المؤمن دايمًا مصاب
منذ عدة سنوات دعاني أحد الخدام إلى اجتماع للشباب في كنيسته، ووجدت أحد الشباب يطلب مني أن أجيبه على سؤال مُلح نظرًا لفكرة تقال كثيرًا على مسامعه ومسامع أصدقاءه في الاجتماع، عندما يقال إن أحدهم مكتئب أو حزين وهي جملة -فكرت تقرب من ربنا؟-، وكان سؤاله هل القرب لله هو الدواء الوحيد من الاكتئاب؟.
فطلبت من جميع الحضور، أن نتذكر سويًا قصة أيوب البار، وقصة يعقوب أبو يوسف العفيف، وقصة غضب موسى النبي عندما وجد الشعب يتركون الله ويرقصون حول العجل الذهبي، وكيف زاغوا وضلوا سريعًا عن الإله الذي أخرجهم من أرض مصر وأنقذهم من بطش فرعون.
ففي قصة أيوب البار، نجده يقول: "كَلَّتْ عَيْنِي مِنَ الْحُزْنِ"، فهو قد فقد أبناءه وماله بل وضرب المرض جسده وخسر كل شيء، وأيوب كان رجلًا صالحًا مرتبطًا بعلاقة قوية بالله، ولكنه حزن لأن الحزن فطرة طبيعية في الإنسان.
أما يعقوب أبو يوسف الصديق، نجد أنه فقد بصره حزنًا على ابنه المدلل يوسف الذي كان يحبه كثيرًا هو وأخوه الصغير كونهم من راحيل الذي كان يحبها من صغره، ولكنه بكى عليه بحرقة عندما أخبره إخوة يوسف بأن هناك حيوان مفترس أكل أخوهم يوسف حتى فقد بصره تمامًا.
ولو رجعنا لسفر المزامير، نجد مزمورًا يقول فيه كاتبه: "قَطَرَتْ نَفْسِي مِنَ الْحُزْنِ. أَقِمْنِي حَسَبَ كَلاَمِكَ"، فالحزن والاكتئاب وأي مرض نفسي هو أشبه بأي مرض عضوي يمكن أن يصيب الإنسان أو يهاجمه بشراسة.
ولكن هل الحل هو القرب من الله؟، نعم، ولكن الحل هو القرب من الله فقط؟، هنا الإجابة ستكون لا وبكل وضوح، وسنسرد سويًا لماذا؟
خلق الله النفس البشرية وثبتها على 7 أركان، كما تكلمنا في كتابي "7 برمهات"، سبع من الأعمدة التي تتثبت عليهم حياتنا النفسية المتزنة: الروحاني، الذاتي، الصحي، العائلي، الاجتماعي، المهني، المادي، وإذا حدث خلل في ركن من تلك الأركان السبع، شعرنا بالخلل في كل الأركان الأخرى، وإذا أعطينا اهتمامنا بالكامل لأحد الأركان، صرنا نشعر بالتقصير في الأركان الأخرى نتيجة نقص الاهتمام.
فقبل أن نوجه فقط مريض الاكتئاب أو المريض النفسي فقط تجاه الله، علينا أن نفتش معه عن الله وعن العلة التي أدخلت المرض النفسي لحياته، فكما نوجه المريض بالسرطان أو السكري أو ضغط الدم إلى طرق العلاج التي تساعده على الاستشفاء والتعايش، علينا أن نوجهه إلى الأخصائيين والمستشارين الذين لديهم القدرة على مساعدته ليخرج من محنته النفسية.