لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم؟
منذ فجر النهضة العربية الحديثة إلى اليوم، والسؤال الجوهري الذي يشغل ذهن المصلحين والمفكرين والسياسيين في بلادنا، يدور حول أسباب تخلفنا العرب والمسلمين وتقدم الغرب.
وهو سؤال النهضة والتقدم الذي كان عبد الله النديم أول من صاغه في مقال له نُشر بجريدة الأستاذ عام 1882 ميلاديًا، تحت عنوان: بم تقدموا وتأخرنا والخلق واحد؟.
ثم أعاد الأمير شكيب أرسلان طرح ذات السؤال في رسالة مطولة له، جعل عنوانها: لماذا تأخر المسلمون، ولماذا تقدم غيرهم؟" نُشرت في مصر عام 1939 ميلاديًا.
وقد اتفق كلاهما على أن حالة الإسلام والمسلمين في القرن العشرين لا ترضي أشد الناس حبًا للإسلام، لا من جهة الدين ولا من جهة الدنيا، وحاول كلاهما أن يبحث عن أسباب تقدم الغرب الأوربي وتخلف الشرق المسلم، وعن مكمن الداء والضعف هنا، ومكمن الصحة والقوة هناك.
والمؤسف إننا لا نزال إلى اليوم وبعد أكثر من قرن ونصف نُعيد طرح السؤال ذاته، ولا نزال لليوم متأخرين عن ركب التطور الحضاري والاجتماعي والسياسي، ونعيش مستهلكين لكل ما يقدمه لنا الغرب من أفكار ومنجزات علمية وتكنولوجية.
فهل تخلفنا الحضاري قدرُ لا خلاص منه، وأننا غير مؤهلين للتطور والحداثة وصنع الحضارة، كما حاول بعضهم في الداخل والخارج أن يوهمنا بذلك، أم يمكن لجيلنا بعد استيعاب دروس الماضي أن يسأل الله قدرا جديدا أكثر إيجابية وفاعلية ونجاحًا وتحققًا إنسانيًا وحضاريًا، طالما كانت الأقدار التي يُمسك بها تعالى في يده، لا متناهية كذاته، كما قال الفيلسوف الباكستاني محمد إقبال.
في واقع الأمر، إن الحلم بتغيير وإصلاح واقعنا الديني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والحضاري، هو حلم راود عدة أجيال من المفكرين والمثقفين العرب منذ مطلع النهضة العربية إلى اليوم،
وقد قدموا في سبيل تحقيق ذلك الحلم عدد من الخطابات الفكرية الإصلاحية، بداية من جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده، ومرورًا بـ لطفي السيد وطه حسين وزكى نجيب محمود وعلال الفاسي ومالك بن نبي ومحمد عزيز الحبابى، وانتهاء بـ حسن حنفي ومحمد عابد الجابري، ومحمد أركون وعبد الوهاب المسيرى، ونصر حامد أبوزيد.
لكن لماذا لم تؤت هذه الخطابات ثمارها تقدما وازدهارًا في مجتمعنا وبلادنا وموقعنا الحضاري؟ ولماذا لم تتحول هذه الخطابات الإصلاحية النظرية إلى مشاريع للتقدم والنهضة في الواقع، وظلت حبيسة الكتب والسياقات الأكاديمية؟
يقيني الشخصي أن البحث عن إجابات لتلك التساؤلات يحتاج إلى مشروع نقدي متكامل لهذه الخطابات الإصلاحية النظرية لدراستها وإعادة تقييمها، ومعرفة ما يلي:
- هل استطاعت الرؤى والأفكار التي قدمها أصحاب تلك الخطابات الفكرية أن تشتبك مع الواقع بغاية تصحيحه، والانتقال به مما هو كائن إلي ما ينبغي أن يكون أم فشلت في ذلك؟ ولماذا؟
- هل احتلت هذه الرؤى والأفكار حيزًا من اهتمامات الناس أم لم يلتفت إليها أحد، وأشاح الإنسان العربي وجهه عنها وعن أصحابها، ولماذا؟
- ما هي الجوانب الايجابية غير القابلة للدحض لدي أصحاب هذه الخطابات، التي يُمكن استكمال البناء عليها لصياغة خطاب إصلاحي حضاري جديد، قابل للتطبيق في الواقع؟
وهذا النقد والتقييم الموضوعي إن لم يُجنبنا طرح الأسئلة ذاتها التي طرحها أجدادنا قبل 150 عامًا، فسوف يدفعنا للبحث عن إجابات جديدة لها، ويفتح الباب في حياتنا الثقافية والفكرية لحدوث تراكم معرفي يمنعنا من البدأ من الصفر مجددًا في طرح الأسئلة، وتقديم الإجابات، وكأننا نُعيد اختراع العجلة من جديد.
لقد حان الوقت إذن في لحظتنا القلقة التي نعيشها اليوم في العالم كله، أن نستخدم عقولنا لنعرف نحن العرب والمسلمون إلى أين ذاهبون؟ ولماذا تقدموا وتخلفنا؟
ولكي نُدرك عمق أزمتنا الحضارية، لا بد أن نعرف ألا مخرج لنا منها إلا بـ ثورة على مستوى الفكر والوعي وفهم ونقد الذات والتجربة، ثورة تُساعدنا على فهم أنفسنا وماضينا وحاضرنا واستشراف ملامح مستقبلنا، وتُعرفنا داءنا ودواءنا، وتُمكننا من إصلاح مجتمعنا وواقعنا، وتجعلنا قادرين على اللحاق بركب التقدم والحضارة، حتى لا نظل للأبد متخلفين حضاريًا، وعالة على الغرب ومنجزات الحضارة الغربية.