علي جمعة: إدراك الواقع جزء من تجديد الخطاب الديني
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق، إن إدراك الواقع بعوالمه المختلفة جزء من أجزاء تجديد الخطاب الديني، ولا بد علينا من تحديد معنى الواقع المعيش الذي نحياه ونتعامل معه.
أضاف جمعة أن الواقع له عوالم خمسة وهى: عالم الأشياء، عالم الأشخاص، عالم الأحداث، عالم الأفكار، وعالم النظم، ويمكن أن نضيف إليها كل يوم ما يتناسب مع استقراء الواقع، وتحليل مكوناته.
وأكد جمعة أنه لا بد علينا أن ندرك أن هذه العوالم الخمسة في غاية التركب والتداخل، وليست منفصلة بأي صورة من الصور، مما يجعل من إدراك العلاقات البينية بين كل عالم فيها مع العوالم الأخرى جزء لا يتجزأ من فهم الواقع الفهم الدقيق الواضح، وأيضا لا بد علينا أن ندرك أن هذه العوالم ليست ثابتة، ولذلك فلا بد من تفهمها في تغيرها الدائم المستمر باعتبار أن هذا من سنن الله في كونه، "كل يوم هو في شأن".
تابع: إن عالم الأشياء يحتاج إلى منهج في التعامل معه مرده إلى العلم التجريبي الذي حقق عند المسلمين وغير المسلمين نجاحا باهرا في تسخير الكون والاستفادة منه وتحصيل القوة في مجال الصحة والحياة اليومية والعلم … إلخ. نحو حياة أفضل، والعلم التجريبي يجب أن نتخذه في ظل مفاهيم واضحة وهي:
(أ) أنه ليس هناك حد للبحث العلمي من أي جهة كانت، فإن الأمر عام ومطلق في شأن تحصيل العلم، وذلك في آيتين حاسمتين الأولى تفيد العموم والأخرى تفيد الإطلاق قال تعالى: (قل سيروا في الأرض فانظروا) [النمل: 69]، فأمر بالسير على عمومه، وبالنظر على عمومه وقال تعالى: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) [الزمر: 9]، فأطلق العلم ولم يحدد: يعلم ماذا ؟ هل يعلم الكونيات أو الشرعيات أو المفيد أو غير المفيد ؟
(ب) ومن المناسب أن ننبه أن العلم في لغة القرآن هو ذلك الذي يوصل إلى الله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) [فاطر: 28]، والعلماء جمع عليم، وليس جمع عالم، فجمع عالم عالمون وجمع عليم علماء، مثل حكيم وحكماء، وخبير وخبراء، وفقيه وفقهاء، قال تعالى::وفوق كل ذي علم عليم".
(ج) لا بد أن يلتزم التطبيق العلمي واستعمال العلم في الحياة بالأخلاق والأوامر والنواهي الربانية التي تريد للإنسان حياة سعيدة قوية تؤدي إلى التعمير ولا تؤدي إلى التدمير، تؤدي إلى حرية الإنسان والاختيار ولا تؤدي إلى سلب إرادته والإجبار، تؤدي إلى المساواة بين البشر ولا تؤدي إلى عبادة بعض البشر للبشر، وهيمنة الشمال على الجنوب، والقوي على الضعيف، فلا نتوصل بالاستنساخ أو الجينوم أو الهندسة الوراثية أو التدخل البيولوجي أو علوم الفضاء إلى الفساد الاجتماعي، أو الهيمنة التي تحصل المصالح لبعضهم على حساب الآخرين، أو تؤدي الخريطة الجينية إلى التسلط على الإرادة والتلاعب بالاختيار.