الاحتفال بمولد النبي بدعة ف عينك
يبهرني المجهود العلمي والمجتمعي المذهل الذي يبذله كل عام إخواننا الببغاوات المتسلفون والمتشيعون للوهابية في إلباس فرحة إخوانهم المسلمين بمولد النبي بأنها بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ويدهشني أنهم وعلماءهم الحَفِّيظة لآلاف الأحاديث ومتون كتب التراث لم يقرءوا ألف باء فقه وأحكام، رغم أن الأمر لا علاقة له بالأحكام الشرعية، ولا حتى فكروا في قراءة شروح العلماء للحديث الذي يتخذونه سيفًا على رقاب كل مسلم؛ ليعكننوا علينا في زمن نتلكك فيه لأي شيء يفرحنا وسط غمامات الغم.
وتعجب عندما تقرأ لجهدهم الجهيد والقائمة الطويلة العريضة لتحريم وتجريم هذا الاحتفال من أن هذا الحزق فاته وفات مشايخهم ألف باء فقه، وهو تعريف البدعة في الإسلام.
وإذا بحثنا عما قاله علماء السلف الحقيقيون، وقبلهم الصحابة، وفوقهم معلم البشرية كلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسندرك كم أن أولئك المتسلفين يحملون فوق أكتافهم "مخاخ ضِلْمة".
الاحتفال بمولد النبي
فهم لا يعرفون مثلًا أن البدعة تشمل العبادات لا العادات، وإلا لصار كل شيء في حياتنا ضلالة في النار، وحتى البدعة في العبادات لم يصادف جهابذة الوهابيين ما قاله الفاروق عمر بن الخطاب، الذي صدَّقه القرآن في آيات، وما نقله عنه الإمام النووي في شرح الحديث الذي يحتجُّون به "وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"، حيث قال النووي: "عُلم أن الحديث من العام المخصوص، وكذا ما أشبهـه مـن الأحاديـث الواردة، ويؤيد ما قلناه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في التراويح: نعمت البدعـة".
وعقَّب النووي: "والحق أن البدعة كمصطلح هي البدعة الشرعية، فكل بدعة بهذا المعنـى فـي ضـلالة بنص الحديث الصريح الصحيح بهذا العموم والشمول والكلية".
ولم يبلغ أحدًا من مشايخهم أصحاب اللحى الطويلة والجلابيات المأزعرة أن الإمام الشافعي قسَّم البدعة إلى محمودة ومذمومة، وأن من جاء من بعده اعتمدها، ومنهم العز بن عبد السلام والنووي والقرافي والحافظ ابن حجر.
وأن هناك بدعة مندوبة، وهي كل إحسان لم يعهد عينه في العهد النبوي، نقلها ابن حجر عن العز بن عبد السلام.
ولم يسمعوا فتوى دار الإفتاء بأن العلماء اتفقوا على أن البدعة لا تكون إلا في الدين، وأن العلماء أجمعوا على أن الاحتفال بمولد النبي جائز وليس بدعة.
ويبدو أنهم عموا عن حديث احتفال جاريتين من الأنصار بيوم بعاث الجاهلي، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "يا أبا بكرٍ إنَّ لكلِّ قومٍ عيدًا وهذا عيدُنا".
وهنا يفرض سؤال محرج نفسه: هل هؤلاء الدهماء حملة الأسفار جهلة لهذه الدرجة، أم متعصبون لمشايخهم حتى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب وعلماء السلف الحقيقيين، أم أنهم موجهون لإحداث زوابع تكرِّه الناس في دينهم، وتغبر عليهم فهمهم للدين، أم أن هناك أمرًا آخر هم أدرى به؟!
أما الاستدلال الأحمق الذي ألقموا به مؤيدي المولد النبوي الحجر، وفي حقيقته، فقولهم إنه لم يثبت أن أحدًا من الصحابة أو السلف الصالح احتفل بمولد النبي، وهو استدلال يلقمهم هم التبن والعلف، ويزيد آذانًا طولًا؛ لأن ثقافة الاحتفال بأعياد الميلاد لم يكن العرب في الجاهلية ولا في الإسلام يعرفونها، فلم يثبت أن كفار قريش مثلًا أحضروا تورتة لسيد القوم عبد المطلب في عيد ميلاده، رغم مكانته بينهم وبين العرب.
فليت أدعياء احتكار العلم ينقبون ألسنتهم ويلتزمون بالآية الكريمة "إني نذرت للرحمن صومًا فلن أكلم اليوم إنسيًّا"؛ صونًا لأنفسهم من أن تتعرى سوأتهم العلمية والنفسية.