وكيل الأزهر: دعم الأصوات غير المؤهلة للفتوى والدفع بها إلى الصدارة لا يُفيد الدين ولا الوطن
قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف: إن اختيار المجلس الأعلى للشئونِ الإسلامية بوزارة الأوقاف لقضية الاجتهاد، وطرحها ومعالجتِها في هذه المحاورِ الجامعة؛ هو اختيار في غاية الأهمية، مؤكدًا أن الاجتهاد مكوِن أصيل من مكوّناتِ هويتِنا وحضارتِنا، وأن كتبُ أهلِ العلم على اختلاف فنونها وعصورِها شاهدة بأن العلماءَ الأمناء، راقبوا ما يدور في جنباتِ أزمانِهم بعين البصيرة والحكمة، وتفاعلوا مع هذا الحراك الحياتي بما يمكن أن نسمِّيَه بـ الاجتهادَ الواعي.
وأوضح الضويني خلال كلمته بالمؤتمر الثالث والثلاثين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، تحت عنوان: الاجتهاد ضرورة العصر: صوره.. ضوابطه.. رجاله.. الحاجة إليه، والذي يقام تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبمشاركة وفود ووزراء من 55 دولة؛ أن المتأمل لما كتبَه هؤلاءِ العلماء الأمناء يقف إجلالًا وتعظيمًا لهذه العقولِ المبدعةِ التي يسرتْ لنا فهمَ الدين ووضحت لنا أحكامَ الشريعة وطرائقَ الاجتهاد، وبذلت أعمارها للإسهام في بناء الحضارة وتشكيل ملامحِها، مشيرًا إلى أن الاجتهادُ الواعي إذا كان فريضةً حضاريَة؛ فإنه كذلك ضرورة مجتمعية، تشتد الحاجة إليه في وقت توصف فيه أحكامُ الإسلامِ وتراثه بالجمودِ والانغلاقِ، وفي وقتٍ تتجددُ فيه الحياة، وتقتضي متغيراتها المتسارعة أحكامًا مرنة، تستجيبُ للواقعِ من ناحيةٍ، ولا تناقضُ الثَّابتَ المستقرَّ من الأحكامِ من ناحيةٍ أخرى.
وكيل الأزهر: الاجتهادَ الواعي دليل واضح على خصوبة الشريعة وسعة أحكامِها
وبين وكيل الأزهر أن الاجتهادَ الواعي، ليس شعارًا أو تنظيرًا، وإنما هو ما ينقل الأمَةَ من الكسلِ العقلي إلى حالةٍ من النَّشاطِ الفكريِّ الذي يمكن صاحبَه من طرحِ رُؤًى جديدةٍ مبدعةٍ تتوافقُ مع حاجاتِ الإنسانِ المتباينةِ من عصرٍ إلى عصرٍ، وتحفظُ عليه إيمانَه وعقيدَته في مواجهةِ أمواجِ الفتنِ والمغرياتِ، موضحًا أنَّ هذا الاجتهادَ الواعي دليلٌ واضحٌ على خصوبةِ الشَّريعةِ وسعةِ أحكامِها، بما يضمنُ الاستجابةَ لحاجاتِ النَّاسِ مع المحافظةِ على حقِّ اللهِ، في ظل الواقعُ الذي يشهدُ تطوُّراتٍ كثيرةً في كافَّةِ المجالاتِ العلميَّةِ والثَّقافيَّةِ والاجتماعيَّةِ والاقتصاديَّةِ والسِّياسيَّةِ، تنشأُ عنها كثيرٌ من المستجدَّاتِ والقضايا الَّتي تتطلَّبُ أحكامًا ملائمةً، وتحتاج إلى اجتهادٍ جماعيٍّ متعدِّدِ الرَّؤى، من خلالِ علماءِ المجامعِ الفقهيَّةِ بعيدًا عن الاجتهاداتِ الفرديَّةِ.
وأشار إلى أنه من الغريب - في ظل هذا الواقعِ الذي يفرضُ التخصصَ والمؤسسيةَ والجماعيةَ في الاجتهادِ-؛ أن نرى أفرادًا غيرَ مؤهَّلين يتصدَّرون للكلامِ باسمِ الدِّينِ فيأتون بأعاجيبَ لم يُسبقوا إليها، دون نظرٍ لهويَّةٍ ثابتةٍ، أو مجتمعٍ مستقرٍّ، أو وطنٍ آمنٍ، مؤكدًا أنَّ دعمَ هذه الأصواتِ، والدَّفعَ بها إلى الصَّدارةِ، والعملَ على تضخيمِها؛ لا يُفيدُ دينًا ولا وطنًا، ولا يحفظُ سلامًا ولا أمنًا، لافتا إلى أن الاجتهادُ في زمانِنا هذا أشدُّ ضرورةً؛ خاصَّةً بعد ما حملَه العصرُ من أدواتٍ أتاحتْ المعلوماتِ، وسهَّلتْ التَّواصلَ بين العلماءِ والخبراءِ، لافتًا إلى أن هذه الأدواتِ الميسِّرةَ تحملُ معها العسرَ والمشقَّةَ من ناحيةٍ أخرى؛ فقد جرَّأتْ غيرَ المؤهَّلين على التَّصدُّرِ، وأتاحتْ الفرصةَ لهم لطرحِ أراءٍ تقذفُ بمن يأخذُ بها إلى غياباتِ التَّطرُّفِ المظلمِ.