مرصد الأزهريسلط الضوء على تاريخ العلاقات المصرية - الصينية
سلط مرصد الأزهر، الضوء على تاريخ العلاقات المصرية - الصينية، مشيرا إلى أن الحضارات الإنسانية المتعاقبة أسهمت في بلورة وتطوير المكوّن المعرفي والثقافي البشري؛ وكان للتعاون والتكامل المستمر بين القيم الإنسانية في المجتمعات المختلفة، دورٌ مهم في نمو الحضارات الانسانية.
وأضاف في بيان: من هذا المنطلق تظهر أهمية دراسة تاريخ العلاقات بين الحضارات المختلفة والتي تؤدي إلى فهم كيفية استقرار المجتمعات البشرية وتكوينها. وتعتبر الحضارة الإسلامية أحد أهم الحضارات التي كونت اتصالًا وثيقًا مع الحضارات الإنسانية المختلفة على مر العصور، متابعا: ولا يمكن إنكار عظمة وعراقة الحضارتين؛ الإسلامية التي أضافت للإنسانية الكثير من العلوم مثل الطب، والفلسفة، والجبر والكيمياء، وعلوم الاجتماع وغيرها، والصينية التي تفتخر بعراقتها واختراعاتها الأربعة (البوصلة، والبارود، وصناعة الورق، والطباعة).
وواصل: لكن يجدر بنا في البداية إلقاء نظرة سريعة على طبيعة العلاقات العربية- الصينية قبل الإسلام، والتي مهدت فيما بعد للاتصال الحضاري بين الإسلام والصين، وقد لعب طريق الحرير قديمًا دورًا أساسيًّا في التبادل التجاري والاقتصادي بين العرب والصين.
ظهور الإسلام والعلاقات الرسمية
وأردف: اختلفت الروايات حول الزمن الدقيق للاتصال الأول بين الإسلام والإمبراطورية الصينية، لكن أجمع المؤرخون على أن أول احتكاك بين الجانبين كان في عهد الخليفة الراشد سيدنا عثمان بن عفان في المدة 576 م - 656 م، حين وجه بإرسال الوفود إلى الإمبراطور الصني قاوزونغ من أسرة تانغ ووفق بعض السجلات التاريخية نقلًا عن المؤرخين العرب، فقد كان البلاط الإمبراطوري يتابع التطورات في شبه الجزيرة العربية، وقد ذكر المسعودي ما يؤكد معرفة الإمبراطور الصيني بأمر النبي حتى أنه سجَّل وصول الصحابي هبار بن الأسود إلى الصين ومقابلته للإمبراطور الصيني المسعودي.
واستطرد مرصد الأزهر: كذلك قدمت المصادر الصينية وصفًا للعرب وعبادتهم وخُلوِّ المساجد من التماثيل، واختلاف الديانة الإسلامية عن البوذية، وازدهرت العلاقات الرسمية خاصة في عهد الدولة العباسية التي عُرفت بحب الفنون والثقافة والعلوم، فقد سجَّلت الروايات التاريخية تبادل الرسائل والزيارات بين الخلفاء العباسيين وأباطرة الصين في عهد أبي جعفر المنصور وهارون الرشيد، متابعا: وقد كان المؤرخ الصيني دو خوان حريصًا على تسجيل طبيعة الأوضاع داخل الخلافة الإسلامية ثم برزت أهمية طريق الحرير مجددًا بعد استقرار أوضاع الخلافة الإسلامية؛ حيث ارتفع مؤشر التبادل التجاري بين الجانبين الإسلامي والصيني، وتلقى المسلمون فنون الكثيير من الصناعات كالمنسوجات الحريرية، وصناعة الورق، والنقش على الذهب والخزف على أيدي الصينيين، لكن سرعان ما تغيرت الأحوال نتيجة تدهور الأوضاع وتفتت الدولة الإسلامية؛ حيث انحسرت العلاقات الرسمية بين الجانبين، إلا أن نجاح المغول في توحيد الصين والعديد من الدول الإسلامية تحت مظلة إمبراطورية واحدة، ساهم بشكل كبير في نشأة الوجود الإسلامي بالصين.
تطور العلاقات الإسلامية الصينية
وأشار إلى أنه لم تتوقف العلاقات الإسلامية- الصينية عند حدود الزيارات أو التبادل الاقتصادي، ولكن في المدة من 1360م إلى 1424م حرص الإمبراطور يونغ لي من أسرة سونغ على تطوير العلاقات العسكرية مع الدول الإسلامية المختلفة، ووجه بإرسال الرحَّالات البحرية لتأمين طرق التجارة تحت قيادة الرحَّالة المسلم تشينغ خه الذي قاد على مدار30 عامًا عدد 7 رحلاتٍ بحرية في موانئ وبلدان آسيا وإفريقيا، فوصل بأسطوله البحري إلى جزيرة جاوة الإندونيسية جنوبًا، ومنطقة الخليج والبحر الأحمر ومكة المكرمة شمالًا، وجزيرة تايوان شرقًا، والسواحل الشرقية لقارة إفريقيا، وهى الرحلات المعروفة باسم الكنز.
ولقت إلى أنه في العصر الحديث لعب الأزهر دورًا مهمًّا في توطيد العلاقات الإسلامية- الصينية، من خلال استقبال البعثات الطلابية، وقد وصلت أولى دفعات الطلاب الصينيين إلى مصر عام 1931م، وبلغ مجموع الطلاب الصينيين المبعتثين حوالي 33 طالبًا على 5 دفعات حتي عام 1938، وكان لهؤلاء الطلاب دورٌ كبيرٌ في إثراء الحياة الثقافية داخل الصين، فكان لأغلبهم بعد انتهاء دراستهم وعودتهم إلى موطنهم مناصب علمية رفيعة ساعدت على ترجمة العديد من الكتب العربية إلى الصينية.
عوامل زيادة التبادل الحضاري بين المسلمين والصين
وقال إنه مع مرور القرون توطدت العلاقات بين الجانبين نتيجة تصاعد نفوذ الوجود الإسلامي القوي داخل الإمبراطورية الصينية، وصعود الكثير من المسلمين إلى مناصب رفيعة في الحكومات الصينيةـ كذلك سعي أباطرة الصين إلى وجود علاقات اقتصادية وتجارية قوية، وخاصة أن أغلب طرق الحرير تمر داخل البلاد الإسلامية.
وشرح أن من أهم عوامل زيادة التبادل الحضاري: حسن النوايا: نشأ الإسلام في الصين بين ضلوع المجتمع، نتيجة للاتصالات واحتياجات المجتمع الصيني إلى العلوم والفنون، التي كان المسلمون روادًا فيها مثل علوم الطب والفلك والعمارة، إضافة إلى وجود العديد من المسلمين على الأراضي الصينية مُنذ عهد أسرة تانغ في القرن الأول الهجري، وإنشاء بعض المساجد أهمها مسجد هوايشينغ والذي تعني الحنين إلى النبي، ويطلق عليه أيضًا مسجد المنارة ويقع بمقاطعة قوانغ تشو جنوبي الصين.
وأكد مرصد الأزهر أن: التأثير الذي نراه الآن، هو بفضل التعاون والعلاقات الحسنة التي استغلها المسلمون في القرون الأولى لظهور الإسلام، فالتاريخ الذي هو نبراس للأمم يعطي للأمة الدفعة للعودة إلى الفكر السليم، والتعايش المشترك الذي ينتج نهضة ويصنع حضارة