عقوق الوطن
أول ما يتبادر للذهن عند سماع كلمة عقوق، أن يكون الحديث عن عقوق الوالدين، ومن المعروف أن عقوق الوالدين هو كل فعل أو قول يتأذى به الوالدان من ولدهما، ويتمثل ذلك في الهجران وعلو الصوت وعصيانهما وضربهما، وعدة أشكال أخرى، ولكن هذه المرة نتحدث عن عقوق الوطن، والذي من وجهة نظري لا يقل في المنزلة عن عقوق الوالدين، بل يعتبر حب الوطن دليل على قوة الارتباط وصدق الانتماء.
والوطن ذاكرة الإنسان، فيها الأحباب والأصحاب، فيها الآباء والأجداد، والوطن هو المكان الذي يقيم ويستقرّ فيه الإنسان وينتمي إليه سواءً وُلد فيه أم في غيره، ويُطلق على الوطن الأصلي أو الوطن الذي وُلد فيه الإنسان الوطن الأم.
وإنّ الإنسان قد جُبل وفُطر على حبّ وطنه؛ إذ إنّ الإنسان إذا وُلد في بلدٍ ما، ونشأ فيها، وترعرع في كنفها؛ فمن الطبيعيّ أن يحبّها، ويُواليها، وينتمي إليها، ويجدر بالذكر أنّ الله -تعالى- ربط حبّ الأوطان بحبّ النفس في القرآن الكريم، حيث قال: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ)،وليس من السهل أن يفارق المرء وطنه الذي عاش في كنفه.
و لكن من الواضح أننا أصبحنا في زمن غريب عجيب، فنجد أننا في الماضي القريب أجدادنا بذلوا كل نفيس وغالي من أجل الحفاظ على هذه الأرض والدفاع عنها ليتسلمها الأبناء والأحفاد أمنة مستقرة حتى يستكملوا البناء والتطوير والانتصارات والنجاحات في كافة المجالات فنجد هناك الكثير ممن يبيعون أنفسهم وأوطانهم من أجل مكاسب فردية، وتتعدد الأشكال والنتيجة واحدة وهي عقوق الوطن، فنجد من يتنازل عن جنسيته والتجنيس بجنسية دولة أخرى، والأكثر من ذلك أن ينافس الوطن الأم في المحافل الدولية، كيف لإنسان سوي أن يهزم وطنه ويقهره وهو غير مضطر، وحتى لو مضطر، فهناك من فضلوا الموت والاستشهاد في السابق ولا يكون سببًا في قهر هذا الوطن.
وعلى مستوى أخر، نجد مجموعة ممن لا يتحلون بشخصية المحارب مجتمعين في صورة منتخب لكرة القدم لا يتحلى بالنخوة أو الجدية يلعبون باسم مصر، وهناك اتحاد للعبة لا يخجل من الاستمرار واستكمال المسيرة رغم الإخفاقات المتتالية على كافة الأصعدة الرياضية، أليس هذا عقوق للوطن؟
ألا يعد الاستمرار في خذلان هذا الوطن الغالي نوع من أنواع العقوق؟، واستمرار بعض الإعلاميين في الهجوم علي الوطن الأم من خلال منصات ليست مصرية، ألا يعد هذا الهجوم المتتالي عقوق للوطن؟
لذا وجب على كل وطني حر، أن يدافع عن وطنه بكل ما أوتي من قوة حتي يرتفع شأن وطننا الغالي، ويجب أن يكون لهذا الوطن درع وسيف، كما قال الرئيس السادات رحمة الله عليه، وتغليب مصلحة الوطن علي مصالحنا الشخصية وإبراز دور الشخصيات الوطنية ممن يرفعوا اسم مصر عاليًا في شتى المجالات، وتسليط الضوء عليهم ليكونوا القدوة والمثل للأجيال القادمة، ويجب علينا الثناء على فكرة منح محمد صلاح، حصانة دبلوماسية لما يقوم به من رفع اسم مصر عاليًا بعمله واجتهاده، وقبله السير مجدي يعقوب، وعلى الصعيد الفني عادل إمام، والدكتور فاروق الباز.
عقوق الوطن في قاموس الشخصيات الوطنية يعادل الخيانة.
في النهاية نرجو من الناجح المحافظة على نجاحه والاستمرارية، ونرجو ممن يحب وطنه ويشعر بالمسؤولية ولا يستطيع أن يقدم ما يليق بهذا الوطن أن يتنحى ويترك المجال لمن يستطيع أن يدافع عن هذا الوطن بحياته.
كما نتمنى من الله أن يظهر لنا أعداء الوطن، وأن يجعل كيدهم في نحرهم ولا نرجو منهم شيئًا لأنهم لا يستحقوا طلب الرجاء، اللهم أحفظ مصر وأهلها من شرور ضعاف النفوس، ووفق الأقوياء منا لرفعة هذا الوطن الحبيب.