رامبو الحبشي.. الحكايات لا تكتمل إلا بموت أصحابها
تشارك رواية رامبو الحبشي.. للكاتب الإريتري حجي جابر، والصادرة عن منشورات تكوين، وفي نسختها المصرية صادرة عن تنمية للنشر والتوزيع، بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، صدرت تلك الرواية في 2021 ومُرشحة ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية.
وتعد الرواية من طراز خاص، وربما لا يكون مسيس الصلة بك كقارئ، بل ويدور عن شخصيةٍ محورية فيما يشبه السيرة، وفي مدينة أنا أثقُ أنك لا تملك عنها خمس معلومات صحيحة، لكنك لن تترك الرواية من يديك إلا حين تنهيها. والغريبُ أنك رغم كل ذاك ستجدُ فيها بعضًا منك؛ ماضيك أو مستقبلك.
بقدر ما يتعلق الأمر بالمستقبل؛ فإننا لا نراهُ على تمامه إلا حين يُصبح ماضيًا
رواية من طراز خاص، ذلك الطراز الذي ربما لا يكون مسيس الصلة بك كقارئ، بل ويدور عن شخصيةٍ محورية فيما يشبه السيرة، وفي مدينة أنا أثقُ أنك لا تملك عنها خمس معلومات صحيحة، لكنك لن تترك الرواية من يديك إلا حين تنهيها. والغريبُ أنك رغم كل ذاك ستجدُ فيها بعضًا منك؛ ماضيك أو مستقبلك.
سحرٌ خالصٌ سيقودك إلى النهاية، نهاية الهروب الأبدي الذي ألقت فيه ألماز بنفسها، نهاية الغموض الذي يحيط بحبيبها الشاعر الفرنسي آرتور رامبو، نهاية المدينة الخلابة التي كانت كشرار النار يجذب ألماز تمامًا كما تنجذبُ الفراشات، نهاية الصديق "جامي" الذي طالما تمنى أن يصير حبيبًا لكنه أبدًا لا يصبح.
تأخذنا رامبو الحبشي إلى العشيقة أو الحبيبة ألماز التي لم يعرج رامبو على ذكرِها قط، وكيف يتحدثُ شاعر اشتُهر بمثليته الجنسية عن حبيبة امرأة. أسقطها تمامًا من ذكرياته وذاكرته وكل ما كتب. ولكن لأن الحكاية لا تكتمل إلا بموت أصحابها- نعم، فالحكايات لا تكتمل في حياة أصحابها قط- قفزت ألماز إلى لسانٍ آخر تحدَّث عنها في مرورٍ عابرٍ ألا هو أحد أصدقاء رامبو.. وهنا كانت الشرارة التي أكادُ أرى التماعاها الأولى في حدقتيّ حجي جابر.. أرى الأسئلة، وأرى البحث المحموم عن كل ما كتب آرتور رامبو؛ رسائله، أشعاره، بل وما كُتب عنه أيضًا علَّه يجد خيطًا آخر يوصلهُ إلى الفتاة الحبشية. أرى الانسياق اللا إرادي خلف هذا الخط الهامشي من حياة رامبو؛ ومنذ متى لا ينجرف حجي جابر وراء الهامشي.
الانتماء للوطن والهروب من القهر
الانتماء، الشتات، الحنين للأرض، التهميش، الهروب، ثيمات لا يمكنك أن تفلتها أو تتجاهلها وأن تقرأ حجي جابر؛ ذلك الروائي الذي يعبِّر بوضوح الجبل ودقة الرصاصة أن للأرضِ اعتبار. وهو مع ذلك يتحركُ باتزان بين كونه كاتبًا إريتريًا تحضر إريتريا في كتاباته وبين كونه تنقَّل بين البلادِ فخبِرَ الشتات وأهله وأثره ومداه، فأورثه أبطال حكاياته.
تعيش ألماز الحبشية رفقة رامبو، تخدمه وترعاه؛ وتحبه. ولكنه إمعانًا في التهميش وتجاهل العالم –كل العالم- لأبطال حجي جابر، جعلها بعيدة كل البُعد عن أن تصبح عشيقة بالمعنى الحِسيّ الملموس الذي يتبادر إلى الأذهان. جعلها رفيقة ربما، ونيسة، أليفة؛ كما القطط التي كان يرعاها رامبو ويحرص على إطعامها. كان يرعاها ضمن من يرعى، ويحبها ضمن من أحبَّهم في هرر المدينة الساحرة التي تختلط فيها روائح القات بالبخور بالدم بفناجين القهوة على نواصي الأسواق.
هل تنتظر أن ينتصر حجي جابر لـ ألماز وأن تنال قدرًا من الاعتراف؟ هل تنتظر وهو يلعب بمشاعرك روحةً ومجيئًا أن تجد انتصارًا ولو لمُهمَّشٍ واحد في هذا النص؟.
لا.. لن تجد الانتصارات في هذا النص بالتحديد، وكأنه –حجي جابر- يُربِّت على يديك موحي: لا بأس، فالجميع ينهزم، النفوس تنهزم، والأجساد تنهزم، والآمال تنهزم، حتى المدن العتيقة قد تنهزم.
ولا يفوتُه أن يُذكِّرك في خاتمة نصه البديع، وللمرة الثانية أنه "بقدر ما يتعلق الأمر بالمستقبل؛ فإننا لا نراهُ على تمامه إلا حين يُصبح ماضيًا.