينية، وظهرت بعد ذلك ما يسمى بحركة الرشدية في باريس، وهم اعتبروا تأويلات ابن رشد لفلسفة أرسطو أصدق وأدق ما كتب.
وفي القرن السادس عشر، ظهرت أفكار مارتن لوثر متأثرة بابن رشد، حيث طالب بتأويل الإنجيل، وإعمال العقل في نصوصه، وذلك لمعارضته لرجال الدين الرومان الذي قال عنهم بأنهم يتحكمون في الدين، وكأنهم لا يخطؤون.