اكتشاف جينات مستقبلات اللمس والحرارة تحصل على جائزة نوبل للطب
يوافق اليوم العاشر من ديسمبر، يوم تقديم جوائز نوبل للفائزين، وهي أبرز الجوائز العلمية في العالم، وكما اعتدنا في السنوات الأخيرة لم تمنح الجائزة لباحث واحد فقط، وإنما يتبارى عليها منافسان كل عام في 6 مجالات، وفي هذا العام كانت المنافسة مشتعلة خاصة في مجال الطب لـ علم وظائف الأعضاء.
ووفقًا لما نشر في شبكة بي بي سي، كوفئ بها مناصفة الباحثان الأمريكيان «إرديم باتابوتان» و«دافيد جوليوس» وذلك عن دورهما في اكتشاف التركيب الجزيئي الدقيق للمستقبلات متناهية الدقة التي تستشعر بها أجسامنا الأحاسيس المختلفة لا سيما الحرارة والبرودة واللمس.
وباتابوتان هو صاحب 54 عامًا، هاجر من لبنان إلى الولايات المتحدة في شبابه على وقع الحرب الأهلية اللبنانية، وجوليوس 66 عامًا، من مواليد مدينة نيويورك الأمريكية، ودورهما في اكتشاف تفاصيل أدق عن كيفية تفاعلنا كبشر مع العالم من حولنا عبر الأحاسيس المختلفة.
فلا نحتاج لإطالة الحديث في إثبات أهمية الأحاسيس الجسمانية المختلفة لحياة الإنسان، ابتداءً من الحفاظ على بقائه على قيد الحياة أمام أخطار عديدة تحيط به، وصولًا إلى جميع منجزات الحضارة الإنسانية والتقدم العلمي والتقني، ويكفينا لتبين أهمية سلامة وجودة الإحساس الإنساني، أن نتأمل في مدى الضرر الذي يلحق بالإنسان عندما يفقد أعصابه الطرفية وظيفتها الحساسية كليًا وجزئيًا نتيجة أمراضٍ مختلفة مثل الجذام أو التهاب الأعصاب الناجم عن مرض السكري.
ولكن كان السؤال الذي أجابه جائزة نوبل هذا العام هو كيف يتحول مثير ما كالحرارة المنبعثة من جسم ساخن لمسته أيدينا، داخل خلايا مستقبلاتِنا العصبية، إلى إشارة كهربائية تسري من المستقبلات عبر أعصابنا إلى المخ، الذي يحللها ويترجمها إلى إحساس لسع الحرارة الذي نعرفه في أقل من أجزاء من الثانية.
وما فعله العالمان هو تطبيق جديد لـ "علم البيولوجيا الجزيئية"، المختص بدراسة التفاعلات الكيميائية متناهية الدقة داخل خلايانا، وعلاقتها بالمادة الوراثية وجيناتها الكامنة في أعماق أنوية تلك الخلايا.
مستقبلات اللمس والحرارة
في الحقيقة هذه ليست المرة الأولى التي تمنح فيها جائزة نوبل في الطب أو الفسيولوجيا من أجل اكتشافات تتعلق بالمستقبلات العصبية، ففي عام 1944، منح العالمان «هيربرت جاسر» و«جوزيف إرلانجر» تلك الجائزة، لاكتشافهما وجود المُستقبلات العصبية المختلفة لإحساس اللمس والألم وغيرهما، ولذا فإن ما أنجزه لاحقًا باتابوتيان وجوليوس، هو بشكل أو بآخر استكمال للطريق الذى بدأه جاسر وإرلانجر قبل أكثر من 70 عامًا.
ومنذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، ومع بزوغ شمس علم البيولوجيا الجُزيئية، واكتشاف الجينات المختلفة في المادة الوراثية، والتي يمكن ببساطة اعتبارها الكاتالوج التأسيسي الذي تبنى البروتينات المختلفة داخل خلايانا، والتي تقوم بالوظائف الحيوية المتنوعة، وكان العالم الأمريكي «دافيد جوليوس»، وفريقه البحثي في جامعة كاليفورنيا يبحثون عن الجين المسئول عن إنتاج البروتين القادر على استشعار الحرارة داخل خلايانا، من بين آلاف الجينات المحتملة.
واعتمدت أبحاث جوليوس على استثارة الخلايا حراريًا باستخدام مادة كيميائية مستخلصة من الفلفل الحار، وتعريضها خلايا تحتوي كل منها على جين واحد من الجينات المحتملة، ليحدث التفاعل مع الحرارة في الخلية الموجود بها جين معين، وينتج بروتينًا أسماه جوليوس TRPV1، وهو مسئول عن تكوين قناة تبادل الأيونات عبر غشاء الخلية، والكهرباء السارية في أعصابنا ما هي إلا تبادل أيوني خاطف السرعة.
وبعد اكتشاف الآلية الخلوية الدقيقة استشعار الحرارة والبرودة، انتقل باتا بوتان وفريقه البحثي إلى تفسير آلية عمل مستقبلات الإحساس باللمس والضغط، وإحساس المرء بموضعه في أجزاء جسده في الفراغ وهو مغمض العينيْن.
وبعد دراسة الخريطة الجينية جيدًا، حصر الفريق البحثي الاختيار بين 72 جينًا، وقاموا بإبطال عمل كل جينٍ منها في المرة الواحدة، حتى عثروا على الجين المحدد الذي بأبطاله توقف إحساس اللمس والضغط، وكان هذا الجين يمارس دوره عبر إنتاج بروتين مكون لقناة تبادل أيوي أسماه الباحثون piezo 2.
كما أن تلك الرحلة البحثية في أعماق خلايانا وجيناتنا، استغرقت من الباحثين 18 عامًا، وهذا بين عاميْ 1997 و2015، حيث تخللها نشر 8 أبحاث علمية موثقة في الدوريات العلمية الكبرى، وبالطبع بالتكريم المعنوي الاستثنائي الذي حازه العالمان تم تقديم الجائزة لهما، وبالجائزة المالية التي سيتشاركانها وتتجاوز قيمتها مليون ومائة ألف دولارٍ أمريكي.