القبض على قيم المجتمع
ربما ما حدث أمس في واقعة التعدي على ثلاث فتيات من قبل سيدة؛ بحجة أنهن أو إحداهن ترتدي ملابس غير لائقة، أو خادشه للحياء؛ كارثه اجتماعية، تستدعي أن ترفع الدولة حالة التأهب القصوى، وتجمع الخبراء/الخبيرات في العلوم الديمغرافية، وجميع المعنيين/آت بالعلوم الإنسانية؛ للوقوف على حقيقة محتوى مقطع الفيديو الذي أظهر قيام امرأة في نهايات العقد الثالث أو بدايات الرابع من عمرها، تجلس على مقعدها بمترو الأنفاق، بمواجهة فتاة- يبدوا مما نشر أنها تحت سن 21 عامًا- وتنهرها، وتعتدي عليها باللفظ والفعل؛ لأنها خرقت قيم المجتمع، وهزت وجدانه، وأثارت غرائز الشباب، وربما ارتكبت الفتاة جريرتها الكبرى، ووضعت- الهاند فري- في أذنيها؛ لتستمع إلى صخب الموسيقى.
تلك الفتاة التي أجرمت، وفقا لقيم المجتمع، وارتَدَت- تي شيرت نص كم- نعم، تلك هي جريمتها، بخلاف طامتها الكبرى، أنها بلا حجاب.
فالعنف على أساس الهوية الدينية، حاضر وبقوة في هذا المشهد، الذي يبتعد الكثيرون عن ذكر هذا الأمر؛ لما يتضمنه من حساسية اجتماعية، وهو تعامل أغلب أفراد المجتمع- نساء ورجال- مع غير المحجبات على أنهن مواطنات مسيحيات؛ مما يجعل الكثير من النساء المسلمات عُرضَةً للعنف على أساس الهوية الدينية غير الصحيحة، وجعلهن يختبرن مشاعر الأخريات غير المسلمات- فالنساء للنساء- وهو دافع يجب أن يُؤخذ بعين الاعتبار، فيما يتعلق بإشكاليات المجتمع في التعامل مع أجساد النساء ومظهرهن.
فضلا عن الطبقية في التعامل، ولو عدنا لمشاهدة الفيديو من جديد، ورأينا نظرة السيدة للفتاة، والتي تحمل غيظًا وكراهية شديدة للغاية؛ تجعل المشاهدين/ات يتخيلن أن السيدة والفتاة على معرفة مسبقة، وبينهما خلاف مسبق- غير صحيح-، لعلها نظرت إليها وفقا للقيم التي تمنع الضحك، وتكره الحرية، وتحب الكبت، وتعشق العبودية، هذه هي القيم التي دفعتها إلى نهرها والتعدي عليها، لقد رأتها متحققة- ولو جزئيًّا- رأت فتاة في مقتبل العمر دون حجاب، وترتدي ما يحلو لها، مسيطرة على ما تمكنت من مساحة شخصية، كل هذه المعطيات التي قد تتناقض مع واقع السيدة المُعنِّفَة؛ جعلها تعتدي عليها لسحق مكتسباتها التي قد تكون حُرِمَت هي منها ذاتها من قبل، أو أنها حَرَمَت منها بناتها منذ قليل.
تلك السيدة المُعَنِّفَة، المحملة بإرث: أن المرأة عار وعوار، ووأدها حيَّةً لهو الصواب الأبيّ، جعلها تأخذ زمام المبادرة؛ لتُعلي كل قيم الرجعية والتخلف والجهل.
لقد دفعها الخطاب المعادي للنساء- كونهن نساء- وأمرها بذلك من عِلَل، ودلَّل على أنهن ناقصات وتابعات، وحرَّكتها عادات وتقاليد بالِيَةً آفِلَةً مُجحِفَةً مُحِطَّةً من النساء وقدرهن.
لعلها لا تستوجب وحدها العقاب؛ فكثير من حولها مجرمون، ولعلها أوضحهم جريرة، وأقلهم ضررًا من ضربات متكررة، تصفع وتعصف بالنساء وحقوهن يوما بعد يوم.