تجميد قانون زراعة الأعضاء يُشعل سوق السماسرة.. ومصريون يوثقون موافقتهم على التبرع بعد وفاتهم
توفى سليمان فريد- 17 عاما، ابن قرية الزعاترة التابعة لمحافظة دمياط، في أغسطس الماضي؛ بعد معاناة لمدة 7 أشهر مع مرض القلب، حيث أقر الأطباء حاجته الملحة إلى زراعة قلب خارج البلا؛ إثر معاناته من تضخم عضلة القلب، وضعف البطين الأيسر والأيمن.
سليمان توفي؛ رغم جهود أبناء قريته في جمع تبرعات له، لعلاجه خارج البلاد، لعدم إمكانية إجراء العملية داخل مصر، بسبب عدم سماح قانون زراعة الأعضاء في مصر بنقل بعض الأعضاء من المتوفين حديثا، رغم موافقتهم على ذلك في حياتهم.
سليمان فريد واحد من آلاف المصريين الذين يفقدون حياتهم؛ بسبب حاجتهم لإجراء عملية نقل أعضاء، ولكم لا يتمكنون من ذلك؛ بسبب عدم تفعيل قانون زراعة ونقل الأعضاء، الذي يتيح نقل الأعضاء من شخص متوفى حديثًا إلى آخر على قيد الحياة، في الوقت الذي أقرت فيه دول عربية عدة، القانون ذاته، على عكس مصر.
وحول هذا الأمر، يقول الدكتور أسامة عبد الحي، وكيل نقابة الأطباء، إن اللائحة التنفيذية لقانون زراعة الأعضاء، لم تصدر حتى الآن، رغم إقرار القانون، وهو ما يترتب عليه أن يصبح القانون والعدم سواء، فلا فائدة منه؛ ما دام لا يطبق على أرض الواقع.
عدم تفعيل القانون لم يمنع بعض الشباب من توثيق موافقتهم في الشهر العقاري بإقرارهم بالتبرع بأعضائهم بعد وفاتهم؛ من أجل إحياء آخرين، في أمس الحاجة لاستبدال عضو أو أكثر ليتمكنوا من البقاء على قيد الحياة.
يوسف وبيشوي ونانسي.. 3 أشخاص، من أصل 12 وثَّقوا موافقتهم على التبرع بأعضائهم بعد الوفاة داخل الشهر العقاري، ليتمكنوا من إنقاذ أكبر عدد ممكن من المرضى، وقد التقى موقع القاهرة 24، لمعرفة سبب ذلك.
يوسف: اتهموني بالجنون في البداية
يوسف راضي، هو أول مصري يوثق إقراره بالموافقة على التبرع بأعضائه بعد وفاته، في الشهر العقاري، بتاريخ أبريل 2017.
اتخذ يوسف قراره؛ بعد تفكير طويل، أراد أن يساعد كل مريض يتألم، فقرر توثيق رغبته في الشهر العقاري رغم عدم تفعيل قانون زراعة ونقل الأعضاء من متوفين حديثًا إلى آخرين في مصر حتى اليوم.
يقول راضي في تصريحات خاصة لـ القاهرة 24: فكرتي قوبلت بالرفض في بادئ الأمر من المحيطين بي بل واتهمت بالجنون باعتبار أن الفكرة جديدة، ولكن بعد مناقشات استطعت أن أقنع البعض بتوثيق تبرعهم في الشهر العقاري أيضا.
وعن تجربة التوثيق التي كان بطلها يوسف في أبريل عام 2017 آنذاك، يقول: لم يكن هناك معلومات لدى العاملين بالشهر العقاري عن قانون زراعة الأعضاء الذي تم مناقشته عام 2010 في البرلمان المصري، ولكن بعد إطلاع الموظفين على منشور فني رقم 2 لسنة 2011 قاموا بعمل صيغة نهائية لإقرار التبرع الخاص بي تم مراجعته من الجهات المعنية وتوثيقه، ولكن للأسف بعض ممن أرادوا التبرع لم يتمكنوا من التوثيق لعدم تعاون موظفي الشهر العقاري في محافظاتهم وعدم درايتهم بالأمر، ما تسبب في وجود عائق كبير أمام المتبرعين.
وعن عدد التوكيلات التي وُثقت، يقول يوسف صاحب المبادرة، إن العدد يقدر بـ10 توكيلات، مشيرا إلى أهمية أن تتخذ اللجنة العليا لزراعة الأعضاء بالتعاون مع وزارة الصحة موقفا حاسما في هذا الملف الحيوي، لتيسير العوائق أمام المتبرعين خاصة أن من يدفع فاتورة التأخير المرضى فحسب.
دانيال: أسرتي لا تعلم شيء
"أسرتي لم تعلم بعد بانني وثقت العقد في الشهر العقاري دون أن أخبرهم" بتلك الكلمات بدأ بيشوي دانيال 30 عاما مهندس برمجيات رواية تفاصيل تجربته مع توثيق عقد تبرعه بالشهر العقاري، قائلًا: أري أن عدم البت في قانون زراعة الأعضاء من المتوفين حديثًا في مصر يرجع لعدم وجود عدد كبير من المتبرعين فعليا.
يضيف بيشوي لـ القاهرة 24: أرى أن التبرع بالأعضاء بعد الوفاة سيكون سببًا في حياة آخرين ممن فشلت أعضائهم، وقد أكون أنا أو أحد معارفي من بين المنقول لهم يومًا ما فالأمر بيد الله ولا أحد يعلم ماذا سيحدث له مستقبلًا، مشيرًا إلى أنه وجد عدم وعى لدى البعض بهذا الأمر وكان من بينهم موظفي الشهر العقاري الذين قمت بإطلاعهم على القانون الخاص بالتبرع، مشيرًا إلى ترحيب الموظفين ومعاونتهم له ليتمكن من التوثيق بعد أن اقتنعوا بالأمر متسائلًا ما الضرر الذي سيقع على المتوفى حال تطبيق القانون الذي لم يشهد النور بعد؟.
نانسي أول بورسعيدية توثق موافقتها على التبرع بأعضائها: عائلتي دعمتني
تقول نانسي بربر، 28 عاما، من محافظة بورسعيد، إنها بحثت لسنوات عدة عن طريقة توثيق عملية التبرع بالأعضاء، ولم تجد سبيلًا لتوثيق عملية التبرع بالأعضاء في الشهر العقاري، إلا قبل فترة قصيرة.
تروى نانسي قصتها لـ القاهرة 24، قائلة قررت التبرع بأعضائي وقمت بتوثيقه في الشهر العقاري جاء قراري بعد أن وجدت الكثير من المرضى بحاجة لزراعة أعضاء ويموتون لعدم إجراء العمليات، مضيفة تأخير البت في قانون التبرع بالأعضاء من المتوفين حديثًا تسبب في تزايد قائمة انتظار من هم بحاجة لزراعة الأعضاء، مشيرة إلى دعم عائلتها لها في قرارها الأخير.
تضيف: موظفو الشهر العقاري لم يكونوا على علم بأن هناك قانونا للتبرع وطرحوا في بادئ الأمر كتابة وصية مغلقة وليست توكيل موثق إلى أن قمت بتعريفهم بالقصة والقانون حيث أن الوصية تفتح بعد الوفاة وهو ما يعوق عملية التبرع التي تتطلب أن تكون الوفاة لم يمر عليها 6 ساعات.
أستاذ أمراض باطنة بقصر العيني: سماسرة الأعضاء المستفيد الوحيد من عدم تطبيق القانون
يقول الدكتور صلاح الغزالي حرب، أستاذ أمراض الباطنة بقصر العيني، رئيس اللجنة القومية لمكافحة مرض السكرى سابقا: سبقنا العالم منذ سنوات عدة في إجراء عمليات زراعة الأعضاء من متوفين حديثًا ما دام أن الأعضاء سليمة وصاحبها وافق على التبرع للغير قبل وفاته وكتب وصية أو إقرار بذلك ويتم إجراء العمليات في الخارج بدقة وسرعة متناهية، وتأخذ الأعضاء بسرعة عقب الوفاة حيث أن نقل الأعضاء يتطلب أن تتم العملية خلال سويعات قليلة، متابعا: تأخذ الأعضاء في الخارج من ضحايا الحوادث الذين أقروا قبل وفاتهم بالتبرع بأعضائهم عقب الوفاة طبقا للآية الكريمة "فمن أحياها كمن أحيا الناس جميعا".
واستنكر الغزالي، في تصريحات لـ القاهرة 24، اعتراض البعض على إجراء عمليات زراعة الأعضاء من المتوفين حديثا وبخاصة المتشددين دينيا هم من كانوا يعارضون إجراء العمليات، مشيرا إلى استفادة البعض من أزمة عدم إقرار القانون وتربح تجار وسماسرة الأعضاء من عدم إقرار القانون متهمًا مجلس النواب بالتقصير لعدم البت في القانون الصادر 2010 والذي لم يفعل بعد في مصر كما أتهم مجلس الوزراء بالتقصير أيضًا لعدم تفعيل قانون لا زال حبيس الأدراج.
وتابع: مختلف دول العالم سبقتنا في إقرار هذا القانون ومن بينهم المملكة العربية السعودية، مشيرًا إلى ضرورة الحزم والحسم في ملف ضروري كهذا، متابعًا ضحايا عدم إقرار هذا القانون في مصر كثيرين نتاج فشل عضو وعدم زراعة بديل يتسبب في وفاة العديد من المرضى سنويا.
وأشار إلى أن المتشددين والسلفيين لعبوا دورا سلبيا خلال السنوات الماضية وكانوا سببا في عدم إقرار القانون، أما الآن فيواجه القانون محاولات عدم تطبيق لاستفادة عدد كبير من السماسرة من وراء عدم تفعيل القانون.
مفتي الديار المصرية: زرع الأعضاء البشرية من ميت لحي جائز بضوابط
وعن الموقف الديني من التبرع ونقل وزارعة الأعضاء، يقول الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتى الديار المصرية: من الوسائل الطبية التي ثبت جدواها في العلاج والدواء والشفاء بإذن الله تعالى للمحافظة على النفس والذات، نقلُ وزرع بعض الأعضاء البشرية من الإنسان للإنسان، سواء من الحي للحي أو من الميت الذي تحقق موته إلى الحي، وهذا جائز شرعا إذا توافرت فيه شروط معينة تبعد هذه العملية من نطاق التلاعب بالإنسان الذي كرمه الله ولا تحوله إلى قطع غيار تُباع وتشترى، بل يكون المقصد منها التعاون على البر والتقوى وتخفيف آلام البشر، وإذا لم توجد وسيلة أخرى للعلاج تمنع هلاك الإنسان.
وأضاف: هذا الترخيص والجواز في نقل الأعضاء من الميت إلى الحي يشترط فيه أن يكون بعيدًا عن البيع والشراء والتجارة بأي حال، وبدون مقابل مادي مطلقًا للمعطي صاحب العضو إن كان حيا أو لورثته إن كان ميتًا، ويشترط في جميع الأحوال وجوب مراعاة الضوابط الشرعية للترخيص بنقل الأعضاء الآدمية من الميت إلى الحي.
قانون زراعة الأعضاء من متوفين حديثًا حبيس أدراج البرلمان من 2010
قانون زراعة الأعضاء البشرية الصادر برقم 5 لسنة 2010 وتعديلاته المقدم من البرلمانية السابقة شيرين فراج، والذي لازال حبيس الأدراج إلى الآن، ينص على أنه "يحظر التعامل في أي عضو من أعضاء جسم الإنسان أو جزء منه أو أحد أنسجته على سبيل البيع والشراء أو بمقابل أيا كانت طبيعته مع عدم السماح بزرع عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسم إنسان ميت لضرورة تقتضيها المحافظة على حياة إنسان حي إذا كان قد أوصى بذلك قبل وفاته أو أقر بذلك وفقا للإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية للقانون، وبعد ثبوت الموت ثبوتا يقينيا يستحيل بعده عودته إلى الحياة بموجب قرار لجنة علمية متخصصة بهذا الشأن يحددها القانون.
كما لا يجوز إجراء عمليات زرع الأعضاء أو أجزائها أو الأنسجة بنقل أي عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسم إنسان حي أو من جسد إنسان ميت بقصد زرعه في جسم إنسان آخر إلا طبقًا لأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية والقرارات المنفذة له".
ووفقا للقانون وجب أن يكون التبرع صادرًا عن إرادة حرة خالية من عيوب الرضاء، وثابتًا بالكتابة وذلك على النحو الذي تحدده اللائحة التنفيذية لهذا القانون، مع عدم قبول التبرع من الطفل كما لا يقبل التبرع من عديم الأهلية أو ناقصها ولا يعتد بموافقة من ينوب عنه أو بمن يمثله قانونا.