ميتافيرس السياحة المصرية.. أفكار بمليارات

خلال إحدى محاضراتي لطلبة الماجستير فاجئتني إحدى طالباتي بسؤال مهم، وقدر ما يعد سؤالا بسيطا ومتوقعا من أحد طلاب تلك المرحلة الدراسية، وجميعهم من المهنيين العاملين بالقطاع السياحي، وفي موضعه ووقته تماما ارتباطا بالتنبؤات لشكل إدارة العمليات التسويقية باستخدام الميتافيرس في السياحة وأثر ذلك على العرض والطلب في السياحة العالمية، إلا أنه كان صادما إلى حد كبير وفتح الباب أمام خيالاتي لأسئلة أكثر تعقيدًا وأهمية في مصر، ومدى استعداداتنا الحقيقية باستراتيجيات محددة لمواكبة هذا التغير الحاد المتوقع، وكيف لنا أن نجني ثمار هذا التطور بدلا من وقوفنا وقفة المتفرج على التطورات التكنولوجية العالمية المتسارعة ولا نستجيب سريعا.

وللتسهيل والتوضيح لمدى ما سيحدث من تحولات جذرية وثورية في استراتيجيات التسويق لكافة مكونات الوجهات السياحية ولأنماط السياحة بوجه عام، فلك أن تتخيل إنه أصبح بمقدورك أن تتجول في غرفتك بالفندق لتجربة كل ما بها من إمكانيات وتسهيلات قبل حجزها بل يمكن أن يصطحبك ممثل الفندق في جولة تفاعلية بالفندق ويرد على استفساراتك بعد تجربتك التفاعلية لتقرر بعدها احتياجاتك الفعلية ليتم تصميم عرض مخصص لكل عميل على حده، ولك أن تتخيل أنه أصبح بإمكانك وأنت في أقصى بقاع العالم بعد أن تشارك عائلتك وأسرتك ومن تحب كافة لحظاتك خلال سفرك رقميا، ويمكنهم حضور كافة الحفلات والمناسبات معك من خلال العالم الافتراضي التفاعلي الذي توفره تقنيات الميتافيرس.

وبالقطع فإن القدرة على تجربة المنتج قبل شرائه لن تكون قاصرة على المنتج السياحي، بل ستنتشر في كل قطاعات الأعمال سواء ما يتعلق بالخدمات أو البضائع التقليدية، ولإدراك أهمية هذا التحول الدراماتيكي وتأثيراته في سلوك المستهلكين فيكفي أن نعرف أن القرار الشرائي يتأثر إيجابا بشكل كبير بمدى ما يوفره المسوق لك من مصداقية وشفافية قبل الشراء ومدى ثقتك في المنتج والخدمة ومدى ثقتك في مصدر المعلومات المقدمة لك، ما تؤكده كافة خلاصات أبحاث سلوك المستهلكين التي تؤكد أيضا أن 57% من المستهلكين يتأثرون فوريا في حال ضمان عدم المخاطرة عند شرائهم للسلع والخدمات المختلفة، وهو ما يضمنه الميتافيرس بشكل قطعي، والتغير الجذري في طبيعة المحتوى المقدم للمستهلك الذي لم يعد بحاجه لمحتوى تسويقي مخصص بل أصبح جزء من المحتوى التفاعلي وتجربة ما يريد شراؤه.    

وطبقًا للمسح التي أجرته (جلوبال داتا،2021 (فإن الفئة العمرية للجيل ( z) وهم مواليد الفترة من 1997 وحتى 2012 هم أكثر الفئات العمرية التي تأثرت بالتكنولوجيا الرقمية وتطوراتها المتسارعة، حيث تؤكد الإحصائيات أن 43 % منهم يتأثر إيجابيا بعرض وتسويق الخدمات رقميا، ويلاحق غالبيتهم التطورات والتحديثات اليومية بشكل منتظم يقترب إلى الهوس الرقمي، وبالقطع فإن الجيل (ألفا) وهم مواليد الفترة من 2010 وحتى 2020 سيكونون أكثر تأثرا، وهو ما يعطى إشارات ودلالات مهمة أن أكثر من نصف سكان العالم لن يتأثر بالمحتوى التسويقي واستراتيجيات التسويق التقليدية، وأنهم سيكونون أكثر توقعًا لخدمات رقمية فائقة الحداثة وسيكون هذا هو إدراكهم الأساسي لكافة ما يتعلق بالترويج لأي سلعة أو خدمة يريدونها.

السياحة التاريخية

وإلى السؤال الأكثر أهمية بعد العرض السابق، ونحن نبحث عن تنمية مواردنا الدولارية، هل لنا أن نسأل وزارة السياحة المصرية عن خططها المستقبلية لترويج مصر كأحد أهم الوجهات السياحية التاريخية في العالم استثمارا وتفاعلا مع تلك المتغيرات!.

أحد أهم نواتج التفكير العالمي لثورة الميتافيرس في مجال السياحة تقديم نوع جديد ونمط سياحي مختلف وهو القدرة على العيش في حقب تاريخية سابقة منذ آلاف السنين، وهي فرصة ذهبية لمصر التاريخية أن تحتل المركز الأول عالميا في هذا النمط السياحي الجديد، ويمكن أن نجني منه مليارات الدولارات استثمارا لما تتمتع به مصر من كنوز تاريخية أثرية لا تقارن مع حضارات أخرى، وإذا ما توفرت إرادة وتخطيط علمي حقيقي يمكن أن نقدم منتجا سياحيا لا يضاهى.

 الحياة في مصر القديمة ستكون بمثابة حلم وتجربة للملايين من هواة السياحة الثقافية وغيرهم، ويكفي أن يزور مصر القديمة عبر الميتافيرس مليون زائر يوميا، وهو رقم قليل بالمقارنة إذا ما عرفت أن الحسابات النشطة اليومية تتجاوز 1.9 مليار حساب يوميا على الفيسبوك.

جولة بالمتاحف المصرية

الفكرة الأخرى التي لا تقل أهمية ودخلا عن ما سبقت، هي تلك الجولات الافتراضية التفاعلية التي يمكن تقديمها لأي متحف مصري، ومن خلال تقنية الميتافيرس يمكن أن نقدم جولة تفاعلية بمصاحبة مرشد سياحي يختاره الزائر ليقدم له شرحا تفصيليا ويجيب عن أسئلته فيما يتعلق بالحضارة المصرية أو مقتنيات المتحف الذي يزوره، مما يمكنا من تحقيق مليارات الدولارات مقابل تلك الجولات لمختلف الزائرين من العالم.

الميتافيرس سيفتح آفاقا غير مسبوقة ويعد ثورة حقيقية في التسويق السياحي، وكل ما نتمناه أن تكون هناك خطط تسويق استراتيجية حقيقية واستجابة سريعة لما يحدث من تطورات متلاحقة، وأن يكون تحرك وزارة السياحة المصرية سابقا وليس لاحقا لتفكير المهنيين العاملين بالقطاع السياحي وطلبة الدراسات العليا، والذين أراهن على أنهم لو وجدوا بيئة العمل المناسبة والملائمة والدوافع المحفزة لقدراتهم سيكونوا قاطرة الإبداع الحقيقية في هذا القطاع الحيوي خاصة وأنهم ينتمون لهذا الجيل الرقمي متسارع التطور.